فبريكة التعليم وإنتاج الجهالة..!    تأملات جيل سوداني أكمل الستين    مقتل كبار قادة حركة العدل والمساواة بالفاشر    مناوي: صمود الفاشر رسالة تاريخية لعبدالرحيم دقلو    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    أونانا يحقق بداية رائعة في تركيا    رئيس مجلس السيادة يلتقي أمير دولة قطر و يعقدان اجتماعاً ثنائياً    السودان يشارك في مؤتمر ومعرض المجلس الدولي للمطارات لإقليم أفريقيا    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    دراسة تكشف تأثير "تيك توك" وتطبيقات الفيديو على سلوك الأطفال    "خطوط حمراء" رسمها السيسي لإسرائيل أمام قمة الدوحة    رسمياً – منار إسماعيل مديراً فنياً لنادي الشمالية    البارسا ينتصر بسداسية    هل تم إطلاق مسيرات العدوان من جنوب السودان..؟    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    البرهان يعلن تضامن السودان الكامل مع قطر    لقد غيّر الهجوم على قطر قواعد اللعبة الدبلوماسية    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    أمير قطر: بلادي تعرضت لهجوم غادر.. وعازمون على مواجهة عدوان إسرائيل    شاب سوداني يستشير: (والدي يريد الزواج من والدة زوجتي صاحبة ال 40 عام وأنا ما عاوز لخبطة في النسب يعني إبنه يكون أخوي وأخ زوجتي ماذا أفعل؟)    هالاند مهاجم سيتي يتخطى دروغبا وروني بعد التهام مانشستر يونايتد    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    شاهد بالصورة والفيديو.. بضحكة مثيرة جداً وعبارة "أبشرك اللوري مافي زول سائقه مركون ليهو زمن".. سيدة سودانية تثير ضجة واسعة بردها على متابع تغزل في جسدها: (التحية لسائق اللوري حظو والله)    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفتح النار على المطربة إيمان الشريف: (المجهود البتعملي عشان تطبلي لطرف تاني قدميه لزوجك لأنك مقصرة معه ولا تعطيه إهتمام)    شاهد.. "جدية" الإعلام السوداني تنشر صورة لها مع زوجها الشاعر وتستعين بأبيات من الغزل نظمها في حقها: (لا شمسين قدر نورك ولا الاقمار معاها كمان)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    انتقادات عربية وأممية.. مجلس الأمن يدين الضربات في قطر    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة ود مدني درة خاتم السودان التي دمرتها الحرب بين عشية وضحاها
نشر في الراكوبة يوم 31 - 12 - 2023

كانت نشأتها الأولى كمزار ديني، تجمع فيه طلاب العلم الشرعي ومريدي الشيخ محمد الأمين ولد مدني، الذي اتخذ منها مقاما في العام 1489 فسميت على اسمه واد مدني، واستمر الأمر كذلك حتى نهاية الاحتلال البريطاني، حيث سرى عليها اسم ود مدني والتي تختصر أحيانا بمدني، وتسمى أيضا جزيرة الشيخ لجهة أن الشيخ مالك أبو روف الرفاعي- رجل دين آخر- عاش في القرن التاسع عشر، وكان لديه مريدون في وسط السودان ومناطق أخرى.
وعلى ضفاف النيل الأزرق الغربية، بارتفاع 409 أمتار فوق سطح البحر تقع مدينة ود مدني التي تتوسط السودان، وتربط عاصمته الخرطوم عبر شبكة من الطرق بأنحاء البلاد المختلفة.
وفي محيط قبة واد مدني بدأت تتشكل أحياء المدينة، والتي كان أولها حي المدنيين الذي تجمع فيه المريدون وسرعان ما تمددت وتكاثر سكانها، فأصبحت إلى جانب كونها مزارا دينيا، مركزا مزدهرا للصناعة والتجارة.
اشتهر أهلها تاريخيا، بصناعة المراكب والأسرة التقليدية «العناقريب» ودباغة الجلود، لاحقا شهد القطاع الصناعي تطورا كبيرا، حيث برزت مصانع الغزل والنسيج والصناعات الغذائية والكيميائية. كما ذاعت كمركز تجاري هام، حيث تربط العاصمة الخرطوم وميناء بورتسودان بأنحاء السودان المختلفة عبر شبكة من الطرق التي جعلتها وجهة للتجار والحرفيين.
