يتبين من المعنى اللغوي لجريمة الاغتصاب «أنها تقوم على فعل السلب بالقوة ، أو بغير إرادة المسلوب منه ، فالاغتصاب لغة يعنى السلب وهو أخذ الشيء بدون علم صاحبه أو إرادته ، واصطلاحاً : يعني مواقعة أنثى بغير رضائها ، أي اتصال رجل بامرأة اتصالاً جنسياً كاملاً دون رضاء صحيح منها بذلك» ، وهذه الجريمة التي لا يرتكبها إلا من تفاقم شره ، واستطار أذاه يعد انعدام الرضاء هو جوهر الجريمة التي لا تنشأ إلا به فى القوانين الوضعية «وذلك مرده إلى أن محل الحماية الجنائية فى جريمة الاغتصاب هو حرية المرأة الجنسية ، ولا يتصور الاعتداء على هذه الحرية ، إلا إذا كان فعل الوقاع قد حصل دون رضاء المرأة ، فإذا حصل الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة الراشدة برضاء هذه الأخيرة، فإن الفعل لا يشكل جريمة اغتصاب ، ولكنه قد يشكل جنحة الزنا ، أو جنحة ارتكاب فعل منافٍ للحياء إذا كان الوقاع قد حصل علانية». ولعل الحقيقة التي لا يرقى إليها شك ، والواقع الذي لا تسومه مبالغة ، أن هناك بوناً شاسعاً بين نظرة الشريعة لجريمة الاغتصاب والقانون الوضعي ، فالشريعة تعتبر كل وطءٍ نجم عن علاقة غير شرعية فهو زنا محض ، وتعاقب عليه دون أن تعول على رضاء الطرفين ، فإذا أقدم العاجز على مغالبة نفسه ، ومجاهدة هواه ، لقهر امرأة ومواقعتها دون رضائها أو برضائها ، فالعقوبة التى تطوله واحدة فى كلا الفعلين ، وهى الجلد للبكر الذى لم يسبق له الزواج ، والرجم للمحصن ، فالشريعة الإسلامية تتسم نظرتها للجريمة بالشمول «فكل اتصال جنسي يتم بين ذكر وأنثى متزوج وغير متزوج، يعتبر فى نظر الشريعة إثماً كبيراً ، ويدخل ضمن جرائم الحدود، بينما تتسم نظرة القانون الوضعى بالتخصيص ، فإن ارتكب الاتصال الجنسي برضاء الطرفين ، وتوافرت فى إحداهما سواء الرجل أو المرأة صفة الزوج ، كان ذلك فى نظر القانون الوضعي زناً يعاقب عليه بعقوبة الجنحة ، فإن كان هذا الاتصال الجنسى بدون رضاء المرأة وكرهاً عنها ، سواء أكانت متزوجة أو غير متزوجة ، وسواء أكان من واقعها متزوجاً أو غير متزوج ، فإن الجريمة تسمى الاغتصاب أو مواقعة أنثى بغير رضائها». فالقوانين الوضعية لا تعتبر كل فعل محرم زنا ، وأغلبها كما رأينا يعاقب على الزنا الذى يبدر من الأزواج ، ونجد أن القانون المصرى يعاقب على الوقاع فى حالة الاغتصاب، ولكن إذا تم هذا الفعل المشين الذى استهجنته كل الشرائع السماوية ، والفطر السليمة التى تستنكف عن فعله ومواتاته بالتراضى ، «فلا عقاب ما لم يكن الرضاء معيباً ، ويعتبر القانون المصرى الرضاء معيباً ، إذا لم يبلغ المفعول به ثمانية عشر كاملة ، ولو وقعت بناءً على طلبه هو فإن بلغها اعتبر رضاؤه صحيحاً ، والعقوبة فى حالة الرضاء المعيب بسيطة ، لأن الفعل يعتبر جنحة ولا يتعدى الغرامة المالية»، وليس الأمر مقصوراً على القانون المصري بل يتعداه إلى معظم البلدان الإسلامية والعربية. [email protected]