نجاشي تركيا كتب أحد المغردين الإسلاميين الذين غادر وطنه مغاضبا : (أنا متوجه إلى تركيا لأن فيها رجلا لا يظلم عنده أحد) .. مسقطا تاريخ هجرة المسلمين الأولى الفارين بدينهم من طغاة قريش إلى النجاشي الحاكم العادل . لسنا بصدد الوقوف على هذه العبارة العاطفية الجياشة التي تلقي بظلالها السياسية السالبة على موطن المغرد الذي لم يهرب من الطاغية لأنه منعه من إقامة شعائر الدين بقدر ما اختلف معه في السلطة وشكل الحكم وحيازته .. والتي قد يختلف معه فيها أيضا أوردوغان الحاكم العادل في تركيا إن نازعه في آرائه أو تقاطع معه في سلطته فلا ثوابت في السياسة أو مقدس أو معصوم .. والإمام ابن حنبل (الإمام المظلوم في نظر أهل السنة والجماعة) لم يختلف معه الخليفة المأمون في مسألة من صميم العقيدة لكن الخلاف وإن غلب عليه الطلاء العقائدي ، في أصله خلاف سياسي ، هو مساندة ابن حنبل وتعاطفه مع ثورة المحدث أحمد بن نصر الخزاعي الذي نازع العباسيين (الأمميين) أبناء الجواري ، لصالح الأمويين العروبيين أبناء القرشيات.. لكن نحن هنا بصدد الحديث عن الشيخ الداعية عبد الحي يوسف ، الذي قالت عنه بعض الوسائط أنه نال وساما تقديرا من أوردغان .. أثبت الخبر مجموعة ونفاه آخرون ، وغالى فيه كثيرون من السودانيين الذين قالوا ، إن الشيخ نال وسام أعظم عالم على وجه الأرض ، والسودانيون مغالون في حبهم ومغالون في كراهيتهم كذلك .. وانبرى منهم من قال ، إنه لا كرامة لنبي بين قومه ، وإن أرض السودان لا تقدر قيمة العلم والعلماء ، فهم ذهب في أرض لا يفرق أهلها بين التبر والتراب .. والشيخ عبد الحي محل تقدير في علمه ومجال تخصصه إن لم يتدخل في العمل السياسي متحيزا إلى فئة بعينها لها معارضوها وبالتالي يناله ما ينالها ، ويدخل معهم الوحل و(يتلبخ بالطين) كما يقول (أبو الجوخ) .. أما أن يحتفظ بالنظافة والقداسة كمن يريد أن يأكل الكيكة ويحتفظ بها في آن معا كما تقول الإنجليز فهو أمر محال وغير ممكن. عبد الحي ومحمد طه محمد أحمد خرج عبد الحي في مظاهرة ضد الصحفي محمد طه محمد أحمد وكان محمد طه شجاعا في مواجهة التهم وشجاعا في مقارعة عبد الحي الذي دعا في إحدى خطبه على أن يخرس الله لسان محمد طه .. ورد محمد طه أنه يكتب بيده فالأولى أن يتجه دعاؤه إلى شل اليد وليس إخراس اللسان! عبد الحي وأبو قرون وشارك عبد الحي يوسف في محاكمة النيل أبو قرون ، واشتبك مع الفنان ابن البادية الذي جاء ليدافع عن أخيه ابي قرون فناوشه عبد الحي بالأيدي وقال له إن كان هذا أخوك فعليك أن تتبرأ منه ، وطلب من بقية علماء السودان أن يطردوا هذا الفنان لأن المجلس مجلس علماء؟! وأبو قرون الذي أثار جدلا في كتاباته وآرائه قال لعلماء السودان إن الفكر يقارع بالفكر ولا تقام له محاكم تفتيش ، ولكل إنسان الحق في ما يعتقده ولا يحاسبه عليه أحد إلا الله ، ولا يجوز لأحد أن يأخذ الوكالة عن الله . لكن علماء السودان هم حراس محراب القداسة وحماة الدين مضوا في محاكمة فكر أبو قرون . وأبو قرون يرى أنه لا علاقة للدين بالدولة وبالتالي لا سلطة دينية يقوم عليها علماء دين .. ولا توجد حكومة وصية على الناس لإجبارهم اتباع نهج أو مذهب معين. ويقول : إنه ليس لفهم قدسية ، والقدسية للنص القرآني فقط والفهم يختلف من شخص لآخر وقد يدخر للمتأخرين ما لم يكن للسابقين .. لكن العلماء يرون في ذلك تطاولا من أبو قرون على الأسلاف وعليهم هم بالضرورة لأنهم يمثلون السلف ويمتكلون الحقيقة التي تعبر عنهم .. وعن الناس أجمعين. وعبد الحي يوسف يتاقطع مع الشيخ أبو قرون فكريا وسياسيا ومذهبيا ، فأبو قرون صوفي وعبد الحي سلفي أو الأول صوفي والثاني فقيه ، والصوفيون يرون كثير من الفقهاء انتهازيون