استأنف طرفا الحرب في السودان، أمس الثلاثاء، المحادثات غير المباشرة الرامية لوقف إطلاق النار، في مدينة جدة السعودية، في وقت رهن فيه رئيس مجلس السيادة السوداني، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، نجاح المباحثات بالتزام قوات «الدعم السريع» التي وصفها ب«المتمردة» بالخروج من المستشفيات والمراكز الخدمية ومنازل المواطنين وإخلاء الجرحى. وذكر تلفزيون «العربية» نقلا عن مصادر أن المحادثات استؤنفت بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» شبه العسكرية. وأضاف أنها ستركز على وقف القتال. في الموازاة، أكد إعلام المجلس السيادي أن البرهان تلقى اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، ناقش مستجدات الأوضاع في البلاد، فيما أكد على «ضرورة فتح مسارات تقديم المساعدات الإنسانية حتى يحقق منبر جدة نجاحه ويقود إلى سلام مستدام». وكانت الوساطة الأمريكية السعودية، قد أعلنت، الأسبوع الماضي، تعليق مباحثات جدة، بعد هدنة هشة شهدت خروقات واسعة من طرفي الصراع في السودان. وقف الانتهاكات وقالت إنها على استعداد لإعادة عقد المباحثات، في حال قيام الطرفين باتخاذ الخطوات اللازمة لإثبات الالتزام الجاد بمباحثات جدة ووقف الانتهاكات الجسيمة والمتكررة لوقف إطلاق النار. والأحد، أعلنت قوات «الدعم السريع» عن تلقي قائدها محمد حمدان دقلو «حميدتي» اتصالا من بن فرحان، ناقش مجمل الأوضاع في السودان في ظل الجهود المبذولة من الوساطة السعودية الأمريكية. «حميدتي» أكد خلال الاتصال» دعمه لمنبر جدة والتزامه الكامل بإعلان حماية المدنيين ومواصلة العمل على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية لتخفيف المعاناة عن كاهل المواطنين». ميدانيا، هزّ دوي الانفجارات وأصوات الاشتباكات جدران المنازل في الخرطوم مع تواصل المعارك، وفق ما أفاد شهود لوكالة فرانس برس، متخوّفين من وقوع سكان في العاصمة السودانية تحت «حصار كامل». وأفاد سكان في العاصمة بوقوع «اشتباكات بكل أنواع الأسلحة جنوبالخرطوم» حيث سمع مواطنون «أصوات انفجارات اهتزت لها جدران المنازل». كما أكد آخرون سماع «أصوات قصف بالمدفعية الثقيلة من مراكز للجيش في شمال أم درمان» في شمال غرب العاصمة. كما شهدت منطقة جبرة جنوب العاصمة الخرطوم، اشتباكات عنيفة حسب شهود عيان تحدثوا ل«القدس العربي» بينما أكد سكان حي النزهة القريب من جبرة، اقتحام قوات «الدعم السريع» لمنازلهم، وتعرضها لأعمال نهب واسعة. واتهمت قوات «الدعم السريع» الجيش بقصف المناطق السكنية والمستشفيات بالطائرات والصواريخ الأرضية واستهداف المواطنين والمرافق العامة، وذلك خلال مقطع مصور نشرته صفحتها الرسمية، متهمة الجيش بقتل أكثر من عشرين شخصا خلال قصف حي «مايو» جنوبالخرطوم، خلال الأيام الماضية، فيما أظهر المقطع مباني محترقة وأشخاصا مصابين. وتفاقمت الأوضاع الإنسانية في العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى، فيما أطلق سكان جزيرة توتي وسط العاصمة، نداء استغاثة، مطالبين قوات «الدعم السريع» بفك الحصار عن الجزيرة التي تواجه خطر نفاد الطعام والدواء. ومنذ أسبوع، أغلقت قوات «الدعم السريع» جسر جزيرة توتي التي تقع عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض، وتتوسط مدن العاصمة المثلثة -الخرطوم، الخرطوم بحري، أمدرمان. ويقدر عدد سكانها بنحو 20 ألف مواطن في مساحة تبلغ حوالى (950) فدانا. وقالت المواطنة وفاق عبود، من سكان جزيرة توتي، ل«القدس العربي» إن تلك القوات منعت منذ أسبوع العربات التي تنقل المواد التموينية والأدوية إلى الجزيرة، بينما تتمركز في الجسر الرابط بينها وبين وسط الخرطوم والذي يعتبر المخرج الوحيد، بعد استحالة العبور بالقوارب والعبارات مع انتشار «الدعم السريع» على امتداد المنطقة