الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الانتباهة
الأحداث
الأهرام اليوم
الراكوبة
الرأي العام
السودان الإسلامي
السودان اليوم
السوداني
الصحافة
الصدى
الصيحة
المجهر السياسي
المركز السوداني للخدمات الصحفية
المشهد السوداني
النيلين
الوطن
آخر لحظة
باج نيوز
حريات
رماة الحدق
سودان تربيون
سودان سفاري
سودان موشن
سودانيات
سودانيزاونلاين
سودانيل
شبكة الشروق
قوون
كوش نيوز
كورة سودانية
وكالة السودان للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
الارصاد تحذر من هطول أمطار غزيرة بعدد من الولايات
استشهاد أمين عام حكومة ولاية شمال دارفور وزوجته إثر استهداف منزلهما بمسيرة استراتيجية من المليشيا
المفوض العام للعون الإنساني وواليا شمال وغرب كردفان يتفقدون معسكرات النزوح بالأبيض
اليوم آخر أيام الصيف فلكيًا
وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم
"رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح
د. معاوية البخاري يكتب: ماذا فعل مرتزقة الدعم السريع في السودان؟
مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"
إدانة إفريقية لحادثة الفاشر
دعوات لإنهاء أزمة التأشيرات للطلاب السودانيين في مصر
الاجتماع التقليدي الفني: الهلال باللون باللون الأزرق، و جاموس باللون الأحمر الكامل
يا ريجي جر الخمسين وأسعد هلال الملايين
الشعبية كسلا تكسب الثنائي مسامح وابو قيد
ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة
الأهلي مدني يبدأ مشواره بالكونفدرالية بانتصار على النجم الساحلي التونسي
كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر
شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)
شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها
10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل
بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة
شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال
جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل
لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!
الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل
الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!
صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)
«تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها
وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان
بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان
لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين
هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»
هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!
تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء
ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة
شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)
"نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت
المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد
شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)
الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل
ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟
إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!
في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة
إيد على إيد تجدع من النيل
حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!
ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!
في الجزيرة نزرع أسفنا
من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟
مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه
في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود
السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا
وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى
جنازة الخوف
حكاية من جامع الحارة
حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة
مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"
وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال
نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم
بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
الفنان أحمد الجابري – جبر خواطر شعب
مهداة للبروفسير / الجيلاني علي الأمين العربي
صلاح إبراهيم
نشر في
الراكوبة
يوم 19 - 07 - 2023
(Live for yourself, you will live in vain. Live for others, you will live again)
فِي صَيْف العَام 1983م، أقِمْتُ مع صَدِيقي العَزِيز الرَّاحل بَشَّار الكُتُبي1 – طَيَّب الله ثَرَاه. سَبَقنِي إلى السَّكَنِ مع بَشَّار، صَدِيَقنا المُناضِل مُحَمَّد سَعِيد بَازَرْعة. إبْنِ أخ الشَّاعِر حِسِين بَازَرْعة، مُبْدِع أهمَّ رَوائِع الفَنَّان الخَالِد عُثْمان حِسِين. يَقَعُ منْزِل بَشَّار في الطَّرَف الشَّرْقِي مِن مَدينَة الثَّورة. يَفْصِلُه مِن غَرْبِها شَارِعُ النُّص، جِوَار سُوق الحَارَة الخَامِسَة في عَاصِمَةِ المَهْديَّة أُمْ دُرْمَان. لَمْ يَكُن يَفْصِلُنَا عَن منْزِل الفَنَّان أحْمَد الجَّابْرِي2 سِوَى شَارِعٌ واحِد، غربًا، في الثَّورة الحَارة الرَّابِعَة .
مَثَّلَ مَنْزِلُ بَشَّار، في ذلِك الزَّمَان، مُلْتَقىً يَوْميَّا لِنُخَب أُمْ دُرْمَان مِن المُثقَّفِين وأَهْل الفَن بِكُلِّ ضُرُوبِه. ذلِك لأنَّ بَشَّار نَفْسُه كَان نَاقِدًا أدَبيًّا بَارِعًا. يَمْتَلِكُ مَكْتَبةً تَحْوِي العَدِيدَ مِن الإصْدَارَاتِ الحَدِيثَة والمُعَاصِرَة مِن مُخْتَلفِ حُقُولِ المَعْرِفَة. وبَازَرْعَة، هُو الآخَر، كَاتِبٌ عَمِيق التَّحْلِيلِ لِلظَّوَاهِر. ولَهُ مُؤَلَّفَاتٍ تُوثِّقُ سِيرَتُه النِّضَاليَّة .
