شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تستعيد ذكرياتها مع زوجها بلقطات رومانسية (معًا على الدرب، نمضي قدمًا نحو الأفضل)    "جاء الوقت الذي أضع فيه عائلتي في المقام الأول".. فنانة سودانية معروفة تفاجئ جمهورها وتعلن إعتزالها الفن وتقرر الهجرة لفرنسا بصورة نهائية    شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" في تصريحات من مهرجان مصري: (أنا من أم إيطالية وأب مصري وجدتي لبنانية وأحمل الجنسيتين السودانية والمصرية)    مشاهد مرعبة من الفاشر.. صور الأقمار توثق جثثاً وبقع دماء    المريخ يختتم إعداده للقاء التعاون    الفاشر لم تكن مجرّد مدينة بل كانت قلب الذاكرة الدارفورية    محمود الخطيب يكشف أسباب أداء الأهلي في كأس العالم للأندية ويؤكد: "ريبيرو مرحلة وانتهت"    الخارجية تبلغ مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي ومديرة قسم العمليات بالسودان بانهما غير مرغوب فيهما    إليسا تحتفل بعيد ميلادها في لبنان بحضور نجوم الفن    نقل 218 جثمان من مواقع متفرقة بقشلاق الشرطة بمنطقة ابو سعد جنوبي امدرمان وإعادة دفنها وفقاً للإجراءات القانونية    4.5 مليون فرنك مكافأة لكل نادٍ رواندي بسبب مشاركة الأندية السودانية في الدوري    الاتحاد العام للصحفيين السودانيين يصدر بيانا حول اختطاف واعتقال الزميل معمر إبراهيم بمدينة الفاشر    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    القوات المسلحة تحث المجتمع الدولي ووسائل الإعلام على توثيق جرائم مليشيا آل دقلو في الفاشر    وزير الداخلية يشيد بقوات مكافحة التهريب بقوات الجمارك لضبطها عدد 586 كيلو جرام من مخدر الأيس    عثمان ميرغني يكتب: لا خير فينا إن لم نقلها    محمد عبدالقادر يكتب: و"سكتت أسيا" فى يوم بالغ الفجيعة    نادي الصفا يكسب خدمات نجم مريخ الابيض كلول    الوادي يبدع ويمتع ويكتسح الوطن بعطبرة    أحد ضباط المليشيا يتبجح بأنه إذا رجعوا إلى الخرطوم فسيحرقونها عن بكرة أبيها    انقلب السحر على الساحر.. لامين جمال يعيش كابوسا في البرنابيو    مسؤول أممي: التدّخل في شؤون السودان يقوّض آفاق السلام    تفاصيل استشهاد المراسل الحربي آسيا الخليفة.. لجأت لمبنى مفوضية العون الإنساني بعد أن اشتد بهم الخناق والمليشيا طالبت بتسليمها لكن زملائها رفضوا ودافعوا عن شرفها حتى استشهدوا جميعا    الدوري الممتاز 7 يناير بدون استثناء    سيطرة عربية.. الفرق المتأهلة إلى مجموعات دوري أبطال إفريقيا    ترامب: أحب إيقاف الحروب    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تربط جميع مكاتبها داخل السودان بشبكة الألياف الضوئية لتسهيل إستخراج الفيش    تطوّرات بشأن"مدينة الإنتاج الحيواني" في السودان    ستيلا قايتانو.. تجربة قصصية تعيد تركيب الحرب في السودان    الديوان الملكي: وفاة الأميرة نوف بنت سعود بن عبدالعزيز    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    أمين تجار محاصيل القضارف : طالبنا الدولة بضرورة التدخل لمعالجة "كساد" الذرة    والي النيل الأبيض يدشن كهرباء مشروع الفاشوشية الزراعي بمحلية قلي    شاهد بالفيديو.. الفنانة عشة الجبل توجه رسالة للفنانين والفنانات وتصفهم بالمنافقين والمنافقات: (كلام سيادتو ياسر العطا صاح وما قصده حاجة.. نانسي عجاج كاهنة كبيرة والبسمع لفدوى الأبنوسية تاني ما يسمع فنان)    متى تسمح لطفلك بالحصول على جهاز ذكي؟ خبير أميركي يجيب    السودان يعلن عن اتّفاق مع روسيا    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    علي الخضر يكتب: نظرة الى اتفاق الصخيرات .. لماذا تسعى الإمارات لتخريب مبادرة الرباعية ؟    معلومات مهمّة لمسؤول سكك حديد السودان    ترامب: نهاية حماس ستكون وحشية إن لم تفعل الصواب    وفاة الكاتب السوداني صاحب رواية "بيضة النعامة" رؤوف مسعد    إيران تلغي "اتفاق القاهرة" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    بدء عمليات حصاد السمسم بالقضارف وسط تفاؤل كبير من المزارعين    ترامب يتوعد: سنقضي على حماس إن انتهكت اتفاق غزة    القضارف.. توجيه رئاسي بفك صادر الذرة    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط عدد( 74) جوال نحاس بعطبرة وتوقف المتورطين    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    تطوّرات مثيرة في جوبا بشأن"رياك مشار"    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإتفاق النهائي (تقنين شراكة الدم الجديدة)
نشر في الراكوبة يوم 29 - 03 - 2023

أخيراً وبعد مراوغة من جميع أطراف التسوية لتحقيق مكاسب في محاصصة السلطة وتوزيع أدوار، تسربت مسودة الاتفاق النهائي لشراكة الدم الجديدة، التي لم تزد على كونها تأكيداً للمؤكد وتفصيلاً طبيعياً لما ورد في الاتفاق الإطاري. وبالرغم من أننا نخشى من الإنكار المتعود عليه أن تكون المسودة هي الاتفاق أو أن تخرج مسودات أخرى أو حتى نسخ أخرى أسوةً بالوثيقة الدستورية المعيبة، لا مناص من التعليق على هذه المسودة لخطورتها وتكريسها لسلطة اللجنة الأمنية للإنقاذ مع تقديم مسحة تجميلية لإستبدادها، وتوفير واجهة مدنية لها، تماماً مثل ماحدث في الاتفاق السياسي السابق المؤسس للوثيقة الدستورية الكارثية التي تم عبرها إحتواء الثورة توطئة لتصفيتها. وقبل الخوض في تفاصيل ملاحظاتنا، من المهم التأكيد بأن جوهر هذا الاتفاق هو ما يلي:
1- شراكة بين المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير (قحت) وبين المجرمين في اللجنة الأمنية للإنقاذ، الذين إرتكبوا جرائم موصوفة منها تقويض النظام الدستوري والتمرد بتنفيذ إنقلابين عسكريين، وجرائم ضد الإنسانية بفض إعتصام القيادة العامة وقتل المتظاهرين السلميين.
2- تكريس الإفلات من العقاب وعدم المحاسبة، بالإبقاء على المجرمين في مواقعهم القيادية بالأجهزة الأمنية وتمكينهم من الإستقلال التام بها وتكليفهم كمخربين بإصلاح ماقاموا بتخريبه!!
3- شرعنة الجنجويد وإعتبارهم قوة نظامية ذات وجود مستقل برغم زعم تبعيتها للقوات المسلحة، والحديث عن جيش مستقل ومهني تدمج فيه هذه المليشيا لاحقاً دون تحديد قيد زمني لهذا الدمج ولا كيف يصبح الجيش مهني بعد دمج مليشيا قبلية وجهوية فيه.
4- الإحتفاظ بجهاز أمن الإنقاذ كاملاً غير منقوص والإعتراف به كجهاز مخابرات للشعب السوداني، وهو تنظيم حزبي خالص للحركة الإسلامية.
5- خلق مجلس أمن ودفاع حتماً ستكون الأغلبية فيه للعسكريين وحلفائهم، قراراته ملزمة لرئيس الوزراء الذي يرأسه، في وجود مهام مبهمة وفضفاضة تمكنه من السيطرة على الحكومة المدنية.
6- تكريس إتفاق جوبا كإتفاق سلام وجزء من الدستور القادم، بالرغم من ثبوت أنه مجرد محاصصة بين العسكريين وداعميهم من الحركات المسلحة الموقعة عليه.
7- السكوت المخزي عن إلغاء كل القرارات والتشريعات الصادرة عن الإنقلابين(إنقلاب القصر في 2019م وإنقلاب أكتوبر 2021م)، مما يعتبر شرعنة لها.
8- الفشل في تقديم أي تصور عملي ومنطقي لمعالجة مشكلة المؤسسات العدلية التابعة للإنقاذ وخصوصاً القضاء والنيابة العامة.
