آفة العمل السياسي السوداني منذ عقود هي الاحتكار، احتكار فئة معينة في أي مؤسسة مجتمع مدني لصنع السياسات والقرارات، واستخدام عضويتها وحتى الفاعلين منهم مجرد كمبارس (بالسوداني: بيتموا بيهم الشغل). في لحظة فارقة من عمر السودان تسنمت الحرية والتغيير مسئولية الفترة الانتقالية، مع اتساع عضويتها من الأحزاب والمؤسسات والنقابات، إلا أن الفئة التي احتكرت كل شيء لا تتجاوز المئة شخص (ممكن أعدهم ليكم واحد واحد)، هذه الفئة لم تلتفت لأي صوت ناهيك عن أصوات الكتلة الحرجة في ذلك الوقت، إنما تعمدوا أن يتجاهلوا حتى أصوات قيادات في كياناتهم المختلفة، وقد كانوا لهم من الناصحين شفقة ورحمة، إلا أن سطوة السلطة في ذلك الحين وصولجان الأضواء عمياء بصيرتهم، فاستمروا في إختطاف القرار وصنعه خارج أطره السياسية والقانونية، ركنوا إلى (الشلة) والصحبة، وتجاهلوا المؤسسية، حتى ابتلعهم حوت الانقلاب وابتلع معهم وطن كاد أن ينهض، وأحلام جيل صنع ثورة واقتلع دكتاتورية كانت قد أعجزتهم، لقصر قاماتهم عن ادارك معاني الديمقراطية التي يتشدقون بها ليل نهار. في ذلك الوقت كتبنا عن نقص القادرين عن التمام، بذلنا لهم النصح سراً وجهراً ولات حين مناص. هل تعلموا الدرس؟! اندلعت الحرب وظننا بأن القوم قد يستفيقوا، ولكن هيهات، فهاهم يستمرون في ممارسة ذات النسق من صناعة الوهم وبيعه على أنه رأي جمعي يعبر عن مصلحة الوطن! مازالوا يمارسون نفس أساليبهم في العمل السياسي الذي كان حرياً به أن ينقذ ما يمكن إنقاذه من الوطن، ويوقف الحرب والدماء أو كما تدعي، فهي أي الحرية والتغيير لديها قدرة هائلة على صنع أجسام وهمية تحمل أسماء ضخمة تتحايل بها على واقع يؤكد بأنها أصبحت لاتمثل الثورة وإن حاولت، وأنها تفقد ما اكتسبته من كسب عرق الثوار من رصيد سياسي ينفذ يوماً بعد يوم، لكنها لا تتعلم! بل تواصل في نفس النهج الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه من تهلكة: لا تريد تحمل مسئوليتها والتخلي عن نهجها في ممارسة السياسة في الظلام وخلف الأبواب المغلقة، ولا تثق في شعبها ولا حتى في عضوية كياناتها الُمشِكلة لها! هل نحتاج أمثلة؟! كل متابع للسياسة في السودان يعرف أن المشاريع التي تتصارع في المشهد الآن كثيرة ومتداخلة، فنتساءل: ماذا يفعل الساسة الذين يقع على عاتقهم إيجاد حلول تتسم (بالوطنية) في المقام الأول، مع العقلانية ومراعاة التمثيل – تمثيل لأوسع قدر ممكن من المكونات الاجتماعية السودانية – للخروج من مأساة الحرب إلى مأزق السياسة؟ لكننا نجد أن اللوبي مشغول بممارسة هوايته في صناعة كيانات ذات أسماء ضخمة، يديرها عبر وكلاء أقل ما يقال عنهم أنهم أدوات في يد الحرية والتغيير ُتمرر عبرهم أجندتها، وأعني هنا على سبيل المثال: ما ُسمي بالجبهة المدنية لإيقاف الحرب }واستعادة الديمقراطية{، وأي ديمقراطية فقدنا حتى نستردها!! هذه الجبهة التي تم إنشاءها بتمرير فكرتها وانطلاقتها عبر إحدى تنسيقيات لجان المقاومة، لتكون هذه التنسيقية هي الواجهة لتمرير الأجندة التي لا يستطيعون تمريرها عبر الحرية والتغيير، وحتى يكون هذا الجسم هو بوابة الحرية والتغيير الجديدة لمواصلة الاستهبال السياسي. (من ورشة بيروت التي رعتها ماكس بلانك وشارك فيها من شارك، مروراً بجدة ونيروبي وحتى المؤتمر التشاوري الجنجويدي في توغو، وليس انتها ًء بالورشة التي يتم الإعداد لها والمزمع انعقادها أواخر هذا الأسبوع بأديس ابابا)، تواصل الحرية والتغيير نفس هوايتها بممارسة العمل السياسي في الظلام وخلف الأبواب المغلقة. من يمول هذه الورش؟ من يختار المشاركين فيها؟ وكيف يتم الاختيار؟ من لديه القدرة اللوجستية على إخراج المشاركين في هذه الورش من داخل الخرطوم، وإيصالهم حيث تعقد هذه الورش؟ معايير المشاركين؟ والأهم من ذلك ما الهدف المرجوا من خلفها؟ جوهر الديمقراطية هو الشفافية والمحاسبية، والحرية والتغيير لاتتمتع بالشفافية، ولا تخضع إلى أي نوع من المراقبة والمحاسبة، فبالرغم من تكرار مطالبنا بالإفراج عن محاضر اجتماعتهم التي انعقدت خلال الثورة وبعدها، ُتماطل الحرية والتغيير وشركاءها، ثم تتحايل علينا الآن بنفس الأساليب القديمة لتقودنا مرة أخرى إلى نفس المصير! فما تصنعه الآن داخل الجبهة المدنية واستغلالها لبعض أعضاء لجان المقاومة لن تكون نتائجه أكثر إنجازاً مما أحدثته سابقاً! إلى المسافرين إلى أديس!! إن كان سفركم من أجل مكتسبات الورش من نثريات دولارية وغيرها فذلك شأنكم (عليكم يسهل وعلينا يمهل)، أما إذا كنتم تبحثون عن مخرج من مأزق الحرب (فلقد تركتموه خلفكم)! لن يستقيم الظل والعود أعوج. وإني لكم من الناصحين. [email protected]