في الوقت الذي تستعد فيه أديس أبابا لبدء عملية الملء الرابع لخزان سد النهضة، خرج رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لينفي إلحاق بلاده أضرارا بدولتي المصب مصر والسودان. حديثه جاء تزامناً مع تأكيد المسؤولين المصريين أن التصرفات الأحادية التي تقدم عليها أديس أبابا ستؤدي إلى أزمة مائية في بلادهم. وتسعى مصر لحشد رأي عربي ودولي داعم لموقفها. ولم يخل بيان القاهرة في أي تجمع دولي من الحديث عن أزمة سد النهضة، وكان آخره أول أمس الخميس، حيث تضمن بيان مصر أمام الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز في العاصمة الآذرية باكو إشارة إلى مخاطر ندرة المياه. وشدد البيان على «ضرورة إعلاء روح التعاون والتعامل بحسن النية واحترام القانون الدولي، خاصة فيما يتصل بالأنهار والمجاري المائية العابرة للحدود والعمل على ضمان عدم وقوع أضرار على أي من دول حوض النهر الواحد حفاظاً على السلم والاستقرار الإقليميين والدوليين». حديث رئيس الوزراء الإثيوبي اعتبره خبراء محاولة جديدة لكسب الوقت لإنهاء عملية الملء الذي تقدم عليها إثيوبيا بشكل أحادي في ظل مطالبات دولتي المصب، خاصة مصر، بالتوصل لاتفاق ملزم بتشغيل وملء الخزان. وتستهدف إثيوبيا تخزين ما يوازي نصف حصة مصر السنوية من مياه النيل. حسب عباس شراق أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، فقد قال إن إثيوبيا تستهدف تخزين ما بين 20 إلى 25 مليار متر مكعب في الملء الرابع لسد النهضة. وأكد في تصريحات متلفزة أنه في «المرات الثلاث السابقة كان إجمالي التخزين 17 مليار متر مكعب في 3 سنوات، والآن تستهدف تخزين 25 مليار متر مكعب مرة واحدة، أي يمثل تقريبا نصف حصة مصر المائية من مياه نهر النيل، التي تبلغ 55 مليار متر مكعب من المياه سنويا». ووصف حديث رئيس وزراء إثيوبيا بأنه «لا توجد أضرار على مصر من الملء الرابع لسد النهضة» ب «الأكذوبة» لافتا إلى أن «إثيوبيا ترى أن الضرر على مصر يعني أن المصريين يموتون من العطش أو يتوقفون عن الزراعة». بوار مليون فدان وأكد أن «تخزين كمية كبيرة من المياه مرة واحدة داخل سد النهضة، وهي 25 مليار متر مكعب، يمثل خطرا على سلامة السد، ويعني توقف مليون فدان عن الزراعة». وتابع: «لن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما تفعله إثيوبيا من عمليات ملء السد، وهناك أكثر من سيناريو». وبين أن «السد العالي يحمي مصر من مخاطر سد النهضة لفترة تصل إلى 12 عاما». وأكد أن «مصر لديها معلومات من خلال مصادرها، ومن الأقمار الصناعية وتعرف ما يتم قبل حدوثه بأشهر» موضحا أن «أي متر مكعب من المياه يُخزن في إثيوبيا هو من حصة مصر». وتساءل: «كيف لا يسبب تخزين 17 مليار متر مكعب في إثيوبيا ضررا لمصر؟». بدائل مكلفة وأوضح أن «هذه الكمية لو جاءت إلى مصر لتوسعت الدولة في الزراعة وزادت من مساحات زراعة الأرز» مؤكدا أن «المليون فدان أرز يأتي بعائد يقدر بنحو 6 مليارات دولار». وأضاف أن «إنشاء محطات لمعالجة المياه لاستخدامها في الزراعة تكلف الدولة مبالغ مالية ضخمة». وأشار إلى مشروعات لتعويض المياه التي تفقدها الدولة بسبب سد النهضة، مثل محطة بحر البقر التي أنشئت منذ سنتين، وكلفت الدولة 18 مليار جنيه، وكذلك محطة الحمام». ولجأت مصر خلال السنوات الماضية الى التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر ومحطات معالجة مياه الصرف، كما نفذت مشروع تبطين الترع