وقع كل من الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع ما سمي "اتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد والترتيبات الإنسانية" وقد برر الجيش السوداني قبوله التوقيع على هذا الاتفاق بقوله: "تقديراً لجهود الوساطة السعودية الأمريكية ، وتخفيفاً على مواطنينا من تداعيات التمرد المشئوم وتسهيلاً للنواحي الإنسانية والحياتية لهم"! وهذا مبرر ظاهره مقبول، ولكن من حيث الواقع كيف يمكن لإنسان أن يستفيد من هذا الاتفاق إذا كان منزله لا يزال محتلاً من قبل الجنجويد، وقد نهب أثاثه وممتلكاته ، ودمرت أجزاء منه ، وعبث المتمردون بمحتوياته وروعوا أهله، إذا لم يكونوا قد اغتصبوا الناس حتى العجائز منهن. وكيف يستفيد الشعب السوداني من الاتفاق ولا يزال الجنجويد يحتلون المرافق الصحية والخدمية كالمدارس والجامعات ، وشركة الكهرباء ، ومحطات الوقود ، بعد أن دمروها ونهبوا محتويتاها مثلما حدث في مطار الخرطوم والبنوك والمصارف والأسواق والشركات والمحلات التجارية، وبعد أن فتحوا المجال "لتسعة طويلة" ومرتادي الإجرام الذين عاثوا فساداً في الأرض وروعوا الآمنين ونهبوا كل ما وقع في أيديهم من ممتلكات الناس! . وكيف يمكن أن يتحرك الناس بينما أوباش المتمردين يرتكزون في الشوارع العامة ويشهرون السلاح في وجوه المارة من العزل مما يجعل من المستحيل تخفيف المعاناة عن كاهل الشعب الذي وقف مع جيشه في خندق واحد لاسترداد العزة والكرامة بعد أن دنست المليشيا التراب السوداني بممارسات لم يعهدها هذا الشعب الأبي من قبل. ومن جانب آخر نص الاتفاق على فتح المجال لتنقل المدنيين بدون مضايقة وهذه نقطة في صالح التمرد وسوف يستغلها لجلب مزيدا من الجنود من غرب البلاد ودول الجوار لتعزيز قواته في مدن العاصمة المثلثة ؛ خاصة أن المواطنين قد لاحظوا أن بعض الحافلات تنقل مدنيين عبر طريق الأبيض بارا أم درمان ويتجمعون في منطقة معينة ريثما يتم توجيههم إلى مراكز تجمع قوات المليشيا ومرتكزاتها داخل العاصمة وخارجها! . صحيح أن الاتفاق يتناول موضوع واحد ومحدد وهو هدنة قصيرة لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية ، وهذا موقف يدعمه الشرع بحسب منطوق الآية الكريمة "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" ووفقاً لهذا النص القرآني ومع افتراض حسن النية ، وثقتنا العالية في قدرات قيادة قواتنا المسلحة ، ليس هنالك اعتراض مبدئي على الاتفاق ، ولكن هنالك مخاوف لدى كثير من أفراد الشعب بأن الجنجويد لن يلتزموا بما ورد من نصوص في هذا الاتفاق ؛ خاصة وأنه ربما يكونوا قد فقدوا الاتصال بقيادتهم العليا ، المتمثلة في آل دقلو! ويا ليت أن الاتفاق قد حوى نصاً صريحا يلزم التمرد بإخلاء المرافق العامة بما في ذلك القصر الجمهوري ومبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وغيرها من الأماكن وبيوت المواطنين. الاتفاق في مجمله يمكن أن يمهد لوقف دائم للحرب شريطة التزام قوات التمرد بما ورد فيه من نصوص مع التزام الوسيطين بمحاسبة من ينتهك هذا الاتفاق من الطرفين بلا تحيز حتى يطمئن المواطن السوداني إلى أن المليشيا المتمردة سوف تتوقف عن خطف واعتقال المواطنين قسرياً واخفائهم عن ذويهم وتعريضهم لممارسات لا يقرها قانون ولا عرف. وبشكل عام يجب أن نضع في الاعتبار قصر مدة الاتفاق ، وعلى جيشنا اتخاذ كافة التدابير اللازمة للمحافظة على سلامة وأمن المواطنين فهم يقفون معه في خندق واحد . وفي رأي بعض المراقبين أن الأمر لا يتعلق فقط بالطرفين المتحاربين الموقعين على الاتفاق ، لكن هنالك طابور خامس ومجرمون ، يحتمون بالتمرد ويتعاونون معه ويوفرون له المعلومات ، لا يشملهم هذا الاتفاق بأي حال من الأحوال ؛ ولذلك يجب على الجيش التعامل معهم وفق القانون والنظام . ويخشى بعض الناس من أن يرتب الاتفاق مستقبلاً وضعا قانونيا للجنجويد يفسح المجال لتنفيذ مخططات حلفائهم في داخل وخارج الوطن! .