يكتب التاريخ الآن أحداث مهمَّة جدًّا في تاريخ السودان؛ بل في تاريخ أفريقيا بصفة عامَّة.. وهي ظهور قوَّة جديدة غاشمة على أرض السودان في العام 2013م بقيادة زعيم الجنجويد محمد حمدان دقلو، وقد أدَّى ظهور هذه القوَّة إلى تغييرات مفزعة في السودان بصفة عامَّة، وفي أرض دارفور وعاصمة البلاد بصفة خاصة. تلك هي قوة الدعم السريع التي ظهرت في أعوام قليلة جداً لتحدث هذه الفوضى العارمة في كل مكان من أرض السودان. ما أشبه ظهور الدعم السريع بظهور دولة التتار في سنة 1206م في «منغوليا» في شمال الصين، بزعامة جنكيزخان والكلمة تعني: قاهر العالم، أو ملك ملوك العالم، وبدأ في التوسُّع تدريجيًّا، وسرعان ما اتَّسعت مملكته؛ لتضم من دول العالم حاليًّا: (الصين، ومنغوليا، وفيتنام، وكوريا، وتايلاند، وسيبيريا، ولاوس، وميانمار، ونيبال وبوتان). تميزت مليشيا الدعم السريع بنفس سمات التتار وهي سرعة الانتشار، وأعداد ضخمة من البشر، وتحمل الظروف القاسية، وأنهم بلا دين وبلا قلب وبلا رحمة. وحروب الدعم السريع كحروب التتار، حروب تخريب غير طبيعية؛ تدمير وقتل للمدنيين العزل؛ لا يُفَرِّقُون في ذلك بين رجل وامرأة، ولا بين رضيع وشاب، ولا بين صغير وشيخ، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين مَدني ومحارب! إبادة جماعية مرعبة – كما حدث في الجنينة والعاصمة -، وطبائع دموية لا تصل إليها أشدُّ الحيوانات شراسة. والغريب أنهم كالتتار تماماً يتظاهرون -دائمًا- بأنهم ما جاءوا إلاَّ ليُقيموا الدين، ولينشروا العدل، والديموقراطية وحكم القانون، وليُخَلِّصُوا البلاد من الظالمين! هذه هي السمات التي اتَّصف بها جيش التتار، وهي صفات الدعم السريع، وصفات تتكرَّر كثيرًا في كل جيش لم يضع في حسبانه قوانين السماء وشريعة الله عز وجل؛ فالذي يملك القوَّة ويفتقر إلى الدين لا بُدَّ أن تكون هذه صورته؛ قد يتفاوتون في الجرائم والفظائع، لكنهم في النهاية مجرمون. وكما كان التتار قوة همجية بشعة، فمليشيا الدعم السريع قوة بلا تاريخ، وبلا حضارة، فقد ظهرت فجأة وليس عندها مخزون ثقافي أو حضاري أو ديني يسمح لها بالتفوق على غيرها، فكان لا بد لها من الاعتماد على القوة الهمجية والحرب البربرية؛ لفرض سطوتها على من حولها. الآن الدعم السريع اقتحم المسعودية والنوبة شمال الجزيرة وأعطى أهلها الأمان أن يسلموا سياراتهم فيسلموا، ومع كثرة المستسلمين ستستبيح هذه المليشا كل مدينة أو قرية تدخلها. التاريخ يعيد نفسه بوجوه جديدة وأسماء مختلفة. عندما دخل جنكيز خان مدينة بخارى -وهي الآن في دولة أوزباكستان، وهي بلدة الإمام الجليل والمحدث العظيم البخاري رحمه الله- قتلوا من أهلها خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهليهن، وارتكبوا الزنا مع البنت في حضرة أبيها، ومع الزوجة في حضرة زوجها، فمن المسلمين من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب، وكثر البكاء والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم أشعلت التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها فاحترقت المدينة تماماً، حتى صارت خاوية على عروشها. فمن الضعف والهوان ألا يرفع السودانيون سلاحهم ليدافعوا عن دينهم وأرضهم وعرضهم. ومن الضعف والهوان أن يصدق السودانيون بعهود هذه المليشيا التي لا دين لها ولا أخلاق ولا شيم الرجال. ومن الضعف والهوان أن يسلم السودانيون من رفعوا راية الجهاد فيهم إلى عدوهم الجنجويدي. لم