ظل الفشل هو العنوان الابرز للدوله السودانيه منذ إستلام النخبه لمقاليد الحكم في بدايه خمسينات القرن الماضي، لطبيعة الدولة في حينه القائمة لإدارة مصالح المستعمر. تعلمنا من التجارب ان الفهم السليم للمشاكل هو نصف مفتاح الحل وكلنا يعرف المقوله التي تقول أن فهم السؤال نصف الاجابه. ولكي نفهم المشكله نحن في حاجه الي أدوات تحليل موضوعيه و منطقيه للمشكله السودانيه ومن ثم نحن في حاجه لطرح الاسئله الصحيحه التي بالإجابة عليها يمكننا طرح الأجوبة الصحيحه ومن ثم نبدأ في مناقشه الحلول الصحيحه لبناء الدوله الحديثه. اولا لابد من الإعتراف بأن الدوله السودانيه جدليه التركيب، تكونت تحت جبروت سلاح المستعمر، وهنا لايوجد فرق كبير اذا هذا المستعمر هو محمد علي باشا في عام 1821 او ونجت باشا في عام 1899. ثانيا لابد من معرفه تكريب الدوله التي بُنيت لتلبية المصالح الاقتصادية و السياسيه للحاكم او النخبه أين كانوا ككل الدول القديمه. للأسف فشلت النخبه السودانيه التي استلمت الحكم من المستعمر في بناء الدوله لأن تصورها للدوله لا يختلف كثيرا عن تصور النخبة الحاكمه اثناء الاستعمار و ادواتها كانت مشابه لأدواته، لذلك نشأ اول صراع قبل حتي الاستقلال الرسمي للدوله وهنا أعني تمرد كتيبه توريت عام 1954. إنطلاقا من مفهوم الدوله الحديثه القائمه علي القبول الشعبي لها و مبدأ المواطنه المتساويه للجميع، دوله القانون و المؤسسات كان لابد من مصالحات مجتمعيه وبناء جديد لمنظومة المصالح لإنهاء الصراع المناطقي و القبلي المنتشر علي طول جغرافيا الدوله السودانيه، لابد من إجراءات تفضي الي نهايه مقبوله للمظالم التاريخيه و الصراعات المتوارثه جيل بعد جيل. لابد للدوله أن تعبر عن كل المواطنين و عن مصالحهم، وإنهاء فرض الرؤيه الآحاديه علي الآخرين حتي ولو كانت هذه الرؤيه هي رؤيه الأغلبيه. تغاضت النخبه الحاكمه في سودان مابعد الاستقلال عن التفسير المجتمعي للأزمه السودانيه و قفزت للحلول السياسيه الساهله و محاوله حل الإشكالية بالاقساط بدل حل المشاكل كلها دفعه واحده. ولأن رؤيتنا للدوله مختلفه و منطلقاتنا أيضا مختلفه سعت النخبه الحاكمه للحفاظ علي هياكل الدوله الموروثه من المستعمر، وهي دوله أساسها مبني علي حفظ مصالحهم الاقتصادية و الاجتماعيه و السياسيه، دوله قائمة علي الجبايه و القهر وهو مايسمى بدوله العنف. الدوله التي تستخدم العنف لفرض رؤيه الحاكم علي المحكومين. لذلك ظلت رؤيه النخبه السياسيه متمحوره حول السلطه التي تتيح لها استخدام عنف الدوله لتحقيق مصالحها اولا او اقتسامها مع من يستطيع أن يغالبها عليها و ليس مفهوم إقتسام السلطه و الثروه ببعيد. ولكي تحافظ الدوله علي هيكلها تستخدم الاِقتسام المجتمعي لتعزيز قبضتها علي السلطه وهذه السياسه ماهي إلا وجه آخر لسياسه المستعمر المشهوره فرِق تسُود. ومن هنا يكمن للمتابع للتاريخ أن يجد العديد من الأمثله لهذه السياسه من جنوب السودان الي دارفور وبشكل أقل في مناطق السودان الأخري. قد يقول قائل إن مناطق مثل وسط و شمال السودان ليس بها مثل هذه الصراعات لذلك هي مناطق مستقره و نسيجها المجتمعي متماسك ولكن المفكر المتعمق في علوم الاجتماع و تاريخ الشعوب يعلم أن اشتعال اي صراع في هذه المناطق هو بدايه للتصدع المجتمعي لأن تاريخ هذه المجتمعات به الكثير من الصراعات التي يمكن إستخدامها لخدمه الأجندة السياسيه لو تطلبت الحاجه. ولأن التاريخ السوداني لاتنقصه المظالم ولا الجرائم مثلنا مثل العديد من الشعوب التي مرت بحالات مشابهه لما مررنا به، فإن الحل للمشكله لابد أن يمر عن طريق بناء لُحَمه مجتمعيه قويه عن طريق معالجه كشف الحقيقه الكامله، محاسبه المتورطين و جبر الضرر للمظلومين و بناء الدوله القادره علي منع تكرار هذه المظالم. وهذا مايسمى بالعداله الانتقاليه و المصالحه المجتمعيه. ونواصل