كَان المُلْتَقَى عَلَى غِرَارِ صَالُون (مَيْ زِيادَة)3 أو صَالُون السَّيِّدة (فَوْز)4 الَّذِي كان يَؤُمُّهُ ثُوَّار حَرَكَة اللِّوَاء الأبْيَض مِن الأُدَبَاءِ والمُنَاضِلِين. أمْثَال خَلِيل فَرَح ورِفَاقِه. هُنا تَحْضُرُني بَعْضُ الأسْمَاء لِمُرْتَادِي ذلِك المُلْتَقَى كالْأسَاتِذَة مُصْطفَى سَنَد، عُمَر الطَّيِّب الدُّوش، سَعَدَ الدِّين إبْراهِيم، سَامِي سَالِم، عَبْدالله مُحَمَّد الطَّيِّب، مَجْذُوب عَيْدَرُوس، عَبْدُالله مُحَمَّد إبْراهِيم ونَاشِئَةُ الأُدَبَاءِ آنَذَاك، أحْمَد الطَّيِّب عَبْدُالمُكَرَّم وعَادِل القَصَّاص .
كُلُّ جَلْسَةٍ مِن جَلْسَاتِ المُلْتَقَى، كَان يُخَصَّص لَها مِلَفٌ يَتَنَاوَلُ مُنَاقَشَةّ أحَدِ مَوْضُوعَات وقَضَايا الفَن والأدَب. وقَدْ يَمْتَدُّ نِقَاشُ مِلَفٍ واحِدٍ لِعِدَّةِ أيَّام. كَمِلَفِّ القِصَّةِ القَصِيرَة الفِرِنْسِيَّة الَّذِي تمَّت فِيهِ مُناقَشَةُ تَجْرِبَةِ وأعْمَال القَاصَّة الفِرِنْسِيَّة (نَاتَالِي سَارُوت – Natalie Sarraute 1900 – 1999)5. تَتْرى الِملفَّات وتَتَدَحْرَج الأيَّام قُدُمًا والكُلُّ سَعِيد.
ذَاتَ أصِيل، كُنْتُ عَاكِفًا مُنْكَبًّا عَلَى الرَّسْم، زَارَنِي أحَدُهُم وعَلِمْتُ مِنْهُ أنَّ الجَّابْرِي يُعَانِي مِن وعْكَة طَفِيفَة. قَدَّرْتُ أنَّها سَانِحَة لِزِيَارَتِه مَع أُمْنَيَات صَادِقَة لَهُ بِعَاجِلِ الشِّفَاء، ومِن ثَمَّ التَّعرُّف إلَيْهِ عَن قُرْب. لَا غَرْوَ وهُوَ أحَدُ أعْلَام زَمَانِه في حَقْلِ الطَّرَب. إضَافَة إلى أنَّنِي كَنْتُ شَدِيد الإهْتِمَام بِأَعْمَالِهِ الآسِرَة.
فِي صَبِيحَةِ اليَوْمِ التَّالِي، فَرَغْتُ لِتَوِّى مِن لَوْحَةٍ تُعَبِّرُ عَن مَشْهَدٍ لِفَتَاةٍ مُتَّكِئةٍ عَلَى سَرِيرٍ وثِير، مُخَضَّبَةٍ بِالحِنَّاءِ عَلَى قَدَمَيْهَا ويَدَيْهَا وهْيَ تَحْتَضِنُ (دَلُّوكَة)6 تَضْرِبُ عَلَيْها ويَشِعُّ مِن مَلَامِحِهَا السُّرُور. وكَانَتِ الفَتَاةُ تَسْتلْقِى فِي العَتْمَة. سِوَى أنَّ يَدَيْهَا وقَدَمَيْهَا المُخَضَّبتَانِ والدَّلُّوكَة، يَغْشَاهُم ضَوْءٌ مَّا مِن كُوَّةٍ عَلَى الجِدَار. فِي مُقَدِّمَةِ المَشْهَد، ثَمَّةَ عُصْفُورٍ صَغِير مِن جِنْسِ الزَّرَازِير مُتَعَدِّدِ الألْوَان، خِلْتُ حِينَها أنَّ الفَتَاةَ تُوَقِّعُ لَهُ لِيُمْعِنَ فِي التَّغْرِيدْ.
كُنْتُ مَعْنِيًّا في هذِه اللَّوْحَة بِإظْهارِ الأثَر الَّذِي يَتْرُكُه نَقْرُ أنَامِلِ الفَتَاة عَلَى الصُّوف الَّذِي يُحِيطُ بِحَوَافِّ الجِّلْد الَّذِي يَكْسُو مُقَدِّمَة الدَّلُّوكَة. إرْتَأيْتُ أنْ آخُذَ مَعِي هذِه اللَّوْحة فِي زِيَارَتِي للجَّابْري عَلَّها، فِي تَقْدِيرِي سَاعَتَها، رُبَّمَا تُعَبِّرُ عَن أجْوَاءِ الغِنَاءِ والطَّرَب. فَضْلًا عَن إنَّها قَد تُقَدِّمْنِي لَهُ كَمُشْتَغِلٍ بِالفَن، إلى جَانِبِ مَعْرِفَةِ رَأْيِه في عَمَلِي.