بناءاً على ما تقدم من تحديد لجوهر الاتفاق النهائي حسب مسودته، نوجز ملاحظاتنا الأولية (أولية تحوطاً لعملية الإنكار المعتادة) عليه فيما يلي:
1. الديباجة:
خلت الديباجة من توصيف الأزمة التي إستدعت الاتفاق، ومن مجرد إشارة إلي وجود إنسداد سياسي بسبب الإنقلاب الأخير، وذلك حتى لاتجد القوى التسووية بداً من معالجة تداعيات هذا الإنقلاب، وحتى يتم رفع الحرج عن مرتكبي هذه الجريمة بوصفهم شركاء أصيلين في هذا الاتفاق. لذلك كان من الطبيعي أن يترتب على ذلك خلو الاتفاق من أي نص يلغي جميع القرارات والأوامر والتشريعات التي صدرت عن هذا الإنقلاب، وهذا يعني شرعنتهاتماماً مثلما شرعن إتفاق برهان/حمدوك الإنقلاب وبنى عليه، حيث تم تأييده من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، رئيس فولكر عراب هذا الاتفاق!!! وهذا يعني أن كل العبارات الإنشائية المكتوبة، تظل مجرد ذر للرماد في العيون، لأنها لا تعالج مشكلة لم يتم توصيفها بالأساس، وتم الإجتهاد في إخفائها والتدليس بشأنها.
2. المبادئ العامة:
1. تم الزعم بأن "السودان دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية برلمانية خلال فترة الإنتقال"، وهذا لعمري هو الكذب الصراح!! فمشاركة العسكريين في التفاوض على هذا الاتفاق الذي كرس إنفرادهم بأجهزة القمع، يؤكد أن هذه الدولة الإنتقالية غير مدنية، أما الزعم بأنها ديمقراطية، فهو أمر غير مسبوق، لأن الدولة الديمقراطية تقوم على دستور ديمقراطي المحتوى تم تشريعه بصورة ديمقراطية عبر جمعية تأسيسية أو إستفتاء أو الإثنين معاً، حكومتها منتخبة ومجلسها التشريعي كذلك، وهذا أمر مستحيل في مرحلة الإنتقال. لذلك الدولة في هذه المرحلة هي دولة إنتقالية في إطار تحول ديمقراطي وليست ديمقراطية بأية حال من الأحوال، حتى وإن تبنت مبادئ ديمقراطية.
2. تم الزعم بأن من بين المبادئ ترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة بما فيها آليات العدالة الإنتقالية، ووضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب. والسؤال البدهي هو كيف يتم ذلك والاتفاق نفسه سمح لعتاة المجرمين بأن يصبحوا طرفاً في تحدي مصير الشعب بأكمله وأن يحتفظوا بمناصبهم التي مكنتهم من إرتكاب تلك الجرائم؟ كيف ستتم محاسبة أعضاء اللجنة الأمنية للإنقاذ عن الإنقلابين و عن جرائم فض الإعتصام و جرائم قتل المتظاهرين وهم طرف أساسي في هذا الاتفاق الذي يكرس حصانتهم و يمكنهم من الإفلات من العقاب؟
3. تم التأكيد على جيش مهني قومي واحد، ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة، وهذه بالتأكيد مجرد نكتة سخيفة في ظل الإعتراف بمليشيا الجنجويد بوصفها قوات نظامية، وبتبعيتها الشكلية للجيش في ظل المناداة بإدماجها في فترة لاحقة.