وتلتقي عندها عدة طرق برية هامة، بداية بالطريق الذي يربطها بالعاصمة الخرطوم، الذي يبلغ طوله حوالي 184 كيلو مترا وصولا إلى الطريق الرئيسي الذي يربطها بشرق السودان، عبر مدينتي القضارف وكسلا وميناء سواكن إلى ميناء بورتسودان المطل على البحر الأحمر بمسافة قدرها حوالي 950 كيلو مترا والذي يعد من أهم وأطول الطرق في السودان.
وكذلك يمتد طريق آخر من مدني إلى مدينة سنار جنوبا بطول 110 كيلو مترات. فضلا عن شبكة الطرق التي تربطها بمدن ولاية الجزيرة الأخرى بما يشمل مدن المناقل ورفاعة والحصاحيصا الذي يعود مرة أخرى إلى الخرطوم.
مشروع الجزيرة
في العام 1900 اتخذ الاحتلال البريطاني مدني عاصمة لمديرية النيل الأزرق، قبل أن تصبح عاصمة لمديرية الجزيرة، حيث أنشئت خطوط السكة حديد ورئاسة الحكومة بالإضافة إلى مستشفى عسكري. بعدها في العام 1925 انطلق مشروع الجزيرة الذي يعد أكبر مشروع مروي في أفريقيا وأكبر مزرعة ذات إدارة موحدة في العالم، تتجاوز مساحته مليوني فدان.
وكان يمد مشروع الجزيرة المصانع البريطانية بالقطن الخام، خلال فترة الاحتلال. في الأثناء تصاعدت المقاومة الشعبية. وشارك مزارعو الجزيرة في الحراك الشعبي والاضرابات التي طالبت بحق تقرير مصير السودان.
في العام 1950 تم تأميم وسودنة مشروع الجزيرة الذي مثل ركيزة اقتصادية أساسية لنهوض السودان بعد استقلاله في العام 1956 لاحقا تمت توسعة المشروع ليشمل بالإضافة إلى القطن محاصيل القمح والذرة وزهرة عباد الشمس فضلا عن الخضروات والأعلاف، ما عزز الاستثمار في الصناعات الزراعية مثل الغزل والنسيج ومطاحن الغلال وصناعة الزيوت وتصنيع الأغذية والجلود والمعامل التي تعمل في خدمات التعبئة والتغليف.
مدينة الفن والثقافة
فضلا عن دورها الاقتصادي والسياسي البارز، ضجت ود مدني ثقافيا وفنيا لعقود، وخرج من رحمها العديد من النجوم الذين أثروا الساحة الفنية في البلاد، أبرزهم أستاذ الأغنية السودانية محمد الأمين الشهير ب«الباشكاتب» الذي جمعت أغانيه الأجيال المتعاقبة طوال ستة عقود غنى فيها للحب والثورة والوطن. وضاعف رحيله المفاجئ في 12 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مرارات الشعب السوداني المكلوم بالحرب. ومن نجوم ود مدني العتاة أيضا ابراهيم الكاشف والخير عثمان وعلي المساح وغيرهم من المبدعين.
بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف نيسان/ابريل الماضي، أصبحت ود مدني ملاذا آمنا لملايين النازحين الفارين من الحرب المندلعة في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى. كما انتقلت إليها المنظمات الإنسانية والمستشفيات والخدمات الطبية، التي تقدم الرعاية الصحية لمئات الآلاف من المرضى الذين نزحوا من مختلف ولايات السودان، بمن فيهم جرحى ومصابو الحرب والمرضى بأقسام العناية المركزة. لاحقا نقل العديد من المستثمرون ورجال الأعمال أعمالهم إلى هناك في ظل الحراك النشط الذي تشهده المدينة.
حريق الحرب
إلا أن حريق الحرب سرعان ما التهم ود مدني درة خاتم السودان، حيث أعلنت قوات الدعم السريع في 18 كانون الأول/ديسمبر سيطرتها على المدينة بعد أربعة أيام من المعارك المتواصلة على تخومها، وذلك بعد انسحاب مفاجئ لقوات الجيش.
