روى سكان الخرطوم تفاصيل معارك ضارية دارت يوم السبت فيما يجوب مقاتلون الشوارع دون مؤشرات تُذكر على التزام الطرفين المتحاربين في السودان باتفاق لحماية المدنيين قبيل محادثات وقف إطلاق النار المقرر استئنافها في السعودية يوم الأحد. وهز القتال الخرطوم والمناطق المجاورة وكذلك مدينة الجنينة في منطقة دارفور منذ أن وافق الجيش وقوات الدعم السريع على "إعلان مبادئ" يوم الخميس. وقال هاني أحمد )28 عاما( "كان الوضع أسوأ بكثير هذا الصباح مقارنة مع اليومين الماضيين. يمكنك سماع صوت الدبابات وقوات الدعم السريع وهي تجوب الشوارع بوضوح أكثر مما اعتدنا عليه". وأدى الصراع الذي اندلع منذ شهر تقريبا إلى مقتل المئات وفرار أكثر من 200 ألف إلى دول مجاورة وكذلك نزوح 700 ألف آخرين داخليا، كما أثار خطر تدخل قوى خارجية وزعزعة استقرار المنطقة. وقالت منظمة أطباء بلا حدود الخيرية إن النازحين الذين يعيشون في مخيم كبير في شمال دارفور أصبحوا يتناولون وجبة واحدة يوميا بسبب توقف برامج المساعدات الغذائية من جراء القتال. وأضافت أن وضع الأطفال الذين يعانون بالفعل من سوء التغذية سيتدهور على الأرجح. في غضون ذلك قالت سلطة الطيران المدني السودانية في بيان يوم السبت إن المجال الجوي للبلاد سيظل مغلقا أمام حركة الطيران حتى 31 مايو أيار، باستثناء رحلات المساعدات الإنسانية ورحلات الإجلاء. واستمر القتال بين الجانبين رغم اتفاقات الهدنة السابقة ولم يبد أي منهما أي علامة على استعداده لتقديم تنازلات. وعلى الرغم من أن قوات الدعم السريع وعدت بالالتزام باتفاق الخميس، لم يعلق الجيش بشأنه بعد. ولا يبدو أن أيا من الجانبين قادر على تحقيق نصر سريع، إذ تتمركز قوات الدعم السريع في الأحياء السكنية بأنحاء العاصمة بينما تمكن الجيش من استدعاء القوة الجوية. وقال أحمد "لا نرى سوى (مقاتلات) الجيش في السماء ولكن فيما يتعلق بالاتصال المباشر لا نرى سوى قوات الدعم السريع. إنهم الموجودون على الأرض". وتسبب الصراع في معاناة المدنيين من عمليات قصف وإطلاق نار عشوائي واقتحام المنازل ونهبها إلى جانب تذبذب إمدادات الكهرباء ونقص المياه والغذاء وصعوبة حصول المصابين على المساعدة الطبية. وقالت دعاء طارق (30 سنة) والتي تعمل بأحد المعارض الفنية في الخرطوم "يقع حيُّنا الآن تحت سيطرة قوات الدعم السريع التامة. ينهبون الناس ويضايقونهم ويتجولون في الحي وهم يحملون السلاح دائما ويحتمون أينما يريدون". وعبرت دعاء عن أملها في أن تؤدي محادثات جدة إلى وقف إطلاق النار لكنها أبدت شكوكا في إمكانية حدوث ذلك قائلة "لا يمكننا أن نثق حقا بأي من الجانبين لأنهما لا يسيطران على جنودهما على الأرض". – جامعة الدول العربية لم يتوقف القتال منذ أن أعلن الطرفان موافقتهما على إعلان المبادئ الذي يقضي بحماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية. ويقول سكان إن مقاتلي الدعم السريع يواصلون الاستيلاء على المباني وهو ما نفته القوات شبه العسكرية. وينفذ الجيش غارات جوية يقول السكان إنها أصابت أهدافا مدنية. وقال هاشم محمد (35 عاما) إنه وجد خبزا في أحد المتاجر لأول مرة منذ أسبوع. وقال "لا يتعلق الأمر بتوفر الخبز، ولكنه يتطلب السير لمسافة أطول مما يعني زيادة التعرض للخطر". وبينما كان هاشم في الخارج للتسوق يوم السبت، اضطر للانحناء بسرعة بسبب إطلاق نار في مكان قريب فيما جاب مقاتلو قوات الدعم السريع الحي بسيارات مدنية. وقال مسؤولون إن المحادثات المزمع استئنافها بجدة ستبدأ بمناقشة سبل تنفيذ الاتفاق الحالي ثم الانتقال إلى وقف دائم لإطلاق النار يمكن أن يمهد الطريق أمام تشكيل حكومة مدنية. وقال دبلوماسي سعودي كبير إن السعودية دعت قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى قمة جامعة الدول العربية المقرر عقدها بمدينة جدة، ولكن دبلوماسيين آخرين في الخليج توقعا عدم مغادرة البرهان السودان لأسباب أمنية. وجاءت دعوة البرهان بصفته رئيس مجلس السيادة السوداني. ويتولى قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، منصب نائب رئيس المجلس. وترتبط السعودية بعلاقات وثيقة مع الرجلين منذ أن أرسل الجيش وقوات الدعم السريع قوات لمساعدة التحالف الذي تقوده المملكة في الحرب ضد الحوثيين في اليمن. ووقع بعض من أشد المعارك في منطقة دارفور، التي شهدت اندلاع حرب في 2003 أدت لمقتل 300 ألف شخص وتشريد 2.5 مليون. وقالت هيئة محامي دارفور، وهي جماعة حقوقية محلية، إن 77 شخصا على الأقل قُتلوا في الجنينة حيث اندلع قتال أمس الجمعة بعد فترة هدوء استمرت أسبوعين. وأضافت الهيئة "هجوم مجموعات مسلحة تستخدم مواتر (درجات نارية) ومركبات الدعم السريع على مدينة الجنينة يوم الجمعة، ولا تزال تمارس أعمال القتل والنهب والحرق والترويع". ونفت قوات الدعم السريع تحركها من مواقعها في دارفور وألقت بالمسؤولية عن هذا الوضع المتأزم على الجيش وأنصار الرئيس السابق عمر البشير الذي أطيح به في عام 2019، قائلة إن هناك مدنيين مسلحين بينهم. وقال سكان يوم الجمعة إن الجيش لم يتدخل في الصراع في الجنينة.