ج. قضايا ومهام الإنتقال:
يلاحظ ومنذ الوهلة الأولى أن هذه القضايا والمهام تتجاهل عمداً تصفية آثار إنقلاب أكتوبر 2021م، وهو أمر لا يمكن أن يحدث بدونه أي إنتقال في ظل سريان مفاعيل وتداعيات ذلك الإنقلاب. ويعزز شكلية ورود هذه المهام، إستحالةإنجاز العديد منها ونمثل له بما يلي:
1. الإصلاح الأمني والعسكري المتروك للجهات المحتاجة للإصلاح لتقوم به بنفسها. والتجربة في السنوات الماضية أكدت بأنها لن تقوم بأي إصلاح حقيقي. والسؤال هو: ماذا سيحدث إن لم تقم هذه الجهات بإصلاح نفسها؟ والإجابة حتماً هي لاشئ. الأسوأ من ذلك هو أن المطلوب بالفعل ليس إصلاحاً، بل تغيير جذري يشمل حل جهاز أمن الإنقاذ بدلاً من شرعنته، وحل الجنجويد، مع إعادة هيكلة شاملة للقوات المسلحة تضمن إخراج جنرالات الإنقاذ من قيادتها، وفصل عضوية الحركة الإسلامية المنظمين منها، وذلك عبر قرار سياسي يعيد المفصولين من الضباط الوطنيين بواسطة الإنقاذ، ويمكنهم من قيادة القوات المسلحة والقيام بعملية إعادة الهيكلة المطلوبة وإنجاز التغيير.
2. لا يمكن إطلاق عملية شاملة تتحقق بها العدالة والعدالة الإنتقالية، إلا إذا كان المقصود بالإطلاق هو بداية هذه العملية دون إكمالها والوصول بها إلى غاياتها، بحيث تصبح عملية تغطية للجرائم مثل لجنة التحقيق في جريمة فض الإعتصام. فمبادئ العدالة الإنتقالية الأربعة المتمثلة في الملاحقة الجنائية والحقيقة وجبر الضرر ومنع العودة لإرتكاب الجرائم، لايمكن تطبيقها في ظل وجود المجرمين في قمة الأجهزة الأمنية والعسكرية.
3. الإصلاح القانوني وإصلاح الأجهزة العدلية بما يحقق إستقلاليتها ونزاهتها أمر غير متصور، في ظل عدم وجود جهاز تشريعي فاعل وثوري، وفي ظل تحكم الإنقاذ في مرفق القضاء، والدفاع عن عدم إستقلاليته بتوظيف مبدأ إستقلال القضاء ضد هذا الإستقلال!! فالمطلوب أيضاً هو تغيير وإعادة هيكلة الهيئة القضائية لأنها غير قابلة للإصلاح، وكذلك هو الأمر فيما يخص النيابة. فالإنقاذ عملت على تخريب هذه المؤسسات وتحويلها إلى فروع حزبية، وإلغاء حيدتها ونزاهتها. والتغيير وإعادة الهيكلة تتم بقرارات سياسية قائمة على شرعية ثورية لا على تسوية مع الذراع الأمنية العسكرية الضاربة للإنقاذ والحامية للتمكين.
4. إزالة تمكين نظام 30 يونيو 89 مجرد قول مرسل لايمكن تحقيقه. فببساطة التمكين في جوهره هو هذه الذراع العسكرية الأمنية للنظام، التي ستستمر في السيطرة على كل أجهزة القمع وممارسة العنف، مع الإحتفاظ بكل مكتسباتها المالية والاقتصادية التي حققتها خلال فترة ممارستها للنشاط الاقتصادي، لأن الاتفاق سكت عنها وعن النص صراحة على إستردادها منها، والإستمرار في ممارسة هذا النشاط تحت دائرة الإستثناء الذي منحه لها الاتفاق كما سنرى لاحقاً.
5. إنتهاج سياسة خارجية متوازنة مجرد إدعاء لايمكن تحققه، طالما أن الاتفاق لم ينص صراحة على الإبتعاد عن سياسة المحاور، ورفض الإنتقاص من السيادة الوطنية بمنح القواعد العسكرية للدول الإستعمارية، ومنع إنتهاجسياسة إستثمارية تفضيلية لدول بعينها.
د. هياكل السلطة الإنتقالية:
1. يلاحظ أن المجلس التشريعي نصه المقنن معيب الصياغة بحيث لا يعلم ماهوالحد الأدنى لعضويته إلا إستنتاجاً، وهو إستثنى من عضويته أعضاء المؤتمر الوطني فقط، وفتح الباب واسعاً أمام جميع القوى بما فيها تلك التي سقطت مع المخلوع البشير. كذلك إحتفظ لأطراف العملية السلمية ب 25٪ دون أن يعرفها!! والمعلوم أن هذه الأطراف تشمل حركات إتفاق جوبا والحكومة التي مثلها دون وجه حق حينها زعيم الجنجويد وهو لم يكن عضواً فيها، فهل هذا يعني أن للحكومة القادمة أن تقتسم هذه النسبة مع الحركات المسلحة؟ التفسير الواضح هو أن النسبة مخصصة لحركات محاصصة جوبا، ولكن سوء الصياغة أمر بادي الوضوح في هذا الاتفاق.
