يشهد السودان؛ خاصة مدن العاصمة المثلثة، وبعض المدن في غرب البلاد، أحداثاً دموية مؤسفة، جراء هذه الحرب اللعينة التي شنتها مليشيا الدعم السريع، غيلة وغدراً على الجيش والشعب السوداني على حدٍ سواء. وقد افرزت هذه التعديات المؤسفة واقعاً لم يعهده المجتمع السوداني من قبل مطلقاً، إلا في عهد الخليفة عبد الله ود تورشين، وعقب سقوط دولة المهدية وكأن التاريخ يعيد نفسه يا سبحان الله! كشفت الحرب عن الوجه القبيح للمليشيا التي مارست الغدر والتعدي والنهب والسرقة وقتل الأبرياء واعتقالهم وإخفاءهم قسرياً وتعذيبهم من أجل أخذ إفادات تحت التهديد، علاوة على اغتصاب القاصرات في رابعة النهار وفي قارعة الطريق، واحتلال منازل الناس وإخراجهم منها تحت التهديد بالسلاح، وزعزعة أمنهم واستقرارهم، وكل هذه ممارسات لم يشهدها سكان العاصمة إلا قبل مائة عام على يد مليشيا ود تورشين. إن ممارسة هذه الفظائع هي جزء من ثقافة المليشيا كما هي من صميم الفكر الماركسي والبعثي ولذلك لا غرو أن تعاون الطرفان على الإثم والعدوان. هذه الممارسات المستهجنة والدخيلة على مجتمعنا قامت بها مليشيا مرتزقة جلبها حميدتي من غرب إفريقيا لتأسيس مملكة آل دقلو في السودان بمساعدة بعض شياطين الإنس من أحزاب قحت الذين عملوا مخبرين لهذه المليشيا ضد جيرانهم بلا حياء ولا خجل؛ ظناً منهم أن حميدتي يريد القضاء على "الكيزان" ومن ثم يضع أسساً لحكومة مدنية، حسب زعمه، ونسوا أن هذا المتمرد إنما يخدم أجندة خارجية تستهدف كل التراب السوداني خدمة للصهيونية والعلمانية بمساعدة كيان إقليمي ودويلة سُخِرت لخدمة هذه الأجندة. وفي هذا الصدد كتب البروفسور أحمد إبراهيم أبو شوك: "كما تعلمون يا سادتي، فإن الحرب الدائرة الآن في الخرطوم، قد خلَّفت مآسي كثيرة، وأضرارٍ عاطفيةٍ وجسديةٍ ونفسيةٍ جسيمةٍ، وأهدرت الثروات والموارد الاقتصادية، وجلبت الفوضى محل الأمان والطمأنينة، وأوقفت عجلة الحياة الاقتصادية والثقافية والعلمية، وساهمت في ارتفاع معدلات البطالة، واشعلت نيران العنف والجرائم بتأثيراتها السلبية على الأخلاق والقيم الإنسانية. ونشرت الموبقات والفوضى بفعل جنود لا يحكمهم وازع أخلاقي ولا تضبط سلوكهم نظم عسكرية، وبفعل ضعاف النفوس الذين مال حدسهم الإجرامي إلى النهب والسرقة". هذه الحرب جاءت مثل "هبوب الرشاش" فهي تسقط الأشجار التي ضربها السوس والفروع المائلة وأوراق الشجر المصفرة. ومن حسنات هذه الحرب أنها قد "فرزت الكيمان" تماماً، فقد تمايزت الصفوف في مجتمعنا بين ما هو وطني مخلص، وآخر خائن وعميل، وظهرت المتردية والنطيحة، ومن باعوا ذممهم بحفنة دراهم معدودة، وثمن بخس لا يسمن ولا يغني من جوع، ولكن هي العمالة التي تأصلت في نفوسهم فأوردتهم هذا المورد الآسن، واتضح عداؤهم للوطن بلا مواربة، ويا للعار والخزي! ومن جانب آخر، نرى جموع الشعب السوداني الأبي تسيّر القوافل من مختلف أنحاء البلاد مساندة لجيشها الباسل مادياً ومعنويا وهي تردد شعار المرحلة: "جيش واحد، شعب واحد". وطفق الشعراء يدبجون القصائد الوطنية بكل اللهجات وضروب الشعر تمجيداً للوطن وتشجيعاً لقواتنا المسلحة وهي تخوض هذه الحرب التي فرضت علينا ممن كنا نظنهم بعض حراس الوطن! وسوف يستمر أعداؤنا في حربهم إن لم نتعظ ونوحد كلمتنا ونجمع صفنا الوطني، فرب ضارة نافعة وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً، وحسبنا أن يخرج المجتمع السوداني من هذه الفتنة وهو أكثر تماسكاً وعزة، وكرامة، وتراحماً، ووطنية. وحق لنا الفخر بتلك الأسر السودانية التي فتحت قلوبها قبل بيوتها لاستقبال وإيواء الذين أخرجوا من ديارهم وغادروا الخرطوم خوفاً على أعراضهم من انتهاك مليشيا الجنجويد التي لا ترعوي عن ارتكاب كل ما هو شنيع ومستهجن من الجرائم. [email protected]