للنخب السودانية مكنزمات دفاع لا تقل في وصفها بأن تجعل من المثقف السوداني كالسلحفاة بدرقتها تستطيع أن تحمي نفسها بالإنكفاء على نفسها و الإنكفاء على النفس له إنعكاسات سلبية كبيرة على أقل تقدير تمنع الإنفتاح على أفق تطور البشرية و الإستفادة من ظاهرة المجتمع البشري في مجابهته للمصاعب التي تواجهه و كيفية تنظيم إجزاءه الى أن وصل لمفاهيم تكاد تكون مشتركة يجابه بها ظاهرة مجتمع بشري في أي مكان و أي زمان و بالتالي أصبحت معادلة الحرية و العدالة هي إيقاع ينظم صراع الفرد مع مجتمعه و عليه تكون مسيرتها بحث عن نقطة التوازن. إنكفاء النخب السودانية على أنفسهم يتجسد في إرتكازهم على نقاط ضعف إلا أنها أقرب للعقل الجمعي الكاسد و نسبة لغياب الشخصيات التاريخية و هي التي تتحدى تاريخ الخوف و تفتح باب تاريخ الذهنيات و تستطيع أن تحدث قطيعة مع التراث مثلما حدث نتيجة لفكرة الإصلاح الديني و لذلك يعتبر مارتن لوثر شخصية تاريخية. طريقة تفكيره جعلته يفارق مزاج مجتمع تقليدي و يفتح طريق جديد و يؤسس للقطيعة مع التراث و لحسن حظه أي مارتن لوثر كانت رغبة البرجوازية الصغيرة في زمنه صادفت بأنها تريد أن تنفك من التراث القديم وهذا ما جعل مسيرة الإصلاح الديني في زمن مارتن لوثر يبدأ مسيرته الى أن وصل الى التحول في المفاهيم فيما يتعلق اليوم بفكرة الدولة وفكرة ممارسة السلطة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية. وحتى نربط ما ذكرته أي التطور الذي حدث منذ الإصلاح الديني وكيف بذر بذور النزعة الإنسانية أي ثقة الإنسان في مقدرات عقله البشري والإبتعاد عن فكرة دولة الإرادة الإلهية وهنا نقطة ضعف النخب السودانية وفي نفس الوقت مهارتها في الإحتفاظ بنقطة الضعف هذه أي أن النخب السودانية بمجرد أن تطلب منها أن تنزع نزعة إنسانية نتج عنها مجد العقلانية وإبداع العقل البشري ومجابهته للمشكل الذي يواجه الإنسان في ظاهرة المجتمع البشري وفقا لقدرته كعقل بشري سرعان ما تتجه بكل نشاط وسرعة وأقصد النخب السودانية الى درعها أي درقة السلحفاة لا لكي تحارب بل لكي تنكفي على نفسها متعللة بأن تاريخ أوروبا تاريخ خاص بها ولا ينطبق على تاريخنا الخاص بنا متناسين أن تاريخ أوروبا قد أصبح مختصر تاريخ الإنسانية أي قد أصبح ممر إلزامي وها هي الصين تلحق بتاريخ أوروبا ويستوعب رئيسها عام 1978م بأن نمط الإنتاج الرأسمالي هو أسرع إنقاذ لحالة الصين. ويقال أنه في شبابه كان من ضمن وفد قد ذهب الى فرنسا وعندما سأله والده عشية مغادرته الى فرنسا ماذا تريد من ذهابك لفرنسا فكانت إجابته لكي نتعلم الحكمة والمعرفة من أجل إنقاذ الصين وقبله فعلت النمور الأسيوية مستفيدة من فكرة الإقتصاد والمجتمع المستفادة من تطور الفكر الاوروبي. إنكفاء النخب السودانية على نفسها جعلها متأخرة فكريا بنصف قرن من الزمن و بالتالي عجز ميزان فكر النخب السودانية ظاهر في أنها قد أصبحت لاحقة للأحداث خلال القرن الأخير. عندما نقول نخب سودانية لاحقة للأحداث خلال قرن يمكن أن نقول قد بدأ مع ضعف إدراك النخب السودانية بسبب منهج ضعيف نالوا عبره تعليم يؤهلهم لوظائف دنيا أيام الإستعمار و لم يؤهلهم لتحليل ظاهرة المجتمع البشري كما نجده في فكر ماكس فيبر وفكرة عقلانية الرأسمالية ودوره في توازن المجتمع عبر الإقتصاد وفكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد وعليه تصبح فكرة الدولة ومواثيق حقوق الإنسان نهاية واضحة للفكر الديني وهذا ما عجز عن