لتقليل الفاقد في المياه. الأضرار المتوقعة من عملية الملء الرابع لخزان السد، دفعت حزب الدستور المصري، لإصدار بيان أعرب فيه عن قلقه من إقدام إثيوبيا على الملء الرابع، وقال إن هذه الخطوة «ستؤدي إلى تأثيرات بيئية واجتماعية وسياسية على بلدان الحوض وبالأخص دولتي المصب». وأضاف أن إثيوبيا «لم تقدم حتى الآن دراسات كافية، على الرغم من اعتراضات مصر والسودان على سد النهضة، وإنشاء لجنة النيل الثلاثية في نوفمبر/ تشرين الأول 2021، لتقييم آثار السد على دول مصر والسودان وإثيوبيا». ولفت إلى أن تقرير اللجنة أشار إلى «مشاكل مختلفة في التحليل والوثائق التي قدمتها إثيوبيا بشأن السد، وانتقد نقص المعلومات المقدمة من قبل إثيوبيا بشأن العديد من القضايا الهامة الأخرى، وأوصى بإجراء دراستين شاملتين لتقييم الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية ونموذج محاكاة للموارد المائية وأنظمة الطاقة الكهرومائية» ومع ذلك «قبل ثلاثة أيام من نشر هذا التقرير، حولت إثيوبيا مسار النيل الأزرق لبدء بناء السد، دون موافقة دولتي المصب، في بادرة توضح سوء النية من قبل الجانب الإثيوبي» وفق الحزب. أضرار متوقعة وتناول حزب «الدستور» في بيانه «الأضرار التي ستقع على مصر نتيجة سنوات ملء الخزان، ومنها تقليل حجم تدفق النيل وتقليل كمية المياه المتاحة لمصر، والتي لن يقتصر تأثير سد النهضة فيها على وقت ملء خزانه على المدى القصير، ولكنه سيستمر في التأثير على النيل على المدى الطويل». وأكد «وجود ظروف إضافية لن تساعد في الحفاظ على المستوى العادي لنهر النيل على المدى الطويل مثل زيادة حجم البخر بسبب المياه المخزونة في المسطح المائي الجديد في خزان سد النهضة وتغير المناخ، وهذا بشأنه سيؤدي إلى انخفاض كمية المياه المتاحة للاستخدام البشري والاستخدامات الزراعية والصناعية». وفيما يخص التأثير على الأراضي الزراعية المصرية بسبب النقص الكبير في حصة المياه المصرية مقارنة بالحصة الحالية، بين الحزب أن «سد النهضة « سيؤدي إلى القضاء على أي إمكانية للتوسع الزراعي المصري في المستقبل مع وجود احتمال كبير لتقليل الأراضي المزروعة». واستشهد الحزب ببيان وزارة الري المصري عام 2013، عن عواقب ملء خزان سد النهضة خلال ست سنوات، الذي أكد أنه سيتسبب في خفض تدفق النيل بمقدار 12 مليار متر مكعب إلى مصر سنويا، في حالة السنوات الست المفترضة، وتمثل هذه النسبة حوالى 23 ٪ من حصة مصر السنوية من مياه النيل». زيادة الملوحة في الدلتا وتابع: «من المتوقع زيادة نسبة البخر بمقدار 5.9 ٪، والذي بدوره سيؤثر على كمية ونوعية مياه النيل، وسيزيد من ملوحة المياه في الجزء الشمالي من الدلتا، ما سيؤدي في النهاية إلى انهيار القنوات والمصارف، وعدم استقرار النظم الإيكولوجية في شمال مصر والإسكندرية والساحل الشمالي، وستؤدي زيادة الملوحة إلى زيادة تكاليف تنقية وتوفير مياه الشرب». وواصل: «من المتوقع في حالة خفض حصة المياه المصرية بأكثر من 5 ٪، سيؤثر ذلك على الملاحة الآمنة فى النهر، في حين أن الانخفاض بأكثر من 10 ٪ يمكن أن يؤثر على محطات رفع المياه للري والاستخدامات الصناعية، ويمكن أن يؤثر الانخفاض بأكثر من 15 ٪على محطات مياه الشرب». ارتفاع معدلات البطالة أحد الأضرار المتوقعة، حسب بيان الحزب، الذي أكد أن «نسبة كبيرة من المصريين يعملون في الأنشطة الزراعية، في ظل الانخفاض المتوقع في الأراضي المنزرعة في مصر». وحث الحزب الدول