كُتِبَ عَلَي أعْلَى بَابِ المَنْزِل بِخَطِّ النَّسْخِ العَرِيض (مَنْزِل أحْمَد الجَّابْرِي). مَا لَفَت إنْتِبَاهِي، أنَّهُ لَمْ تُكْتَب عِبَارَةُ الفَنَّان قَبْل الإسْم، رُبَّمَا تَوَاضُعًا . طَرَقْتُ البَاب، ولِحُسْنِ حَظِّي، فَتَح الجَّابْرِي البَابَ بِنَفْسِه مُرَحِّبًا بِبَشَاشَة ودَعَانِي لِلدُّخُولِ إلى غُرْفَةٍ قُرْب مَدْخَل المَنْزِل. أذْكُرُ أنَّ بِها سَرِيرًا واحِدًا ودُولابًا لِلمَلابِس عَلَى سَطْحِهِ (عُودَيْن)7 لِلْغِنَاء. إعْتَادَ الجُّلُوسَ وحِيدًا عَلَى ذلِك السَّرِير مَع (عُود) ثالِث يُرَاجِعُ عَلَيْهِ تَآلِيفُه المُوسِيقِيَّة الثَّرَّة.
جَلَسْتُ بِجَانِبِه عَلَى السَّرِير بَعْد أنْ أسْنَدْتُّ اللُّوحَة عَلَى الجِّدَار. أرْضِيَّة الغُرْفَة مَفْرُوشَة بِالرَّمْل الأحْمَر المَبْلُول لِلتَّوْ. تَأمَّل اللَّوْحَة مَلِيًّا، فَرِحَ كَمَا الأطْفَال واسْتَأْذَنَنِي ودَلَفَ إلى دَاخِلِ المَنْزِل وأتَى مُسْرِعًا يَحْمِلُ رَسْمَةً تَحْوِي مَشْهَدَ نَخْلٍ عَلَى شَاطِئَيْ نَهْر. وتَبْدُو خَلْف النَّهْر هِضَابٌ تَعْلُوهَا شَمْسٌ مُشْرِقَة.
قَالَ لي بَاسِمًا، ومَا فَتِئَ يَخْتلِسُ النَّظَر إلى لَوْحَتِي، لَقَد رَسَمْتُ هذِه اللَّوْحَة في العَام 1958م ولَمْ أُوَاصِل بَعْدَها واتَّجَهْتُ مُرَكِّزًا صَوْبَ الغِنَاء. فَقُلْتُ في دَخِيلَتِي الحَمْدُ لله، وإلَّا لَمَا كُنَّا حُظِينَا بِهَذِه القَلَائِد والدُّرَر مِن الأعْمَالِ والعَلامَات الغِنَائِيَّة الفَخِيمَة .
جَلَسَ وأمْسَكَ بِالعُود في حُنُوٍ والإبْتِسَامَةُ الجَزْلَي لَمْ تَكَد تُغَادِر شَفَتَيْه وقَال: (نَظِير مُشَاهَدَة لَوْحَتَك هَذِى، سَوْفَ أُغَنِّي لَكَ أُغْنِيَتًيْن، واحْدَة لِي لَمْ تُبَثْ مِن إذَاعَةِ أُمْ دُرْمَان مُنْذُ عَشْرِ سَنَوَات فِيمَا أظُن. والأُخْرى لِفَنَّان عِمْلَاق أكِنُّ لَهُ الكَثِير مِن الإحْتِرَام، وهُو الأُسْتَاذ حَسَن عَطِيَّة. ولَكِنِّنِي أُؤَدِّيهَا فِي "مَقَامْ" مُخْتَلِف). غَنَّى مِن أعْمَالِه رَائِعَتِه الجَمِيلَة بِحَق (آخِر الجَّزَاء) ثُمَّ قَفَاهَا بِأُغْنِيَة (سَألْتُو عَن فُؤَادِي) لِحَسَن عَطِيَّة. لَقَد كَان الأمْرُ كُلُّهُ كَرَمًا دَفَّاقًا لَكَمْ تَمَنَّيْتُ حِيَنهَا، مِن فَرْطِ الطَّرَب، لَو امْتَلَكْتُ أدَاةً لِلتَسْجِيل لَوَثَّقْتُ واحِدةً مِن أرْوَعِ اللَّحْظَاتِ في حَيَاتِي.