الأهم من كل ذلك هو أنه لايوجد سقف زمني لتكوين هذا المجلس المزعوم، مما يعني أن الحكومة هي من ستستقل بالتشريع وفقاً لمراسيم كما سنرى لاحقاً. وقد تستمر هذه الحالة الشاذة حتى نهاية الفترة المسماة إنتقالية كما هو مرجح. والجدير بالذكر أن الاتفاق تفوق على الوثيقة الدستورية المعيبة التي قصرت سلطة المجلس على التشريع لمهام الإنتقال فقط، حيث منحه سلطة سن القوانين المتعلقة بالحريات والتحول الديمقراطي، ولكنه للأسف لم يعرف ماهوالمقصود بالتحول الديمقراطي. ولا يفوتنا أن ننوه إلى ماورد حرفياً بالفقرة (3) كما يلي: " بإستثناء ماتم النص عليه حصراً في هذا الدستور….."، مما يشي بأن النص منقول من دستور الراجح هو المشروع المنسوب إلى لجنة تسيير نقابة المحامين، وهذا يؤكد العلاقة بين الوثيقتين وأنهما جزء من مشروع واحد من جهة، كما يؤكد سوء الصياغة والنقل الأعمي غير المبصر من ناحية أخرى، إذ أننا هنا بصدد إتفاق لا دستور.
2. السلطة السيادية المتمثلة في مجلس السيادة، أتت مبهمة، لم يحدد النص عليها عدد أعضائها، ولا آلية تكوينها، بالرغم من أنه أسند إليها مهمة القائد الأعلى للقوات النظامية، مع الكثير من الإختصاصات الهامة. فهي على سبيل المثال، تقوم بتعيين رئيس الوزراء (أي تتحكم في تعيينه)، وهي غير معلومة ولا معروف كيفية تكوينها ولا عضويتها ولا يوجد قيد زمني على هذا التكوين. وهذا يعني أن سلطة تعيين رئيس الوزراء ممنوحة لجهة غير معلومة عبارة عن مسمى فقط، وهي في رحم غيب لايعلمه إلا الله!! كذلك تم منح هذه الجهة سلطة تعيين المجلس العدلي المؤقت الذي سيختار رئيس القضاء ونوابه والنائب العام ومساعديه ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، وكل هذه الأجهزة العدلية، غير معلوم ماهية الجهة التي تقوم بتعيين من يعينها، والاتفاق برغم ذلك يحدثنا عن إصلاح هذه الأجهزة، فتأمل!! أيضاً هذه الجهة هي التي تعين القائد العام للقوات المسلحة بعد ترشيحه من تلك القوات، وقائد الدعم السريع بعد ترشيحه من الجنجويد، ولو تجاوزنا صفحاً عن زعم الترشيح لأنه لايتصور أن تجري انتخابات داخل هذين الجهازين، نعلم تماماً سبب الإبهام الموجود في هذا الاتفاق فيما يخص طبيعة هذا المجلس السيادي. ويبقى السؤال المهم: ماذا إذا لم يتم الاتفاق على طبيعة هذا المجلس وتكوينه والقيد الزمني لهذا التكوين؟ كيف سيتم تعيين كل المذكورين أعلاه حينها؟
3. رئيس مجلس الوزراء تقوم قوى الثورة الموقعة على الاتفاق السياسي بالتشاور بإختياره، وبما أن قوى الثورة غير معرفة، والاتفاق السياسي غير معرف أيضاً، فمن حقنا أن نعتبر هذا الاتفاق النهائي هو الاتفاق السياسي المقصود، وعليه يصبح العسكريين والأمنيين المجرمين، جزء أصيل من قوى الثورة وشركاء في إختيار رئيس الوزراء!! أما إذا اعتبرنا أن الاتفاق السياسي المقصود به إتفاق آخر لم يوقع عليه هؤلاء الشركاء المجرمين، فهم أيضاً شركاء في إختيار رئيس الوزراء بإعتبار أن الإختيار يتم بالتشاور الذي لم تعرف أطرافه، مما يجعل كل الموقعين على هذا الاتفاق النهائي طرفاً في إختيار رئيس الوزراء. ولك أن تتخيل حكومة مدنية مزعومة يتحكم في إختيار رئيس الوزراء الذي يشكلها العسكريين والأمنيين في اللجنة الأمنية للإنقاذ، كما يتحكم في تعيين رئيس وزرائها مجلس سيادة غامض لاشئ يمنع أن يكون بمجمله تابع لهذه اللجنة الأمنية أو محظي برضاها. ولانظن أننا في حاجة للإسترسال أكثر لتوضيح أن هذه الحكومة المدنية مجرد واجهة للعسكر المتحكمين حتى في طريقة تعيينها.
