اطلعت على المقال الذي كتبه السيد يوسف عزت الماهري في الوسائط ويهمني ابراز الملاحظات التاليه حوله : المقال جيد في مجمله فيما يتعلق بتوصيف الازمه وقدره صاحب المقال علي التواصل وتوضيح افكاره الي القاريء او القارئه بسلاسه وذهن متقد ، وفي تقديمه نقد موضوعي لمواقف النخب من امثال د ع ع ابراهيم ومحمد جلال هاشم واخرين في مواقفهم المسانده للجيش ، رغم ان الاخير مؤسسه مختطفه من قبل الحركه الاسلاميه . تطرق المقال لاسماء مجهوله طالبت يوسف بدفع رشوه حتي يكفوا عن نقد الدعم السريع، وفي تقديري ان ايراد مثل هذه التفاصيل في المقال كان امر غير موفق باعتبار ان المقال كان يجب ان يحتشد بالافكار ذات الاولويه لدي الكاتب والتعبير عن مجمل افكاره في هذه الازمه المعقده .. كذلك اكتفي يوسف عزت بنقد الافراد وهو امر مهم ، لكنه صمت عن المؤسسات الحزبيه فقد تناهي الي سمعي ان الحزب الشيوعي مثلا يقف في مسانده الجيش " الوطني" وليس لدي تاكيد ، ولكن كان يهمني ان اراه يكتب عن تلك المؤسسات ومواقفها تجاه الحرب التي تدور الان في عاصمه البلاد لانها تستطيع ان تعبر اكثر عن اتجاهات الراي والمواقف . اكتفي يوسف عزت الماهري بالتعليق علي كتاب سليمان حامد القيادي المهم بالحزب الشيوعي واحد القيادات " التاريخيه " ووصف كتاباته عن الصراع في دارفور بالضعف وعدم الالمام ، ثم ذكر حادثه احتجاجه علي الكتاب امام المرحوم التيجاني الطيب بابكر الذي اكد له دعمه للافكار والسرد الذي جاء بالكتاب استنادا علي حقيقه ان سليمان كان قد " تكرم " وسافر الي الضعين بشخصه .. وفي هذا اشاره حاسمه علي موافقه التجاني لمًا كتبه سليمان حول دارفور وما تكلفه من عناء اضافه الي " قدسيه" المعلومه حينما تجيء من " زميل قيادي" . هذه القدسيه التي لا تتبدد الا مع وجود الحوار الندي في مناخ ديمقراطي معافي وهي قدسيه تتماهي مع مركزيته الصارمه في التنظيم " المركزيه الديمقراطيه التي يعتمدها الحزب في تسيير شئونه " سواء اكان عند الشيوعيين او الاسلاميين قد لعبت دور كبيرا في غياب النقد والراي الاخر داخل هذه المؤسسات الحزبيه وهزمت التفكير الجمعي بالضربه القاضيه ، بل انها تعدتها الي التاثير سلبا علي المجال السياسي وساهمت في اضعاف وتجفيف المجتمع المدني نفسه من التعددية في الراي ، حينما نصت لوائحها علي ضروره الدفاع عن مواقف قياده الحزب من قبل عضويتها. وللمفارقه ، ان هذا الامر كان موضوع حوارات لي مع يوسف عزت الماهري في مدينه هاملتون الكنديه حينما ناقشنا موقفي من التخلي عن مشروع الحزب الشيوعي والاصطفاف حول مشروع جديد كان قد تنادي به المرحوم الخاتم عدلان ود خالد الكد والحاج وراق واخرين ، وذلك علي اثر انهيار ما كان يعرف ب " الاتحاد السوفيتي العظيم ". اعيب علي مقال السيد المستشار السياسي لقائد الدعم السريع ان يضع الليبراليين والمفكرين الاحرار جميعهم في سله واحده ، وهذا خطأ كبير يمكن ان يفقده القدره علي اتخاذ مواقف صحيحه من حلفاء محتملين لهم مساهمات نظريه بخصوص امكانيه تاسيس سودان تعددي ديمقراطي فيدرالي . اري شبح ذهنيه عقيده سياده الاستقطاب الطبقي علي الثقافي يطل من المقال والسكوت عن مخاطبه مخاوف اهلنا في العاصمه السودانيه من التفلتات والنهب والتدمير للمنازل والممتلكات التي كان لجنود الدعم السريع نصيب كبير منها مع الجيش الذي مارس القذف والتدمير العشوائي بالطيران . كل ذلك ياتي