المحاذية للجزيرة من الضفة الأخرى. وأضافت: «لقد نفد دقيق الخبز، الذي كان شحيحا بالأساس ويصل بصعوبة بالغة منذ بداية المعارك بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل/ نيسان الماضي، والذي انقطع تماما منذ أسبوع بعد حصار الدعم السريع للجزيرة». وأشارت إلى أن «رفوف المحال التجارية أصبحت فارغة تماما، وخالية من المواد التموينية، الأمر الذي يثير رعب السكان ومخاوفهم من انعدام الغذاء الذي بات وشيكا في الجزيرة». كذلك بين طارق عثمان، المواطن في الجزيرة المحاصرة ذاتها ل«القدس العربي» أنهم سمعوا دوي انفجارات أقوى من المعتاد منتصف الأسبوع الماضي، اهتزت لها منازلهم، وعلموا لاحقا أن المنطقة المقابلة للجزيرة شهدت معركة عنيفة بين الجيش وقوات «الدعم والسريع» بعدها أغلقت الأخيرة جسر توتي، ومنعت الدخول والخروج منها. وتابع: «نحن محاصرون منذ أكثر من أسبوع، والدعم السريع يغلق جسر توتي ويمنع الدخول والخروج من الجزيرة، حتى عربات الخضار والمواد التموينية والأدوية منعت من الدخول. يجب أن يتم فك هذا الحصار، نفد دقيق الخبز وتوقفت المخابز عن العمل منذ أيام، وزيت الطبخ نفد، حتى الملح صار الحصول عليه صعبا للغاية، وأصبحت المحال التجارية خاوية من البضائع، نحاول التكافل بما تبقى من مواد تموينية داخل المنازل، وهي شحيحة جدا». وأظهر فيديو قوات ل«الدعم السريع» تتمركز في المنطقة المتاخمة لمدخل جسر توتي وسط الخرطوم، حيث أكد الجنود أنهم سيبقون هناك، فيما قال قائدهم وهو يشهر سلاحه: «الجيش يقول إنه طردنا من الخرطوم، نحن هنا موجودون وباقون في الخرطوم» فيما أظهر المقطع المصور برج فندق كورنثيا المطل على نهر النيل، والذي بدت عليه آثار المعارك وجسر توتي، أجزاء من قاعة الصداقة، السودانية الصينية. الوضع مثير للقلق في الأثناء، يواصل مكتب دعم حماية المدنيين في بعثة الأممالمتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) مراقبة حالة حقوق الإنسان والحماية في البلاد، مشيرا إلى أن الوضع مثير للقلق في مدن الخرطوم وأمدرمان وبحري، حيث استمرت الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وأشار إلى استمرار تدهور الأوضاع في إقليم دارفور، خاصة الجنينة الواقعة غرب الإقليم وكتم شماله، فضلا عن عدة مناطق في الوسط، مما أثر على المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، كثيرون منهم عالقون بين الطرفين المتحاربين. أزمة إنسانية هائلة وقال في بيان أمس الثلاثاء، إن مسؤولي حقوق الإنسان يقومون بتوثيق عشرات الحوادث، بما في ذلك القتل والاعتقالات وحالات الاختفاء المحتملة والهجمات على المستشفيات والعنف الجنسي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، التي ارتكبها طرفا النزاع، كما يتواصل مسؤولو حقوق الإنسان مع طرفيْ النزاع للدعوة إلى اتخاذ إجراءات ضد الجناة ولحماية المدنيين وممتلكاتهم. كذلك قال نائب المدير الإقليمي في أفريقيا للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، بيير كريمر، في تصريحات للصحافيين في جنيف «نحن نواجه أزمة إنسانية هائلة تزداد سوءًا مع انهيار الاقتصاد، ونظام الرعاية الصحية». وحذّر من أن التحديات ستزيد مع «اقتراب موسم الفيضانات، وأزمة الجوع التي تلوح في الأفق وتفشي الأمراض التي قد تصبح حتمية أكثر». وحسب الإحصاءات الأولية لنقابة الأطباء، قتل أكثر من 800 مواطن مدني منذ اندلاع المعارك منتصف أبريل/ نيسان الماضي، بينما تجاوز عدد الجرحى 4000. فيما يرجح أن يكون عدد الضحايا أكثر من ذلك بكثير في ظل ضعف إمكانيات الرصد واستمرار المعارك بين الجانبين. فيما لا يعرف حتى الآن عدد الضحايا من العسكريين، إذ لم يعلن الطرفان عن أي إحصائيات في هذا الخصوص. وأفاد مواطنون بمشاهدة عشرات الجثث لجنود بعضها محترق وسط الخرطوم.