لن يكون ذا معنى الحديث عن مدى شرعية أهم مؤسسات الدولة السودانية، أعني ما يسمونه (مجلس السيادة)، فهو على أية حال جسم اعتباري له وجود افتراضي و هنالك من يتحدث باسمه و هنالك من يسمي نفسه (و يسميه آخرون أيضا) رئيس مجلس السيادة!! و لكن هذا الكيان الافتراضي المعبر عن الدولة السودانية هو الآن يعبر في الحقيقة عن (اللا دولة) بكل ما يحتشد في هذا المصطلح من معنى بائس.. لو أن (شعبا مجنونا) قرر أن ينتخب مجلس سيادة لدولته من بين نزلاء مستشفى للأمراض النفسية، فإنني ما كنت لأتوقع تصريحات أكثر جنونا من التصريحات التي تنسبها بعض المؤسسات الإعلامية الدولية و الإقليمية، التي لا يمكن أن تتواطأ على الكذب، إلى مجلس السيادة السوداني، و التي يؤكد سكوت هذا المجلس المشكوك في وجوده، صحة نسبة ذلك الجنون إليه.. فهذا المجلس الذي يصرح لقناة الحدث الإخبارية بالنص: (نرحب بكافة المبادرات و الجهود الإقليمية للوصول إلى سلام شامل) هو ذاته الذي يقدم تصريحا مناقضا لذات القناة، خلال أيام قلائل بالنص القائل: (مشكلة السودان يجب أن تحل بواسطة السودانيين بعيدا عن التدخلات الخارجية)!!!... و دعنا الآن نفترض أن أحد التصريحين فقط كان مقصودا، و أن التصريح الآخر قاله المجلس دون وعي منه!!.. لنفرض أن المقصود كان التصريح الأول المرحب بالمبادرات الإقليمية ؛ لقد أكد ذات المجلس رفضه مبادرة جدة بعد أن وقع في فخ الموافقة على إعادة المجرمين الفارين من السجون إلى سجونهم، قبل أن ينتبه إلى أن أولئك المجرمين المطلوب القبض عليهم هم (مخدموه و أولياء نعمته) و أن اعتقالهم يعني إنهاء الحرب و إنهاء وجود المجلس نفسه!!!.. ثم إن هذا المجلس الذي (يرحب بالجهود الإقليمية) و بعد أن أدار ظهره لمبادرة جدة هرول رئيسه حافيا يتسول منظومة الإيقاد أن تبذل مبادرة كريمة منها لإنهاء الحرب، و حين تفضلت الإيقاد مشكورة بما طلب، و أبدى ترحيبه و موافقته على نصوص مبادرتها، عاد إلى المجرمين الذين أطلقهم من السجون فأمروه بابتلاع موافقته و شتم الإيقاد، ففعل صاغرا !!.. إذن، يبدو أن التصريح الأول لمجلس السيادة، المرحب بالمبادرات الإقليمية، لم يكن هو المقصود.. بل المقصود هو التصريح الآخر الذي يحظر على غير السودانيين التطفل على مشكلات السودان.. و عليه فإن جهود منظومة الأحزاب السودانية (تقدم) بقيادة الدكتور عبدالله حمدوك و عدد من الرموز السياسية السودانية، توافق تمامآ تصريح مجلس السيادة الرامي إلى حل مشكلة السودان بجهود سودانية.. فماذا حدث ؟؟.. طلبت (تقدم) لقاء رئيس مجلس السيادة "الافتراضي" و قائد قوات الدعم السريع لأجل بحث سبل إيقاف الحرب.. رفض رئيس المجلس و وافق قائد الدعم السريع.. فكان تعليق مجلس السيادة الباحث عن جهود سودانية خالصة لحل المشكلة هو تخوين د.حمدوك و من معه و اتهامهم تارة بأنهم (حاضنة سياسية للدعم السريع) و تارة أخرى بأنهم (عملاء سفارات) و دليل عمالتهم أنهم يحملون جوازات سفر أجنبية!!!.. إذن: التصريحان المتناقضان الصادران عما يسمي نفسه "مجلس السيادة السوداني" لا يعبران إلا عن حالة جنون دولي، و لا يمكن أن يصدرا إلا عن معتوه لا يعي ما يقول!!!.. هل توجد مؤسسة يمكنها التعبير عن وجود (دولة) في هذا البلد ؟؟؟..