يكن سبب مأساة السودانيين قوة هذه المليشيا المتمردة ولا بأسها وعددها، وإنما كان بسبب الفرقة والتشتت والتشرذم بين السودانيين. وهي نفس الأسباب التي أدت إلى هزيمة المسلمين أمام التتار. فالفشل جعله الله عز وجل قريناً للتنازع، والسودانيون في هذا الوقت كما كان المسلمون في ذلك الوقت كانوا في نزاع مستمر وخلاف دائم، وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة في الحروب مع التتار، كان المسلمون يغيرون على بعضهم بعضاً، ويأسرون بعضهم بعضاً، ويقتلون بعضهم بعضاً، ويضعفون وينهكون بعضهم بعضاً، وقد علم يقيناً أن من كانت هذه صفتهم فلا يكتب لهم النصر أبداً. اجتاح التتار دولة خوارزم الكبرى، فأبادوا أهلها، وتركوها أثراً بعد عين، ثم أفغانستانوأوزباكستان قبل الذهاب إلى العراق؛ وما تمكنوا من ذلك إلا بسبب تفرق كلمة المسلمين وضعفهم، وامتلاء قلوبهم بالحقد والضغينة على بعضهم، وتلك سنة الله تعالى الجارية التي أعقبت في المسلمين الهزيمة وسلبوا بها عرش ملكهم. وحالة الضعف الشديد التي يمر بها السودانيون الآن وكانت تمر بها أمة الإسلام، والفرقة والتشتت والترف والتمسك بالدنيا، هذه الحالة أدت إلى طمع حميدتي في حكم السودان، وإلى طمع التتار في احتلال العالم الاسلامي، فكان احتلال مدينة بخارى المسلمة واستباحتها استباحة تامة، فقتل الرجال واغتُصبت النساء وأُسر الأطفال وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة في بطون أمهاتهم وأحرقت الديار والمساجد، كل هذا تم في أواخر السنة السادسة عشرة بعد الستمائة من الهجرة، وكانت هذه الأحداث المؤلمة مجرد مقدمة لأحداث أشد إيلاماً. اختار حميدتي الاستقرار في الخرطوم وقد أعجبته المدينة العملاقة ذات العمارات الشاهقة والفلل الفاخرة، والحدائق والميادين، والخدمات والماء والكهرباء والماء التي لم ير مثلها قبل ذلك. وأول شيء فكر فيه بعد استقراره هو قتل البرهان فيسهل عليه احتلال البلاد دون خوف من تجميع الجيوش ضده. تماماً كما فعل جنكيز خان عندما استقر في مدينة سمرقند، وأول شيء فكر فيه هو قتل محمد بن خوارزم شاه رأس الدولة الخوارزمية. أدخلت المليشيا المتمردة الرعب والهلع في أوساط السودانيين فأصبحت كل مدينة ترتعش وترجف عندما تعرف بقرب وصول الجنجويد إليها، تماماً كما فعل التتار يسبقهم الرعب والهلع فدخلوا إلى نيسابور دون مقاومة رغم أنه كان في المدينة جمع كبير من الجنود المسلمين إلا أن أخبار بطش التتار كانت قد وصلت إليهم فلم يستطيعوا أن يقاوموا التتار، فدخل التتار المدينة وأخرجوا كل أهلها إلى الصحراء وضربوا بالسيف، ثم قاموا بسبي كل نساء نيسابور، وتركوها كما يقول ابن الأثير أثراً بعد عين، ولا حول ولا قوة إلا بالله. احتار السودانيون بين رأين. الرأي الأول: قتال ماليشيا الدعم السريع والدفاع عن المدينة. والرأي الثاني: موالاة الدعم السريع طمعاً أو كرهاً لتجنب القتل. ولإثبات ولاءهم كان عليهم الإرشاد عن أصحاب الرأي الأول لقتلهم والتمثيل بهم. ولو نفع هذا الرأي الثاني أهله لكان نفع أهل مدينة بخارى -وهي الآن في دولة أوزباكستان، وهي بلدة الإمام الجليل والمحدث العظيم البخاري رحمه الله- فحاصرها سنة (316ه، عندما دخلها جنكير خان احتار أهلها ماذا يفعلون، ثم ظهر رأيان: الرأي الأول: قال أصحابه: نقاتل التتار وندافع عن مدينتنا. الرأي الثاني: قال أصحابه: نأخذ الأمان ونفتح الأبواب للتتار؛ لتجنب القتل. ففتح أصحاب الرأي الثاني أبواب