أشرف عبدالعزيز قبل أيام نشر موقع (الجزيرة نت) خبر عن إعلان طهران لاستئناف وشيك للعلاقات بينها والخرطوم بعد انقطاع دام سبع سنوات. هذا الإعلان لم يأت عن فراع، ففي يوليو الماضي قال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان عبر تويتر: "على هامش قمة حركة عدم الانحياز إلتقينا مع أخي دفع الله الحاج علي وكيل وزارة خارجية السودان، وبحثنا في استئناف وشيك للعلاقات الدبلوماسية بين الخرطوموطهران". ويتزامن إعلان طهران عن عودة العلاقات مع الخرطوم مع التقدم المضطرد في شأن العلاقة بين المملكة السعودية وإيران فيما يأتي هذا الإعلان وأمس شنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هجوماً مباغتاً على إسرائيل من قطاع غزة، بإطلاق وابل كثيف من الصواريخ مما أسفر عن سقوط قتلى وإصابة مئات الإسرائيليين، وسط تقارير عن أسر جنود خلال العملية التي أطلق عليها "طوفان الأقصى". أذكر في أواخر أيام البشير تحدث مدير جهاز الأمن والمخابرات وقتها صلاح قوش لرؤساء تحرير الصحف في لقاء تنويري عن (المحاور) في الشرق الأوسط ، وقال إن كل أنظار العالم مصوبة على هذه المنطقة ، ومركزة على شيء واحد وهو (أمن اسرائيل) ، وأشار إلى أن محور السعودية والأمارات يقارب وجهة نظر الغرب ، أما إيران فهي الوحيدة التي إختارت خط المواجهة ، ويومها لم يحدد في أي محور سيقف السودان وإكتفى بالقول (نحنا عارفين موقفنا وين). من المؤكد أن التقدم في العلاقات بين طهرانوالرياض يحظى بأهمية إقليمية وعالمية بالغة الدقة، بحكم الأوزان النسبية الكبيرة للدولتين، وبحكم تشابكات أدوارهما في عديد من الساحات الإقليمية، وتأثيراتهما الكبيرة في القضايا والدولية وفي تحديد ملامح وشكل ومستقبل النظام الدولي، خاصة وأن الصين لعبت دوراً أساسياً في هذا المضمار. وفي سياق تداعيات عودة العلاقات السعودية الإيرانية يقرأ أثرها على السودان الذي يشارك في عاصفة الحزم باليمن التي بدأت بوادر حربها في الأفول ، وبالتالي سيعود الجنود السودانيين إلى ديارهم وتطوى صفحة هذا الملف لتنفتح صفحة جيدة يكتب عليها سؤال واحد كيف تنظر السعودية لعودة العلاقات السودانية الإيرانية؟ لن تنظر السعودية لعودة العلاقات السودانية الإيرانية إلا من زاوية واحدة وهي أن أي تواجد لطهران في السودان ومنطقة البحر الأحمر تحديداً يعني الالتفاف عليها من الغرب، وتدرك الرياض جيداً أن طهران عينها على الخليج قبل إسرائيل ولن تفوت الفرصة كما فعلت من قبل.. بل ستنصب منصاتها للمواجهة مرة أخرى ، وهذا ما يخيف السعودية من عودة العلاقات بين طهرانوالخرطوم. أما إسرائيل ظلت تراقب بحذر محاولات إيران لإيجاد منفذ لها عبر البحر الأحمر، وبلا شك تدرك أن السودان يمثل أهم هذه المنافذ لعدة أسباب منها سيطرته على سواحل طويلة للبحر الأحمر وقربه من مناطق نزاع ساخنة في منطقة الشرق الاوسط ، والهجوم الذي شنته حركة حماس بالأمس يجعل تل أبيب أكثر حذراً وتحوطاً ، وستكمل جهودها لوضع المنطقة بأكملها وليس منطقة البحر الاحمر وحدها تحت مظلة مراقبتها، فهي لديها وجود في أريتريا وفي ممبسا وكذلك عيون تراقب سواحل المحيط الهندي، ولن تتوانى في تنفيذ استراتيجيتها الأمنية بمواجهة كل ما يؤثر في أمنها القومي الذي لا ينتهي عند حدود الدولة العبرية وإنما يمتد الى حيث وجود ما يهدد أمنها في أية بقعة في العالم ، ويبقى السؤال هل سيقطع قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي الفريق عبدالفتاح البرهان العلاقة مع نتنياهو التي كان يرى فيها أملاً لخروج السودان من أزمته ويستعيض عنها بعد دخول الخرطوم في عنق الزجاجة بالعودة مرة أخرى إلى أحضان طهران؟ الحديث عن عودة العلاقات السودانية الإيرانية سيعيد الصراع الثنائي الايراني الإسرائيلي حول منطقة البحر الاحمر، فهذا الصراع ليس المقصود منه منع تهريب السلاح من السودان الى قطاع غزة ولبنان (كما كانت تتهم تل أبيب الخرطوم بذلك قبل تطبيعها) وإنما هو صراع نفوذ للسيطرة على المنطقة وأنه جاء في اطار التحولات الجديدة لمسار الصراع الإسرائيلي العربي والإيراني على المنطقة وبعض السواحل الإفريقية ..ولكي لا ننسى هناك الصراع الأمريكي الروسي على البحر فضلاً عن أطماع تركيا وغيرها من التقاطعات الأخرى في هذا الملف. لم يقطع (قوش) في ذلك التنوير بأن السودان يقف مع محور الأمارات لكن توالت الأحداث عاصفة فالبشير أبلغ هيئة قيادة حزبه بعد زيارة للأمارات أنهم إذا أرادوا حلاً للأزمة الإقتصادية سيقتلعوا من السلطة إقتلاعاً ، وواصل في التعنت وزار روسيا وطالب بوتين بحمايته من الأمريكان وبمعركته مع (طواحين الهواء) زاد من تهيئة الأجواء لاسقاطه ونجح الثوار الديسمبريون في إقتلاعه و(حدث ما حدث)…فأي رياح عاتية تهب على السودان المثقل بالحرب نتيجة عودة العلاقات بين الخرطوموطهران هذه المرة؟. الجريدة