شَكَرْتُه مُتَأثِّرًا حَدَّ البُكَاء تَحْت ظِلالِ السَّعَادَةِ والسُّرُور الجَّيَّاشْ.
بَعَد بُرْهَةٍ أمْسَكْتُ بِالْعُودِ وأصْدَرْتُ بَعْض الأصْوات صُعُودًا وهُبُوطًا عَلَى الأوْتَار. تَنَاوَل مِنِّي العُود وأعَاد تِلْك الأصْوات عَلَى نَحْوٍ مُمَوْسَق واسْتَطْرَد قَائلًا، أنَّ المُوسِيقَى إيقَاع وزَمَن لَيْس غَيْر.
لَطَالمَا كُنْتُ مَسْحُورًا بِتُحْفَتِه الغِنَائِيَّة (هُوجِ الرِّيَاح). وهِي، في تَقْدِيرِي، واحِدَة مِن رُمُوز الفَن في القَرْن العِشْرِين. سَألْتُه كَيْفَ يَجْتَرِحُ تِلْك الألْحَان الرَّائِعَة؟ أجَابَنِي بِأنَّهُ يَمْتَلِكُ شِقَّةً في قَاهِرةِ المُعِز. بِهَا كُلْ أسْبَاب الرَّاحَة والهُدُوء. يَنْتَقِي بَعْض النُّصُوص الغِنَائِيَّة مِن أصْدِقَائِه الشُّعَرَاء أمْثَال الصَّادِق إلْيَاس وآخَرِين، ويَتَوجَّهُ بِهَا إلَى شِقَّتِه في القَاهِرَة. وعَلَى مَدَى ثَلاثَةَ أشْهُر، يَسْتَمْتِعُ فِيهَا بِالإسْتِمَاعِ إلَى أسَاطِينِ الطَّرَب فِي تِلْك الأنْحَاء. مِثْل فَرِيد الأطْرَش، عَبْدُالحَلِيم حَافِظ، فَائِزة أحْمَد، مُحَمَّد عَبْدُالوَهَّاب، أُمْ كَلْثُوم، فَيْرُوز وودِيع الصَّافِي. يَكُونُ قَد فَرَغ مِن حِفْظِ النُّصُوص ووضْع الألْحَان الَّتِي تُنَاسِبُها ويَقْفِلُ عَائِدًا إلَى الخُرْطُوم، وفِي جُعْبَتِهِ العَدِيد مِن الخَرَائِد والكُنُوز الَّتِي مَا تَنْفكُّ تُثْرِي وُجْدَان أقْوَامِ السُّودَان وتُنِيرُ تِلْك الظُلْمَةِ الَّتِي لَمْ تَزَل تُخَيِّمُ وتَجْثُمُ عَلَى هَذا الوَطَن الجَّرِيح مُنْذُ آمَادٍ مُسْتَطِيلَة.
وَدَّعْتُه شَاكِرًا مُتَأثِّرًا مَذْهُولًا مِن فَيْضِ كُلِّ تِلْك المَشَاعِرِ واللَّحْظَاتِ المَاتِعَة الَّتِي سَاهَمَت سَاعَتَها، وحَتَّى الآن، في تَعْزِيزِ سَعْيِي نَحْو تَقْدِير الجَمَال. فَضْلًا عَن تَذَوُّقِهِ والإجْتِهَاد في إنْتَاجِهِ قَوْلًا وفِعْلًا. (إنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالا).
يَظَلُّ أحْمَد الجَّابْرِي عَلَي مَرِّ الأيَّام، عَلَاَمَةً فَارِقَة في ذَاكِرَة الوَطَن ضِمْن حَقْلِ الغِنَاءِ والتَّأْلِيفِ المُوسِيقِي وتَضْمِيدِ جِرَاحَاتِ الأرْوَاح وتَكْرِيسِ وتَوْطِين الأفْرَاح .
الفاشر
ديسمبر 2022م
[email protected]
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
تفاصيل وفاة سلام بالسكتة القلبية في طريقه لجامعة الخرطوم
حوار الأسرار قبل الرحيل بين سراج النعيم وصديق عباس ( عبر الأثير)
أسرة الخالدي : حزن الراحل سببه مرض ووفاة نجله ( عمار )
ﺣﻜﻤﺖ ﻳﺎﺳﻴﻦ ﻣﻦ ﺳﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﺮﺽ: (ﺍﻟﺠﺮﺡ ﺟﺮﺣﻲ ﺑﺮﺃﻱ)..ﻟﻲ بطرف”فرفور”ﺃﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ لم يدفعها
أسماء غريبة ومضحكة للزوجات في سجلات هواتف الأزواج
أبلغ عن إشهار غير لائق