المدينة للتتار ثم أجبرهم التتار أن يرشدوا عن القلعة التي لجأ إليها المجاهدون، بل على مساعدتهم في اقتحام القلعة وقتل المجاهدين. يقول ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية مصوراً ما فعله التتار في بخارى: فقتلوا من أهلها خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهليهن، وارتكبوا الزنا مع البنت في حضرة أبيها، ومع الزوجة في حضرة زوجها، فمن المسلمين من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب، وكثر البكاء والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم أشعلت التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها فاحترقت المدينة تماماً، حتى صارت خاوية على عروشها. في عام 619ه سقطت تحت سيطرة التتار كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجاكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وباكستان، وأفغانستان، ومعظم إيران، وأذربيجان، وأرمينيا ، وجورجيا ، والجنوب الغربي لروسيا. خلال سنتين وبضعة أشهر احتلوا هذه المساحة من العالم. سقطت بغداد عاصمة الدولة العباسية وقتل الخليفة العباسي على يد التتار في 656ه، وبعدها فكروا في غزو مصر. كان حاكم مصر في ذاك الوقت سيف الدين قطز وهو من المماليك. وكان الوضع في مصرعند اقتراب التتار منها متأزم جداً، فالوضع الداخلي يموج بالاضطرابات والأزمات الشديدة، والفتن الناتجة عن الصراع على كرسي الحكم، وإن كان قطز قد استقر على كرسي الحكم، إلا أن هناك الكثير من الطامعين في الكرسي وهناك الكثير من الحاقدين على قطز شخصياً، كما أن الفتنة ما زالت دائرة بين المماليك البحرية الذين كانوا مؤيدين لشجرة الدر وبين المماليك المعزية الذين يؤيدون قطز. كانت أول خطوة قام بها قطز في إعداده لحرب التتار هي استقرار الوضع الداخلي في مصر، ثم جمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي وقال لهم: «إني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار ولا يأتي ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطة من شئتم» فهدأ معظم من حضر الاجتماع ورضوا بما قال، ثم قام قطز بالقبض على رؤوس الفتنة الذين حاولوا الخروج على سلطته وحكمه، وبذلك هدأت الأمور نسبيًا في مصر، أما الخطوة الثانية التي قام بها قطز فهي إصداره لعفو عام وشامل عن المماليك البحرية الذين فروا إلى الشام بعد مقتل زعيمهم فارس الدين أقطاي وكانت هذه الخطوة أبرز قرار سياسي اتخذه قطز، فقوات المماليك المعزية لا تكفي لحرب التتار، وكانت المماليك البحرية قوة عظيمة وقوية جداً ولها خبرة واسعة في الحروب، فإضافة قوة المماليك البحرية إلى المماليك المعزية ستنشيء جيشاً قوياً قادراً على محاربة التتار، وكان من نتائج هذه الخطوة عودة القائد الظاهر بيبرس إلى مصروانضمامه إلى قطز، وبهذا توحدت قوى المماليك تحت لواء جيش واحد قائده سيف الدين قطز. أرسل هولاكو ملك التتار أربعة رسل إلى قطز يطلب منه التسليم فما كان من قطز إلا أن قتلهم وعلق رؤوسهم. ثم سار بجيشه إلى عين جالوت حيث انكسر وانهزم الجيش التتاري العظيم هزيمة ساحقة وأبيد جيش هولاكو العظيم الذي أرعب العالم. الآن تسير مليشيا الدعم السريع نحو ولاية الجزيرة بعد أن استباحت المسعودية والنوبة في شمال الولاية. ستكون ولاية الجزيرة عين جالوت للجنجويد وسيتم كسرهم وهزيمتهم هزيمة ساحقة ولن تقوم لهم قائمة إلى الأبد. ولاية الجزيرة (ألمي حار ما لعب قعونج).