إدراكه عقل النخب السودانية خلال القرن الأخير أي قبل قيام مؤتمر الخريجيين بأكثر من عقد من الزمن. في حقبة مؤتمر الخريجيين لم تكن النخب السودانية أحسن حال فكري مما سبقهم لأنهم أيضا كانوا لاحقيين للأحداث. مثلا لم يدرك أتباع مؤتمر الخريجيين بأن حقبتهم كانت لحظة إضطراب فكري وأرجحة بين نهاية ليبرالية تقليدية وبداية ليبرالية حديثة إحتاجت الى فلسفة تاريخ حديثة ما زالت حلقة مفقودة في الفكر السوداني الى اليوم مثل الحلقة المفقودة لدارون وهذه الحلقة المفقودة وسط الفكر السوداني تظهر في تخبط النخب السودانية في كتاباتهم وضعفها على صعيدي الفلسفة السياسية والفلسفة الإقتصادية. نلمسه في إعتقاد أغلب النخب السودانية في الإشتراكية حتى غير أتباع اليسار السوداني وهذا سببه ضعفهم في إدراك فلسفة التاريخ الحديثة ومعادلة الحرية والعدالة وفيها قد أصبح الفكر الليبرالي الديمقراطي أقرب الطرق لإزدهار المجتمعات الحديثة إقتصاديا وأقربها الى توسيع الطبقة الوسطى وتوسيع دائرة الإزدهار المادي. و لكن على العكس نجد أن أغلب النخب السودانية أقرب الى تصديق فكرة نهاية التاريخ ونهاية الصراع الطبقي كفكرة لاهوتية سببها أن العقل السوداني لا يعرف غير مرتع الفكر اللاهوتي الديني وبالتالي أقرب لتصديق الفكر المطلق سواء في الفكر الديني الإسلامي أو في فكر الشيوعية كدين بشري وأبعد عن إدراك النسبي والعقلاني وبالتالي نجد الفكر السوداني مطمئن للوثوقيات والحتميات ومحاط بالخوف من النقد والشك وهذا يجعل أغلب النخب السودانية ترجع الى درقة السلحفاة وبأننا لنا تاريخنا الخاص بنا ولا يستوعب المثقف التقليدي السوداني لماذا إستوعبت الصين أهمية نمط الإنتاج الرأسمالي ولقّحت به إقتصادها وفتح على إزدهار الصين الإقتصادي الآن. بعد إنهيار مؤتمر الخريجيين قامت الأحزاب السودانية من أقصاء يسارها الرث الى أقصى يمينها الغائص في وحل الفكر الديني وأيضا كانت لاحقة للأحداث. قيام الأحزاب السودانية تزامن مع نهاية الحرب العالمية الثانية وأغلب أتباعها أي أتباع المرشد والامام والختم في سياجاتهم الدوغمائية وهي أبعد ما تكون عن مفهوم الدولة كمفهوم حديث علاقة الفرد فيها بالدولة مباشرة ومنتصرة للعقل والفرد والحرية والفرد فيها متوشح بفكر عقل الأنوار ولا يرضى أن يفكر بدلا عنه الامام ولا يفكر بدلا عنه المرشد أو الختم وكذلك لا تفكر بدلا عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ولهذا الى اللحظة نجد أحزابنا السودانية لاحقة للاحداث ولم تستوعب التحول في المفاهيم بعد إنتشار أفكار فلسفة التاريخ الحديثة نتاج سؤال ما التنوير؟ . في الإستقلال 1956م جاءت النخب السودانية بنفس عجز ميزان مدفوعاتها الفكري لكي تجابه ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة وظهر عجز ميزان مدفوعاتها الفكري في أنها الى الآن يتحدثون عن دولة ما بعد الإستعمار بفكر نخب لم يشغلهم غير عقل الهووي الصاخب وبالتالي ساد فكر الهويات وغاب فكر الحريات الى اليوم في وقت في العالم المتقدم يعالج مشاكل مجتمع ما بعد الثورة الصناعية وليس مجتمع ما بعد الإستعمار وبه تعلل النخب السودانية ضعفها الفكري بأنها ضحية إقتصاد التبعية وكله تبرير للعجز وترسيخ لعجز ريادات وطنية غير واعية. وبالمناسبة من أكبر معوقات التنمية الإقتصادية والإجتماعية سيطرة الريادات الوطنية غير الواعية على دفة الأمور ولا ينتج عنها إلا فكر يسد كل منافذ الخروج من الأزمات كطرح الحزب الشيوعي