وفي اليوم التالي أكد الجيش السوداني أن قواته انسحبت من المدينة وأنه يجري تحقيقا حول الأسباب والملابسات التي أدت إلى انسحاب قواته من مواقعها. بعدها تصاعدت نداءات الإستغاثة في ظل الأوضاع المأساوية التي تشهدها مدينة ود مدني التي تحولت إلى خراب بين ليلة وضحاها. بينما تواصل قوات الدعم السريع التوغل في مدن ولاية الجزيرة الأخرى.
وقالت لجان المقاومة إن قوات الجيش انسحبت بناء على تعليمات قيادتها، تاركة المدنيين في مواجهة قوات الدعم السريع التي اتهمتها بانتهاك الأعراض وقتل ونهب وترويع المدنيين.
وفيما نددت اللجان بانتهاكات قالت أنها طالت أعراض سكان مدينة ود مدني، في إشارة إلى حدوث إغتصابات وأحداث عنف جنسي، إلا أنها لم تعلن أي إحصاءات بالخصوص.
وحذرت نقابة الأطباء السودانيين من أن اتساع رقعة الحرب وتمددها إلى مدينة ود مدني يضع البلاد أمام واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في ظل الحرب الراهنة. ولفتت إلى أن مدينة ود مدني بعد اندلاع الحرب في الخرطوم ومدن أخرى أصبحت ملاذًا آمنًا لمرضى القلب والسرطان والكلى والحالات الطبية المستعصية، الذين يواجهون مصيراً مجهولاً بسبب إغلاق المستشفيات ونقص الدعم الصحي والموارد الطبية ونزوح الأطباء والكوادر الصحية الى خارج مدينة ود مدني.
ولفتت إلى أن أغلب المستشفيات أصبحت خاوية وغير قادرة على تقديم الخدمات الطبية اللازمة حيث تم احتلال مستشفى الجزيرة للطوارئ والإصابات وخرج عن الخدمة وأغلق مركز مدني لأمراض وجراحة القلب بعد أن أصبح مباشرة في مرمى نيران الاشتباكات العسكرية فضلا عن توقف الخدمة في باقي المستشفيات التخصصية. وأضافت: تزداد الأمور تعقيدا بإغلاق الصيدليات ونقل الأدوية التجارية خارج ود مدني.
وبينما فر سكان ود مدني والنازحون سيرا على الأقدام لساعات طويلة، في مشهد قاتم، نبهت نقابة الأطباء إلى أن السودان يشهد حركة واسعة النطاق للنازحين سعيا لمأوى آمن دون توفر أي شكل من أشكال الحماية والدعم الإنساني، والتي اعتبرتها الأمم المتحدة أكبر أزمة نزوح في العالم.
ووجهت عدد من المنظمات والمجموعات الحقوقية نداء عاجلاً لإنقاذ أطفال دار الأيتام (المايقوما) الذين تم ترحيلهم من الخرطوم إلى مدني. وأبدت خوفها من أنهم في مرمى النيران، حيث يوجد251 طفلاً و91 من الأمهات البديلات العاملات في الدار، جميعهم في وضع خطير ويحتاجون إلى مساعدة فورية. وكذلك توالت نداءات الإستغاثة من أجل إجلاء العشرات من فاقدي البصر العالقين في دارهم منذ تفجر الأوضاع في ود مدني وسط حالة من الهلع.
ونددت لجان المقاومة في ود مدني بعدم التزام الدعم السريع بتعهداتها الخاصة بعدم الإعتداء على المدنيين، متهمة إياها بالقيام بعمليات ترهيب ونهب وسلب المواطنين بالتركيز على (الذهب،المال، السيارات) مشيرة إلى أنه في حال عدم التعاون معهم يتم تهديد المواطنين بهتك الأعراض.
واستيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني التي تعد من أكبر المدن السودانية وأقربها إلى العاصمة الخرطوم، كما أنها منفذ هام للولايات شرق وجنوب السودان، يعني انتقال المعارك في السودان إلى مرحلة جديدة أكثر تعقيدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.