لم استغرب أبداً لبيان وزارة – خارجية البرهان وكيزانه- الأخير، فأنا شديد الإيمان بأن كل ما يصدر عنها شديد الانحطاط، كما وصف الناطق الرسمي باسم مفوضية الاتحاد الإفريقي؛ محمد الحسن ولد لبات؛ أحد بياناتها ذات مرة. وبيان الأمس الذي نحن بصدده لن يختلف عن السياق المُنحط الذي أصبح علامة مميزة لخارجية (علي كرتي)، فها هي توظف لغة شديدة البؤس والتسفُّل رداً على دعوة سكرتارية (إيغاد) بحضور القمة الطارئة رقم (42) لمجلس رؤساء وحكومات ودول الهيئة في 18 يناير الجاري، وحيث إن من ضمن أجندته وضع حد للحرب السودانية، دعت الهيئة طرفيها لحضور القمة المنعقدة في أوغندا، فأزبدت الخارجية الكيزانية وأخرجت (عفونتها) للجميع، كما جرت العادة. وأصدرت بيان أقل ما يمكن وصفه به، هي العبارة الكلاسيكية (لا يساوي الحبر الذي كُتب به)، حيث وصف دعوة (ايغاد) لقائد قوات الدعم السريع بحضور القمة من أجل وقف الحرب ببلادنا، بأنه استخفاف بالغ بضحايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعنف الجنسي وكل الفظائع التي تمارسها ما سمتها (عصابات الجنجويد) في أنحاء مختلفة من البلاد. لكن إذا سلمنا جدلاً بصحة هذه التسمية وهذه الانتهاكات، فهل هذه الخارجية البائسة تعتقد أن أقوالها هذه ستؤثر على المحيطين الإقليمي والدولي؟! وهذه اللغة غير صالحة للاستخدام خارجياً، ولا تهز شعرة منه، فالخارج يعتمد في تقييمه على أمور قانونية ودستورية، أولها إن الطرف الثاني في الحرب الدائرة الآن اسمه الرسمي (قوات الدعم السريع) وثانيها أن هذه القوات ليست متمردة (ليست حركة مسلحة) وإنما جزء من الجيش، أسسها هو ومولها ودربها وابتعث إليها الضباط وقننها بقوانين أجازها برلمانهم واختار الجيش قائد هذه القوات نائباً لرئيس مجلس السيادة الذي هو قائد الجيش، وبعث بجزء منها إلى اليمن وخوّلها لعقد اتفاقية دولية مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وهذه كلها أدلة قاطعة بأن الدعم السريع ليست مليشيا ولا عصابة ولا جنجويد – بالنسبة للمنظومات الأقليمية والدولية – التي لا تنظر في تقيمها لمثل هذه الأمور بعاطفة جياشة، وإنما مرجعيتها هي القوانين والدساتير (مش لعب). الأمر المرجعي الأخير أو الثانوي لمثل هذه الجهات في تقييم قوات الدعم السريع، هو تصريحات قادة الجيش أنفسهم وتقييمهم لهذه القوات، وبالطبع تعلمون ونعلم جميعنا بأن لديهم تصريحات ما قال بمثلها المتنبئ في مدحه لسيف الدولة الحمداني، فقد ظل البرهان والكباشي والحسين وغيرهم من قادة الجيش، يكيلون من الثناء والمديح للدعم السريع وقائدها حتى قبل أيام معدودة من اشتعال الحرب، ومقاطع الفيديو هذه موجودة لدى (إيغاد) كما أن قانون الدعم السريع وقرار (برلمانهم) بإجازة قانونها بالإجماع وجعلها قوات رسمية موجود لديهم أيضاً، هذه هي مرجعياتهم أيها الأغبياء! إذاً فالحرب تدور بين فصائل في القوات المسلحة، لا تفضيل لفصيل على الآخر بالنسبة للعالم الخارجي، صحيح قد تدعم بعض الدول هذا أو ذاك، لكن ذلك لن يغيِّر في الأمر شيئاً. قال البيان التافه والمنحط، إن (ايغاد) منحت (المليشيا) الشرعية بدعوتها للاجتماع، فيما لم يصدر عن ذات الخارجية الكيزانية بياناً مماثلاً يتهم فيه الولاياتالمتحدة والسعودية بذات التهمة، حيث قدمتا الدعوة إلى نفس (المليشيا) كما يسمونها، إلى منبر جدة، والتقت بوفد الجيش وعقدت معه اتفاقاً قبل أن تتنصل عنه قيادة الجيش، أم تلك كانت (مليشيا) أخرى غير الدعم السريع؟! أم أن خارجيتنا تخشى واشنطن والرياض و(تتفولح) على دول الجوار الأفريقية – يا للنذالة والخسّة والجبن. في المقابل، رحب قائد قوات الدعم السريع بالدعوة اتساقاً مع موقفه الثابت والراسخ بالدعوة للحل السلمي الشامل التزاماً منه بوضع حد نهائي لمعاناة السودانيين، وهكذا يوجه (حميدتي) ضربة دبلوماسية قاضية لخارجية الكيزان، مثلما وجه لفولهم ضربات موجعة على أرض المعركة، فينتصر مرتين. وكان واضحاً لي منذ البداية، أن قائد الجيش لا يمتلك الإرادة الكافية لإيقاف الحرب عبر حلول تفاوضية، ليس لأن الرجل مأخوذٌ من عنقه وتلابيبه من قبل (الكيزان) وإن كان ذلك صحيحاً، لكن أيضاً لأن الخوار والتردد والجبن من سماته وصفاته الشخصية الراسخة. والرجل هرع إلى جيبوتي وكينيا وإثيوبيا، معتذراً ومتوسلاً، بأنه يريد العودة إلى (إيغاد) والتوصل إلى اتفاق يوقف به الحرب ويحقن الدماء، فعل ذلك بينما كان منبر جده قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار، بعد أن خلُص إلى تفاهمات حول إجراءات بناء الثقة بين الطرفين المتحاربين، حتى إذا وافق له إخوته الأفارقة وعقدوا له القمم تهرب منها كعادته، ليصبح واضحًا ان دعوته للحل الافريقي لم تكن سوى حيلة للهروب من منبر جدة وما توصل إليه! ويصبح واضحًا أيضًا للكل من يريد الحرب ومن يريد السلام.