مازالت المليونيات تتواتر وتتنوع. حيث اختارت لجان المقاومة ان تكون مليونية السادس عشر من مارس 2023م امدرمانية صرفة ولا مركزية ، في الطريق الى السادس من أبريل ، لتاكيد ان الشارع قادر ومصمم على اسقاط دولة التمكين وذراعها الأمنية العسكرية الحاكمة . وللرمزية ، خرجت المليونية معلنة توجهها الى القصر الجمهوري ، في رسالة تحريك لا تحرير ، تكرس الاستمرارية وعدم الانقطاع ، وتعزز تحديها لمركز السلطة. لا أحد بالطبع يسعى للوصول إلى القصر بهدف إستلام السلطة الآن ، لأن استلامها يستلزم تكون الكتلة الجماهيرية الحرجة اللازمة لذلك ، القادرة على انجاز العصيان المدني والإضراب السياسي العام ، وإجبار سلطة التمكين على الاستسلام لارادة الشعب. فالفعل الثوري المنظم ، يحافظ على جذوة الثورة مشتعلة ، ويقلق مضاجع السلطة ، ويدفع في اتجاه تكوين مركز التنسيق الموحد ، ويمنع السلطة والملتحقين بها من مواقع متخلفة عبر الإتفاق الإطاري من إمتلاك زمام المبادرة في صناعة الحدث السياسي واعادة تشكيل الخارطة السياسية. وهذا الحراك ، يعزز صحة شعار "الثورة نقابة ولجنة حي"، ويؤكد ان لجان المقاومة هي القيادة الفعلية والقاعدية للثورة ، وان التحاق النقابات الفئوية بها ، شرط انتصار الثورة. والقول بذلك لا يعني اقصاء الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني واغفال دورها في التغيير ، لأنه يلخص ما اختبرته الثورة السودانية عبر تجاربها في ثورة اكتوبر و انتفاضة أبريل وثورة ديسمبر الماثلة. فالاحزاب ومنظمات المجتمع المدني جميعها ممثلة عبر عضويتها في النقابة ولجنة الحي. ونشاط هذه المؤسسات الفوقي الداعم لنشاط النقابة ولجنة الحي ، مرحب به . لكن اساس الثورة المؤسستين القاعديتين ، لانهما تضمان الجميع وتؤسسان لنجاح الثورة . لا أحد يقصي او يستبعد الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ، لكن التجربة اثبتت ان التحالفات الفوقية غير قادرة على قيادة الثورة وانجاز مهام الإنتقال . على الاحزاب دعم النقابة ولجنة الحي ، بحيث يطبق شعار لكل حزبه والنقابة للجميع ، وكذلك لكل حزبه واللجنة للجميع. يلاحظ ان النقابة ولجنة الحي تضمان اعضاء الاحزاب وغير المنظمين حزبيا وهم الاغلبية. وهما توفران منصة لصراع الافكار والتصورات ضمن اهداف كلا منهما. ومن يقولون الا ديمقراطية بدون احزاب – وهي مقولة صحيحة ، عليهم ان يدركوا بأن المرحلة الانتقالية ليست مرحلة ديمقراطية ، لا من حيث كيفية تشريع دستورها ، ولا من حيث طبيعة سلطتها غير المنتخبة ، وليس هنالك ما يمنع ان يقودها تحالف النقابة ولجنة الحي القاعدي المتصل بالجماهير الثائرة المنظمة ، التي تتاح لها الفرصة لفرض ارادتها الثورية ، في ظل وجود احزاب ناشطة داعمة لها وفقا لمشروع الثورة الذي تدعي الاحزاب التمسك به ، على ان تتفرغ الاحزاب لبناء تنظيماتها استعدادا للانتخابات المتوقعة بنهاية الفترة الانتقالية ، وبداية الفترة الديمقراطية المحكومة بدستور ديمقراطي المصدر وقانون انتخابات ديمقراطي . وليس في هذا بالطبع تقليل من شان الاحزاب او انكار لمساهمتها في النضال ، ولكنه اعتبار من التجارب المرة التي منعت ثورات الشعب السوداني من تحقيق اهدافها ، عبر فرض وصاية القوى السياسية المنظمة على الجماهير واستبعادها من دائرة الفعل السياسي بمجرد نجاح الثورة في اسقاط راس النظام ، او توظيف حراكها من أجل التسوية مع النظام القديم الذي مازال يحكم عبر ذراعه العسكرية ، كما تفعل قوى الحرية والتغيير الآن. يقيننا ان الحراك الواثق سيستمر ، وان العنف الاعمى الذي يواجهه لن ينجح في ايقافه او هزيمته . فالمليونية الام درمانية ووجهت بالعنف كما هو متوقع ، وواكبها استعراض للقوة العسكرية أيضاً. وبما ان هذا الاستعراض تمثل في نشر دبابات في كبري المك نمر ، وطواف للمدرعات المحمولة في الخرطوم وهما ليستا مشمولتان بحراك ، يصبح من السليم استنتاج ان استعراض القوة المقصود منه إرسال رسائل لمليشيا الجنجويد التي جلبت إعداد ضخمة من منسوبيها الى المعسكرات المحيطة بالعاصمة. وهذا يؤكد ان التوتر مازال قائما بين قيادة الجيش الانقاذية ومليشيا الجنجويد ، بالرغم من تدخل الكفيل الاقليمي ومحاولات التسوية ، مما يجعل الصدام محتملاً ولكنه غير راجح ، ويعزز ما سبق ان ذكرناه بأن الجيش أفضل قدرات من المليشيا ، لكن قيادته الانقاذية هي التي تسمح بتمكينها. عموما الحراك ماض في طريقه نحو صناعة النصر ، ممسكا بمبادرته في صنع الحدث ، منوعا في نشاطه ما بين مركزي ولا مركزي ، وواثقا من ان الصراع بين المليشيا وقيادة الجيش الانقاذية المسيطر عليه من قبل الكفيل ، لن يكون بديلا عن ارادة الشعب الغلابة. وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!! .