في قيادتها لقوى الثورة خلال الفترة الانتقالية ، اعتمدت قوى الحرية والتغيير على تقديرات سياسية من بينها الشراكة مع العسكر لتجنب سيناريوهات الحرب الأهلية. التقديرات السياسية لقحت هي تقديرات بشرية عرضة للنجاح والفشل ، ولم يدع احد انها قرآن منزل ستوصل البلد حتما إلى جنة المدنية ، لذلك لا يجب ان تزايد التيارات الثورية الاخرى على قحت فتقديراتهم ايضا بشرية وعرضة للنجاح والفشل ، والفارق فقط هو ان تقديرات قحت اختبرت بينما لم تختبر تقديرات الاخرين. بعض الذين زايدوا على قحت من الكتلة الثورية في الماضي واتهموها بالتسوية مع العسكر ، ها هم الان يتماهون تماما مع العسكر والكيزان ، لدرجة التطابق. هل حدث في تنفيذ تقديرات قحت السياسية تماهي مع الكيزان وخطهم؟ هل حدث تماهي مع خيارات العسكر لدرجة التطابق؟ الإجابة لا ، والدليل ان العسكر لم يتركوا فرصة لم يظهروا عداءهم وتبرمهم من قحت ومحاولة النيل منها ، وحينما عجزت كل محاولاتهم عن تركيع قحت ، انقلبوا عليها وادخلوا وزراءها وقادتها في السجون . اما الكيزان فيمكن ان تقول لهم الشيطان ولا تقول لهم قحت. وبعد ذلك لم تتجبر قحت ولم تستعلى ، بل قدمت نقدا معلنا امام الجميع لتجربتها وتقديراتها السياسية ، في ورش عمل متخصصة ، ثم تحركت بناءا على نتائج هذه الورش من الوثيقة الدستورية التي قامت على شراكة بين الجيش والمدنيين إلى الاتفاق الاطاريء الذي يخرج الجيش من السياسة ويدمج الدعم السريع في الجيش ويسلم السلطة بالكامل لحكومة مدنية. أليست هذه هي غاية ثورة ديسمبر : مدنية كاملة ، العسكر للثكنات ، ودمج الدعم السريع في الجيش؟! فلماذا لم يقف خلفها الثوار الاخرين! ولماذا يتم تصوير الاتفاق الاطاريء وكأنه من قاد للحرب لانه احادي أقصائى؟! . ثم هب ان الكتلة الثورية بأجمعها وقفت خلف الاتفاق الاطاريء هل كان هذا سيمنع الحرب؟ ألم تكن الكتلة الثورية موحدة ورغم ذلك تم فض الاعتصام؟ . الصراع مع الجيش والدعم السريع صراع مع جهات عمياء خلفها تنظيم سياسي أعمى اسمه الكيزان ، يمكنهم ان يحرقوا السودان ولا يرمش لهم جفن ، لذلك كان الاتفاق الاطاريء برعاية دولية توفر للشعب دعما في مواجهة بندقية هؤلاء الشموليين، ووجود هذا الاتفاق الاطاريء في الذهن الدولي هو الذي يجعل الان كل القوى الدولية تطالب الطرفين المتحاربين بوقف الحرب والرجوع للعملية السياسية، لو لم تكن هناك عملية سياسية برعاية دولية سابقة لهذه الحرب ، لما التفت احد للمدنيين السياسيين ولعالجوا الصراع بين الطرفين المتحاربين وطنشوا المدنيين. لذلك لا يجب ان يظن احد بأن الهجمة على قوى الحرية والتغيير الحالية هجمة بريئة، بل هي هجمة منظمة ومقصودة ومخطط لها بعناية، هدفها سحب الاتفاق السياسي المدني من المفاوضات اثناء الحرب وقصرها على المتحاربين ، وتنفيذ ذلك بدعم شعبي قاعدته اتهام قحت بالعمالة والخيانة ، مما سيمهد الطريق لاتفاق بين طرفي الحرب يقود لاقامة طغيان جديد، ودروس التاريخ علمت شعبنا ان اي طغيان جديد سيعيد مرة اخرى دورة الحروب والمليشيات. لذلك ، خطاب لا للحرب ليس خطابا ساذجا وليس انحيازا لطرف، انما هو انحياز للشعب الذي له مصلحة حقيقية في ايقاف الحرب وفي الوصول إلى اتفاق يوقف الحرب ويقود في نفس الوقت إلى عودة المدنية وليس الشمولية.