جراء الحرب التي تدخل شهرها السادس يمر السودان بامتحان قاس وعسير في فترة تعد هي الأخطر فى تاريخه المعاصر، ولا تلوح فى الأفق بارقة أمل في إيقاف الأعمال العسكرية المستمرة. وما نتج عن هذه الحرب حتى الآن يعد كارثة إنسانية بكل المقاييس، وتتضمن القتل والتشريد واللجوء الذي طال الملايين من المدنيين في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى من مدن الأقاليم. وما زالت فواتير الحرب تمضي. وبسبب جملة هذه الأوضاع، أصبح هذا البلد الثري بثقافاته المتعددة على حافة الدخول في حرب أهلية شاملة، تهدد استقراره ووحدته، وتؤدي إلى تفككه وتمزيقه. وربما يساعد على تفككه وقوعه فى منطقة هشاشة وتوترات تستوجب الانتباه. وهذا وحده يتطلب من الجميع درجة من التسامي السياسي وتأجيل الاختلافات، والاتفاق على حد أدنى يساعد على تجاوز الأزمة وإنهاء الحرب والدخول فى حوار يفضي للتوصل إلى اتفاق سلام شامل يؤسس لقيام دولة مدنية مبنية على القوانيين والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات، وطي ملف الانقلابات العسكرية إلى الأبد، وأن يتفرغ الجيش والمؤسسات الأمنية للمهام المناط بها من حراسة وتأمين لحدود البلاد. ومقابل ذلك، وجب على قطاعات الشعب السوداني ومنظماته المدنية الضغط على الأحزاب السياسية بهدف حثها على ترميم نفسها والاطلاع بدورها في قيادة البلاد نحو الديمقراطية الراسخة. إن الوضع المأزوم المصاحب للحرب والمتوتر والمشحون بخطاب الكراهية، سيهدم المعبد على الجميع. ويقول الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية، بروفسير عبده مختار، إلى أن السودان يمر بمنعطف خطير؛ "فإما أن يستفيد من هذه الحرب في اتجاه السلوك العقلاني الرشيد والضمير الوطني الحي أو يفقد الوطن كله". وفي الواقع، تأخر هذا البلد الفريد في خلق الوحدة المفضية إلى قوة مكوناته، وإزاء ذلك دفع الشعب السوداني فاتورة عالية بسبب الانشقاقات السياسية الحادة: القتل، الجوع والتشريد. وآن الأوان لذلك أن يتوقف.