السوداني اليوم أي التغيير الجذري وحقيقة يوضح طرحهم أوهام المثقف التراجيدي كما تحدث عنه عالم الإجتماع التونسي الطاهر لبيب بأن المثقف التراجيدي يطرح فكرة هو ذاته نفسه يدرك إستحالة إنزالها على أرض الواقع ومن أراد التحقق عليه أن يتمعن في طرح الشيوعي السوداني ومحاولة إعطاء نفسه الشرعية للقيادة بسبب سجون أتباعه او قتل قياداته في محاولاتهم الإنقلابية الفاشلة أو نزولهم تحت الأرض أو تشريدهم في المنافي. المهم في الأمر الحرب العبثية الآن بين الجيش الكيزاني وصنيعته الدعم السريع كأداة موت وطرح الشيوعي السوداني التعجيزي في تغييره الجذري ولا مبالاته بعذابات السودانيين كلها مؤشرات تدل على أن المجتمع السوداني القديم وفكره في طريقه للإندثار وقد تطول معاناة الشعب السوداني أو تقصر أي قد تطول أزمنة الحرب أو تقصر ولكن كلها لا تفتح إلا على شئ واحد بعد المعناة ودفع الدم والعرق والدموع أن لا حل غير عقلنة الفكر وعلمنة المجتمع وهذا يفتح باب نهاية وثوقيات وحتميات النخب السودانية في نومها العميق في سياجاتها الدوغمائية سواء كانت في يسار الفكر السوداني الرث أو يمينه الغارق في وحل الفكر الديني. كما ذكرت في عنوان المقال أن النخب السودانية متأخرة بنصف قرن ونوضحه لك أيها القارئ عندما أيقنت الصين عام 1978م من نمط الإنتاج الرأسمالي وأدخلته لإنعاش إقتصادها كان العالم يعيش آخر خيوط أشعة ديناميكية الكينزية وكانت أفكار النيوليبرالية على الأبواب بسبب إنتخاب تاتشر وريغان أما في العالم العربي والإسلامي التقليدي فكان هناك إستعداد لإستقبال الخمينية وكانت الطامة الكبرى ولا تذكّر إلا بذكرى تأسيس جماعة الأخوان المسلميين عام 1929م أيام الكساد الإقتصادي العظيم ولك أن تتخيل كيف يفكر العالم المتقدم في التغيير الذي يفضي الى الإزدهار المادي؟ والعالم العربي والإسلامي يفكر في دولة الإرادة الإلهية وما بين قيام وتأسيس جماعة الأخوان المسلميين والخمينية نصف قرن بالتمام والكمال. المضحك لو قارنا تأخر الشيوعي السوداني عن الصين في فهمها لأهمية نمط الإنتاج الرأسمالي وإصرار الشيوعي السوداني على شيوعية تقليدية لا يتبعها إلا شيوعيي العالم الثالث تجد من يقول لك أن الحزب الشيوعي السوداني حزب له تجربة سياسية وعليه يستحق أن يترك في إيمانه بنسخته المتكلسة لا لسبب إلا لأنه له تاريخ سياسي أفقده قياداته سواء بالقتل او النزول تحت الارض أو السجون أو تشريدهم في المنافي ونحن نقول لهم كانت الكنيسة حاكمة لأوروبا لالف عام هل تترك لترجع من جديد بحروبها الطائفية؟ لذلك لا يترك الحزب الشيوعي السوداني على هواه حتى لا يورطنا في شمولية بغيضة. لذلك أن السجون والتشريد والنزول تحت الارض والقتل لقيادات الحزب الشيوعي السوداني لا تعطيه شرعية قيادة الشعب السوداني لأنه أي الحزب الشيوعي السوداني نائم نوم عميق في سياجاته الدوغمائية وكالسائر في نومه بتوهمه أنه قد دفع فاتورة التضحية وما على الشعب إلا الإنصياع للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني لتفكر بدلا عنه ويأتي السؤال ما الفرق بين تفكير اللجنة المركزية للحزب الشوعي السوداني بدلا عن الشعب وبين تفكير الفقية الولي بدلا عن الامة؟ ومن هنا يجب الحذر من الاحزاب التي لا تنتج غير نظم شمولية وما أبغض الشيوعية كنظام شمولي لا تقل بشاعته عن النازية والفاشية ولمن يريد المزيد عن شمولية الشيوعية والنازية والفاشية عليه بقراءة كتب حنا أرنت. [email protected]