الدرس المستفاد من انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي هو تمييز الخبيث من الطيب ، وفرز أكوام الرمل من قناطير الذهب ، والتثبت من أن هذه الأرض بها خير كثير يرتجى من بناتها وبنيها ، الحادبين على مصالحها العليا ولو كره الأمميون والإقليميون والرباعيون والثلاثيون ، وكل الأمم تمر بمنعطفات تاريخية حرجة وخطيرة ينزلق تحتها المتذبذبون ويواصل المسير الراكزون ، وما بين النهوض نحو سؤدد المجد وخذلان الذات شعرة رفيعة ، ترفع الذين صبروا درجات وتسقط المتآمرين إلى أسفل سافلين ، فما يخرج من تسريبات من بين خلل الأبواب المغلقة لاجتماعات مركزية الحرية والتغيير والعسكر ، ينبيء عن قرب الوصول لشراكة جديدة ، يكون محك نجاحها القصاص من قتلة الشهداء ، الأمر الذي يعتبر مستحيلاً مع اشتمام روائح شواء مجالس الشريكين الضاجة والصاخبة بالضحكات والقهقهات ، والمتناسية لدم الشهيد المسفوح على البساط الأحمر الذي سوف تدوس عليه أقدام التسويين ، فما على المقاومين إلّا ربط أحزمة أمان طائرة الحراك الثوري لمعاودة الإقلاع وتدشين رحلة النصر الأكيد ، فالمرابون قد استباحوا هذه الأرض الحلوب ، ولن تجدي مساومة الكائنات الحية في حقها لاستنشاقها للأوكسيجين ، لأن الفيصل في استكمال المشروع الثوري هو أخذ الحقوق وليس استجداءها. المؤكد أن العسكريين والأمنيين والاستخباريين يصدرون الضوء الأخضر ، لتمرير الوثيقة الحافظة لحقهم في قيادة الدفة ولو من وراء حجاب ، والمعلوم من الواقع بالضرورة أن التسويين يسعون نحو الاستوزار أكثر من سعيهم لأجل تفعيل دور القضاء المستقل ، وبين طمع التسويين وخوف وهلع العسكريين سوف تولد الوثيقة (المنغولية) الصنوة والشبيهة برفيقتها الموؤودة بحراب العسكر ، فالقوم هم القوم ، كما باعوا الحقوق العامة وأهدروا كرامة الأحياء والأموات من قبل ، ها هم في طريقهم لصناعة بؤس آخر يطيل أمد القبضة الحديدية للمنظومة العسكرية والأمنية الموالية للنظام (البائد) ، بمباركة دولية وإقليمية (مؤقتة) ، أقول مؤقتة لما لهذه الواجهات من تمرّس في فنون المراوغة والانسحاب من أي اتفاق بين الفرقاء متى ما رأت إرهاصات الفشل تلوح في الأفق ، وما أدل على مذهبنا هذا غير الضعف والهوان الذي لازم اتفاق جوبا ، في هذا الخضم الذي يعمل على صناعة واقع جديد تضيع معه مكاسب كبرى جناها أبطال جوبا خلال العام الذي مضى ، فالغطاء الأممي والستار الإقليمي لن يجلبا جنة الله إلى الأرض ولن يحققا مدينة افلاطون الفاضلة ، وحدها سواعد الجيل الثائر هي القادرة على ذلك والكفيلة بقلب الطاولة وابتكار القيم الجديدة والسير ، جيل ديسمبر المستجيش ضراوة. بناء على ما تم سرده سوف تؤسس هياكل للحكم ضعيفة استجابة لإشارة اصبع السفير ، وتتفاقم المعضلة الاقتصادية ويسوء المصير ، جراء العمليات الجراحية التعليمية والتدريبية التي يمارسها اقتصاديون غير أكفاء ، تحت إدارة تنفيذية ضعيفة تستمد شرعيتها من تحقيق مصالح المساهمين في صناعة الواقع السياسي الجديد والأكثر تسبباً في موت جنين الأنابيب المشوّه المنتج في المعامل الأممية والاقليمية ، هو الشارع النابض بالرفض المطلق لأي تسوية ، فإهمال هذا الرفض الشعبي الغالب والوازن سيحيل مشروع الترضية لرماد تذروه الرياح ، فلجان المقاومة الرافضة لأي شكل من أشكال التسويات السياسية المعهودة والمرعية من الموفدين العالميين والمحليين ، هي القوة الحيّة المستوعبة لدرس الماضي والمهيئة لمواجهة تحدي الحاضر الماثل أمام ناظري كل عاقل ، فالشامتون على أهبة الاستعداد للضحك كثيراً بعد الإعلان عن الهياكل السلطوية الجديدة والكشف عن الوجوه القديمة ، التي من المحتم أن تكون تكرار للمثل المكرور والمهدور المداد (نبيذ قديم في قناني جديدة) ، هكذا هي عقلية القوى الحزبية القديمة غير القابلة للتجديد والترميم والفاقدة لأشياء ليست لها المقدرة في أن تعطيها ، و(السواطة) الدائرية منذ ما بعد الاستقلال حان وقت قطاف رأسها حتى تتوقف دورتها الخبيثة لتبدأ دورة للحياة جديدة. [email protected]