المعنية على «التوصل إلى حل سلمي وعادل يحقق مصالح الجميع، ويحمي المصادر المائية والبيئة والسكان المحليين، واحترام أعراف وقوانين المياه الدولية المتعلقة بإدارة مجاري المياه المشتركة مثل قواعد هلسنكي، واتفاقية الأممالمتحدة لقانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، وقواعد برلين للموارد المائية. وكذلك احترام الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل». استيراد الكهرباء قبل سنوات بدأ الحديث عن أن استيراد الكهرباء والتعاون في النقل الكهربائي بين مصر وإثيوبيا ربما يمثل أحد الحلول لأزمة الخلافات حول سد النهضة، ما حذر منه وزير الموارد المائية والري المصري السابق محمد نصر علام، مطالبا بعدم الاتفاق نهائيا على استيراد الكهرباء الإثيوبية إلا بعد الاتفاق قانونيا بعدم المساس بالحصة المائية المصرية. وفي إطار سلسلة المنشورات التي يكتبها علام على صفحته الرسمية على الفيسبوك تحت عنوان « سد النهضة.. نقاط توضيحية» قال إن ما تشيعه إثيوبيا عن «كمية» إنتاج الكهرباء لهذا السد «كذب». وأضاف: «تم تقليل عدد توربينات السد رسميا منذ حوالى عام كامل، والعديد من التوربينات التي أعلنوا عنها لم يتم تركيبها حتى الآن. وكهرباء هذا السد قد لا تزيد إلا قليلا جدا عن كهرباء السد العالي». وتابع: «بيع كهرباء السد للداخل (لمواطني إثيوبيا) سيتم دعمه بحوالى 50 ٪، أي أن البيع سيكون بالخسارة، والبيع للخارج لن يكون إلا عبر منفذين، هما السودان ومصر، ونقل الكهرباء لجنوب السودان مكلف وليس هناك سوق واعد هناك، ونقل الكهرباء لأكثر من 1000 كيلومتر إلى كينيا أو جيبوتي أو غيرهم، ستكون تكاليفه هائلة، وغير مجدية». وواصل: «السودان استهلاكه محدود، وظروفه السياسية والاقتصادية غير واعدة على الأقل في المستقبل القريب. ولذلك فإن المخرج الواعد بل والأوحد للكهرباء الإثيوبية سواء من هذا السد أو السدود الأخرى الإثيوبية المخطط إنشاؤها قريبا، هي مصر، ومصر فقط في المستقبل المنظور، وهناك دراسات تمت في أوائل هذا القرن من خلال مبادرة حوض النيل وبمشاركة مصر والسودان وإثيوبيا تؤكد ذلك». وزاد: «مصر هي المنفذ الواعد للكهرباء الإثيوبية سواء لتصديرها للدول العربية او الأوروبية او للاستهلاك المحلي، ومن دون مصر سيتحول السد إلى حائط مبكى ولن تستطيع إثيوبيا استهلاك إنتاجه من الكهرباء». وختم: «بوضوح شديد بدون نقل الكهرباء الى مصر يفقد السد جدواه الاقتصادية وستكون هناك عقبات اقتصادية في تسديد القروض والتكاليف السنوية للتشغيل والصيانة، ومشاكل أكبر للسدود الإثيوبية المخطط تشييدها في المستقبل القريب». وتتمسك مصر بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي على ملء وتشغيل سد النهضة لضمان استمرار تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل وسلامة منشآتها المائية. غير أن إثيوبيا ترفض ذلك، وتقول إن السد، الذي بدأت تشييده قبل أكثر من عقد، ضروري من أجل التنمية، ولا يستهدف الإضرار بأي دولة أخرى. وتوقفت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن قواعد ملء وتشغيل السد منذ ما يقرب من عامين، عندما شرعت إثيوبيا بشكل أحادي في الملء الثاني لخزان السد، وانسحاب مصر والسودان من المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي. وتصاعدت حدة التوترات بين الدول الثلاث عقب ذلك بشكل أكبر عندما أكملت إثيوبيا الملء الثالث للسد في آب/ أغسطس الماضي.