وطلاب سلطة يستابقون على الدرهم والدينار في حلبة التبرير للفسق والفجور إلا قلة منهم بقيت تنافح فأوذيت بالحبس والضرب والنفي في الماضي والحاضر لأنهم صدعوا بالحق أمام الحكام الظلمة .. وعبد الحي يوسف (اتهم) بأنه هو من أفتى البشير بقتل ثلث المتظاهرين .. وذكره البشير في معرض حديثه عن الأموال التي بددها .. ول(عبد الحي) استثمارات كثيرة ولديه قناة فضائية وله مال ممدود وبنين شهود ، ولا يأبى الاستزاده .. ومع ذلك لم يسمع عنه أنه تبرع لنازحات دارفور أو افتتح مدرسة في معسكرات النزوح أو تبني ثلاثين طفلا يصرف عليهم كما فعل اسحق أحمد فضل الله على الأقل .. ولم يشهد له خروج في مظاهرة منددا بمجازر دارفور التي أقر بها الرئيس البشير نفسه عندما قال ، قتلنا في دارفور ثلاثمائة ألف مواطن دون أي شيء ولا ندري ماذا نقول لله يوم يقوم الأشهاد .. لكنه خرج في مسيرات القدس ومسيرات غزة .. ولبس الشماغ الفلسطيني .. وجأفتى بعدم البذل في القومة للسودان لأن الثوار سفهاء (ولا تأتوا السفهاء أموالكم) فاختلف معه الكثيرون من هؤلاء السفهاء الذين قتلوا تقتيلا أمام بوابة القيادة .. ولم يصل عبد الحي على أحد منهم قتل أبدا… الشيخان عبد الحي يوسف وشيخ الأمين وعلى عكس الشيخ عبدالحي يوسف الداعية الرقم هناك الشيخ الأمين الذين يتهمه الكثيرون بأنه لا يجيد حتى قراءة الفاتحة مع أن الرجل في أحدى لقاءاته قال أنه درس الشريعة .. هاجر عبد الحي إلى تركيا عندما لاحت نذر الخلاف وبدت نيران الحرب تتقد من شرارة صغيرة في قاع الرماد .. وبقي شيخ الامين في مسيده في ود البنا يلوذ به المرضى والجوعى والهاربين من نيران الحرب في ام درمان ، اختلف الناس أو اتفقوا في مسلك شيخ الأمين إلا أن ما يقوم به من علاج للمرضى وإطعام للجوعى أمر لا ينبغي بخسه .. لو بقي عبدالحي في مسجده لربما جاء بعلماء الأرض إلى السودان لوقف القتال .. ولو فعل عبد الحي ذلك في هذا الظرف لنال ما لم ينله من أرودوغان أو أكابر ملوك الأرض .. ينال حب الناس الفقراء البسطاء .. وهم أحق من يتقرب بهم إلى الله. والعالم مهما كان لديه من علم فإن التقرب من الحكام يبعدهم من عامة الناس، وخاصة الذين تتعيش السلطة على جماجمهم .. سأل فرقد السبخي فرقدا الحسن في مجلسه، قائلا : لماذا يخالفك الفقهاء الرأى؟ فرد الحسن : (يا فريقد وهل رأيت بعينك فقهاء؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، البصير بدينه ، المداوم على عبادة ربه ، الورع ، الكاف عن أعراض المسلمين ، العفيف على أموالهم ، الناصح لجماعتهم) .. ولم يكن الحسن خوارا ولا متهالكا عند أبواب السلاطين ، ويشهد على ذلك مقاله الرائع أمام أبي هبيرة والى البصرة على عهد يزيد بن عبد الملك فقد دعا أبو هبيرة ثلاثة من علماء البصرة هم الحسن والشعبي وابن سيرين ليسائلهم عن بيعة يزيد فآثر الشيخان الشعبي وابن سيرين الصمت إلا أن الحسن وقف شامخا ليقول لأبي هبيرة: (خف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله ، إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله ، وأوشك أن يبعث إليك ملكا فيزيلك عن سريرك ويخرجك من سعة قصر إلى ضيق قبر ، ثم لا ينجيك إلا عملك). أوسمة السودان مع إعلان الزعم بأن الشيخ عبد الحي يوسف لوسام أعظم عالم على وجه الأرض ، أعلنت وزارة الثقافة في فرنسا منح الروائي السوداني عبدالعزيز ساكن وسام جوقة الشرف برتبة فارس في الفنون والآداب للعام 2023م . وساكن روائي سوداني تعالج رواياته قضايا قضايا المجتمع والقمع والحريات والأمنيات الضائعة بين ظلم الحكومات وتناقض المجتمعات ، ومن أهم رواياته : الجنقو مسامير الأرض ، مسيح دارفور ، سمهاني. فهو أيضا جدير باحتفاء السودانيين به.