4. الأجهزة العدلية يتصدرها المجلس العدلي المؤقت الذي يتحكم في إختياررؤسائها وعضوية المحكمة الدستورية، والذي يتم ترشيحه من القوى المدنية الموقعة على الاتفاق السياسي، ويعينه مجلس السيادة الفزورة غير معلوم الطبيعة والتركيب. ومن الطبيعي أن تكون هذه الأجهزة في مهب الريح وأن يكون إصلاحها "طق حنك"، لأن المتحكم فيها هو مجلس السيادة المسكوت عن طبيعته وتكوينه بالرغم من هذه السلطات الخطيرة الموكلة إليه. ولنتخيل بأن مجلس السيادة العتيد تحكمت فيه الطغمة العسكرية أو كان إمتداداً للمجلس الحالي، ماذا سيحدث إذا رفض زعيم العصابة أو أي ممن يعينهم الموافقة على تعيين هذا المجلس العدلي المؤقت الذي ليس هناك أيضاً قيد زمني على تعيينه؟ ماذا لو ماطل في التعيين لحين إنتهاء الفترة الإنتقالية؟ وماذا إذا رفض تعيين جميع مرشحي القوى المدنية المزعومة أو بعضهم؟ ماهي حلول المدنيين حكامنا الوهميين الجدد في هذه الحالات؟ الاتفاق بالطبع ليس لديه إجابات، ولا نتوقع أن يكون لدى اللاهثين للإستوزار هذه الإجابات أيضاً. وهذا بالطبع يكفينا مؤونة الحديث عن مجلس القضاء العالي والمجلس الأعلى للنيابة، فأمرهما تم إيكاله لقوانين لايعرف متى ستصدر ومن سيصدرها، لأن المجلس التشريعي تكوينه عند علام الغيوب.
5. الأجهزة النظامية تم عبرها شرعنة جيش الإنقاذ وجهاز أمنها وجنجويدهاوشرطتها بشكل صريح، ومن ثم إضافة بعد بهارات الإصلاح التي لاتسمن ولاتغني من جوع. إذ لم يرد في هذه النصوص أي حديث عن حل جهاز أمن الإنقاذ وبناء جهاز أمن وطني جديد، ولم يرد أي حديث عن حل الجنجويد ولا إعادة هيكلة جيش الإنقاذ ليصبح جيشاً وطنياً. بل على العكس تم تسمية هذه الأجهزة والإعتراف بها دون أي إشارة لطبيعتها الحزبية المفارقة لما تتطلبه من قومية ووطنية. والمثير للسخرية أن القوات المسلحة تم النص على أنها تتخذ عقيدة تقر بالنظام المدني الديمقراطي، مما يعفيها علمياً من إتخاذ هذه العقيدة في الفترة الإنتقالية الراهنة بإعتبارها ليست فترة ديمقراطية. وهذا يجعل من حديث زعيم العصابة بأن الجيش لن يخضع إلا لحكومة منتخبة، حديثاً متوافقاً مع هذا الاتفاق الذي قننته المجموعة التسووية في (قحت). ويلاحظ أنه ترك للقوات المسلحة مهمة تنفيذ سياسات الإصلاح المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري وفقاً لخطة الحكومة الإنتقالية، ولم يوضح النص ماهي المعالجة في حال رفضها لتنفيذ هذه الخطة وهو أمر راجح. وبالتأكيد هذه الخطة يجب أن تنسجم مع برنامج الإصلاح المتفق عليه المضمن في الدستور الإنتقالي، أي البرنامج الذي يوافق عليه العسكريين أنفسهم ليصبح جزءاً من ذلك الدستور، بمعنى أن يتحكموا في البرنامج المزعوم بأنه برنامج الحكومة أيضاً، فتأمل!! أما دمج الجنجويد في القوات المسلحة، فقد ترك للجداول الزمنية المتفق عليها غير المعلومة لأي أحد في هذا الكون. وإذا أخذنا في الإعتبار أن عراب هذا الاتفاق فولكر صرح بأن دمج قوات الجنجويد يحتاج إلى خمس سنوات، يصبح الحديث عن الدمج – وهو إجراء خاطئ لأن الصحيح هو الحل- مجرد حديث لا معنى له المقصود منه التبجح بإمكانية وجود عملية إصلاحية مستحيلة الحدوث لا أكثر ولا أقل. كذلك يصبح الحديث عن تبعية قوات الجنجويد في المرحلة الراهنة مجرد جملة في نص لاعلاقة له بالواقع. فشعار حلها لا دمجها هو واجب التطبيق بدلاً من الرهان على قيادتها لحماية هذا الاتفاق الفضيحة. ومن المهم التنويه إلى أن الحديث عن الشرطة تضمن نصاً عن إنشاء جهاز أمن داخلي تابع لوزارة الداخلية، مما يذكر بمسودة القانون التي تسربت أيام حكومة حمدوك، والتي كانت تؤسس لجهاز خالص تابع للإنقاذ، وهو أمر سيتكرر حتماً في ظل شراكة الدم الجديدة. ولاداعي بالطبع للحديث عن جهاز المخابرات العامة، التابع كليةً للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، والذي يستحيل أن تنطبق النصوص الواردة بالإتفاق عليه، وهو غير قابل للإصلاح وجدير بالحل قولاً واحداً. فوجوده يشكل أحد الأدوات المهمة لمنع الإنتقال والتحول الديمقراطي، ولا مناص من حله وتكوين جهاز مخابزات وطني بديل. أما مجلس الأمن والدفاع الحاكم بأمره، فتشكيله المنصوص عليه بالإضافة إلى مهامه الموسعة غامضة الصياغة، وهيمنة اللجنة الأمنية وحلفائها من الحركات المسلحة عليه، توضح مدي مدنية الحكومة المتوقعة ومساحة سلطاتها حقيقة لا على الورق. والجدير بالتنويه أن الاتفاق الماثل لم ينص على عدد ممثلي الحركات المسلحة التي وردت في وثائق سابقة على أنها ستة ولن تقل عن ذلك بكل تأكيد، كما أنه وصفها بالحركات الموقعة، دون تعريف موقعة على ماذا، هل الموقعة على إتفاقجوبا أم على هذا الاتفاق؟ الأرجح المقصود هذا الاتفاق في تطور مهم يعكس مدى الخلاف والتمرد من حركات إتفاق جوبا على توقيع هذا الاتفاق قبل أن تضمن المحافظة على مكتسباتها ومواقعها الوزارية الناتجة عن محاصصة جوبا.
ومفاد ماتقدم هو الحديث عن بروتكولات ملحقة بهذا الاتفاق هو مجرد إضاعة للوقت، لأن كل ماورد فيها لن يغير الحقائق الواردة في صلب الاتفاق وتمثل جوهر ولحمته وسداه. ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق سيصبح جزءاً من الدستور المتوقع أن يكون المشروع المنسوب للجنة تسيير نقابة المحامين بتعديلاته التي فرضها العسكريون، وأن آلية فض المنازعات الواردة بالأحكام الختامية تثير السخرية من ضعفها ولاجدواها. وبالرغم من الأحكام الختامية عرفت أطراف الاتفاق السياسي بأنهم الموقعين على الاتفاق الماثل، إلا أننا آثرنا الحفاظ على تعليقنا السابق حولها كما هو أعلاه ليصبح شاملاً.
والخلاصة هي أن هذا الاتفاق هو إتفاق إستسلام من التسوويين للعسكريين، منطلق من مواقع أنهم لم يستطيعوا إسقاط اللجنة الأمنية لذلك يجب مشاركتها السلطة، بدعم من الخارج وضد إرادة الشعب السوداني، وهذا التفكير المهزوم لايمكن أن يلد إلا إتفاقاً اليد العليا فيه للجنة الأمنية للإنقاذ مهما كانت كثافة المساحيق ومحاولات التمويه، سوف يؤسس لسلطة مصيرها السقوط على يد الحراك الثوري.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.