في سياق " عنف الباديه" الذي يفترض ان يتم التعامل معه بالحسم والانضباط وهذا ما كان يفعله الجيش قبل ان يتحول الي مليشيا تابعه للجبهه الاسلاميه القوميه التي نفذت انقلاب الانقاذ في 1989م. وحقيقه ان مليشيا الدعم السريع تتسم بعدم الانضباط في الكثير من الاحيان وقد كان تواجدهم بين الناس من خلال سيطرتهم علي كثير من احياء العاصمه فرصه نادره لكسب قلوب الناس العاديين بل ان انضباطهم كان يمكن ان يشكل ترياق مضاد لاعلام الجيش الذي تقوده فلول النظام السابق ولكنهم انساقوا الي التبريرات "الطبقيه " الفطيره حول غياب العداله الاجتماعيه بدل احداث المراجعات المطلوبه لحمايه حياه المواطنين وممتلكاتهم والحفاظ علي الامن والنظام الاجتماعي ، وقد فقد الكثير من المواطنين " شقا عمرهم". وصارت الصوره الذهنيه لدي المواطنين تساوي بينهم وبين الفلول في المسلك والنهب والترويع. هاجم السيد يوسف عزت مواقف العديد من المثقفين وفضح دورهم في دعم الجيش المختطف بواسطه الاسلام السياسي لكنه لم يدفع استحقاقات المراجعه ولم يستطع ان يقدم صكوك براءه للدعم السريع منذ نشاتها في دارفور وحتي دورها في فض الاعتصام، بل حاول ان يشير بطرف خفي الي مسؤوليه كتائب الظل وفلول النظام عن قتل المعتصمين السلميين في اواخر الشهر المبارك قبل اربعه اعوام .. غياب المراجعات يضع حاجزا نفسي بين قوات الدعم السريع وبين حلفاء محتملين من قبل قطاع كبير من المواطنين خاصه بعد تجربه الانقاذ ومشروعها الحضاري البائس .. اخيرا يستند المقال، وهو محق في ذلك ، علي المظالم التاريخيه التي وقعت علي اهل الهامش خاصه في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وربما شرق السودان ايضا رغم ان مناطق كثيره اخري في السودان عانت من التهميش لكن يمكن القول بان الجانب الاكبر من التهميش والفقر والقمع والتعالي العنصري وضياع الفرص قد وقع علي هذه المناطق وان المدخل الي سودان جديد تسوده العداله يبدا من ازاله تمكين فلول النظام السابق وتاسيس حكم مدني ديمقراطي، وليس عن طريق الفوضي التي ضربت العاصمه الان ، او العنصريه المضاده التي سادت في بعض اعلام الدعم السريع ضد سكان الوسط والشمال النيلي Discrimination Reverse وهنا يمكن ابراز ربيع عبد المنعم كمثال ، ان تبني خطاب الهويات يشكل خطرا فيما يتعلق بتصوراتها لما يحدث في المشهد السوداني الان، وما مواقف محمد جلال هاشم الا دليلا دامغا علي فشل خطاب الهويه، وعلي ان من يتبنونه يفتقدون الي المصداقيه و لا يمتثلون به او كما يقول الخواجات don't talk the talk if you don't walk the walk علي انه لابد من التسليم بدور العامل الثقافي في صياغه سودان يقوم علي احترام التعدد الثقافي الذي يذخر به السودان "عملا وليس قولا" . رغم اختلافي مع مدارس ما بعد الحداثه الا انني اجد نفسي في اتفاق مع بعض مخرجاتها فيما يخص الوضع في السودان ، فالدال الصفري او المستتر zero Signifier موجود بل " ومتحكر " في السودان فالفرد الذي ينتمي الي قبائل شمال السودان، المسلم ، السني الذكر، هو من يفرض ثقافته وتصوراته في الفضاء العام بطرف خفي ودون ان يفصح عن نفسه وقد ان الاوان ان تقطلع طاقيه الاخفاء هذه وفق سياسات لمعرفه ما هو مشترك ولتمكن الجميع من ايصال اصواتهم وثقافاتهم . آن الاوان لهذه التصورات النفسيه والثقافيه ان تتغير مره والي الابد. طلعت محمد الطيب [email protected]