في مدينة حلفا الجديدة ، تكتمل فصول مأساة إنسانية مروعة ، حكايةٌ تشيب لها الرضع وتبكي الصخر ، فعامر خالد الصديق العجب ، وعامر الزبير الصديق العجب ، وشاب آخر برفقتهم ثلاثة شبان في ريعان شبابهم ، أبرياء لم يرتكبوا ذنباً سوى أنهم كانوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ ، حيث كانوا في طريقهم إلى قرية 65 ، يحملون الأضاحي ويجهزون لحفل خطوبة ، تاركين خلفهم ضجيج الحرب الدائرة رحاها في البلاد ، ولكن يد الغدر امتدت إليهم ، يدٌ لا تعرف الرحمة ولا تميز بين بريء وذنب يدٌ مستنفري السلطة تطلق العنان لرصاصات الموت دون سابق إنذار ، حيث أمطرت سيارتهم بوابل من الرصاص ، لتصمت ضحكاتهم وتُزهق أرواحهم ، تاركين وراءهم عائلة مفجوعة وأصدقاء حزانى ، فلم يكتفِ المستنفرون بجريمتهم ، بل منعوا حتى تقديم الإسعافات للضحايا، تاركينهم ينزفون على قارعة الطريق ، وبعد ساعات من توسلات الأهالي ، وصلت الشرطة ، لتبدأ تحقيقاتها في واقعة مروعة هزت أرجاء حلفا الجديدة لكن سرعان ما تحولت الجريمة إلى صراع على السلطة ، ف (ع.ع) قائد المستنفرين في المنطقة ، يرفض تسليم المتهمين ، مدعياً أنهم حرامية ومهربين ، ويستغل (ع.ع) نفوذه وسلطته ، ليهدد ويرعد ، رافضاً المثول للعدالة ، معتمداً على كونه كوزاً كما يصفه الأهالي، ومع تصاعد حدة التوتر ، يخشى الجميع من انزلاق المنطقة إلى هاوية الفتنة القبلية ، خاصةً مع انتشار السلاح بين أيدي المستنفرين، وتُناشد عائلة الضحايا بتحقيق العدالة ، رافضةً الانزلاق في متاهات الثأر والانتقام ، لكن صبرهم سينفد ، فالألم يزداد يوماً بعد يوم ، والعدالة تراوح مكانها ، إن حكاية حلفا الجديدة ، حكايةٌ مأساوية تُجسّد فوضى الحرب وصراعها على السلطة، حكايةٌ تُنذر بانفجارٍ قد لا تحمد عقباه ، فهل ستُسمع صرخة عائلة الضحايا؟ هل ستنتصر العدالة على الغدر والظلم؟ تلك أسئلةٌ تبحث عن إجاباتٍ وسط أجواءٍ مشحونةٍ بالخوف والتوتر ، وأملٌ يقاوم اليأس في قلوب عائلة الضحايا ، فهل ستُكتب النهاية لهذه المأساة ، أم ستبقى حكاية حلفا الجديدة جرحاً غائراً في جسد الوطن؟ إنّ مسؤولية إنقاذ حلفا الجديدة من براثن الفتنة تقع على عاتق الجميع ، من حكومةٍ وقوى أمنٍ وفعالياتٍ مجتمعية، لتعود السكينة إلى هذه الأرض ، وتُنشر العدالة ، وتُحاسب كل نفسٍ عن جرمها .. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي:- من بورتسودان ، عاصمة السودان الجديدة (المنقولة من النحر إلى البهر!!) وصلتني رسالة من زميل عبر الواتساب تحمل خبراً غريباً ، أرسل لي زميلي نصّ القرار الرئاسي رقم (43) الصادر في 21 أبريل 2024م ، والذي قضى بمنح "وسام الكرامة" لضباط القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى ، و"نوط الكرامة" لضباط الصف والجنود ، وذلك تقديراً لمشاركتهم في "معركة الكرامة"، فلم أتمالك نفسي من الدهشة ، وسرعان ما رددت على زميلي عبر الواتساب: "أتعرف يا صديقي السبب الذي جعل الإسلاميين يتهافتون على حمل السلاح في حرب عبثية كهذه؟ الخاسر الوحيد فيها هو السودان!" وأردفت: "ومتى كان المجاهدون يكافؤون إن كانوا مجاهدين حقاً؟ فالمجاهد ينتظر الثواب من الله فقط في الآخرة ، أما ما يحدث فهو مجرد أطماع دنيوية ، ووصمة عار على نظام الإنقاذ البائد الذي كان يمجد الجهاد من أجل الغنائم فقط ، لا من أجل الشهادة"، وتذكرتُ كيف كان نظام الإنقاذ يكافئ أتباعه بعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، وكيف كان يتم تفضيلهم على بقية الشعب في مختلف المجالات ، حتى في القبول بالجامعات السودانية ، ولم أنسَ أيضاً عصابة "كتيبة البراء وأخواتها" التي حملت السلاح بزعم مساعدة القوات المسلحة للقضاء على عصابة الدعم السريع المتمردة ، لكنها انتهت إلى سرقة ممتلكات المواطنين ونهب منازلهم باسم "الغنائم"، وإذ ذا البرهان يكافئهم اليوم بأوسمة! والحرب لا زالت مستمرة!؟ صراحة أُصيبتُ بالغضب والحزن في آن واحد ، فالسودان يعاني من ويلات الحرب بينما يكافئ قادتهُ من يُساهم في تدميرها ، فمتى سينتهي هذا الجنون؟ متى سيتعلم السودانيون أن قيمة الإنسان لا تُقاس بالأوسمة والرتب ، بل بأفعاله ونواياه؟ وأتمنى من كل قلبي أن ينعم السودان يوماً ما بالسلام والأمان ، وأن تنتهي هذه الحقبة المظلمة من تاريخه.. #اوقفوا – الحرب #Stop-The-War وعلى قول جدتي:- "دقي يا مزيكا !!". خروج:- قصةٌ عن صراعِ أفكارٍ في معرضِ تونسَ الدوليِّ للكتاب، ففي أروقةِ معرضِ تونسَ الدوليِّ للكتاب ، حيثُ تتلاقى الأفكارُ وتتشابكُ ، حدثتْ واقعةٌ أثارتْ جدلاً واسعاً ، ففي إحدى أركانِ المعرضِ ، وُجدَ جناحٌ تابعٌ لصندوقِ الأممِالمتحدةِ للسكانِ يعرضُ كتيباتٍ إرشاديةً للآباءِ والأمهاتِ حولَ كيفيةِ الإجابةِ على أسئلةِ أطفالهمِ المتعلقةِ بالحياةِ الجنسيةِ ، بما في ذلكَ العلاقاتُ المثليةُ ، لكن ، لم تُلقِ هذهِ الكتيباتُ قبولاً لدى بعضِ الزوارِ ، ممّا دفعَ إدارةَ المعرضِ إلى سحبها من الجناحِ بعدَ مُناقشاتٍ حادةٍ، فعبّرَ مديرُ المعرضِ عن إحراجهِ من محتوىِ هذهِ المنشوراتِ ، مشيراً إلى أنّها تُخالفُ قيمَ المجتمعِ وتُشجّعُ على سلوكياتٍ لا تتوافقُ معَ العاداتِ والتقاليدِ ، ففي المقابل، اعتبرَ بعضُ الناشطينَ في مجالِ حقوقِ الإنسانِ أنّ سحبَ الكتيباتِ يُمثّلُ انتهاكاً لحريةِ التعبيرِ وأنّ من حقّ الأفرادِ الحصولَ على المعلوماتِ الصحيحةِ حولَ جميعِ جوانبِ الحياةِ ، بما في ذلكَ الحياةُ الجنسيةُ، كما أثارتْ هذهِ الواقعةُ نقاشاً مُستفيضاً حولَ قضاياٍ شائكةٍ مثلَ حريةِ التعبيرِ ، والحقوقِ الجنسيةِ ، ودورِ المجتمعِ في تربيةِ الأبناءِ ، ففي خضمّ هذا الصراعِ بينَ الأفكارِ ، اقدم لكم قصةٌ إنسانيةٌ مؤثرةٌ "متخيلة" وهي: أمٌ حائرةٌ تقفُ في حيرةٍ أمامَ ابنها الذي يُطرحُ عليها أسئلةً مُحرجةً حولَ الحياةِ الجنسيةِ ، تشعرُ الأمُّ بالارتباكِ ، فهي لا تعرفُ كيف تُجيبُ على أسئلةِ ابنها، ولا تريدُ أن تُخطئَ في تربيتهِ ، فتبحثُ الأمُّ عن مصدرٍ يُساعدُها على إيجادِ الإجاباتِ الصحيحةِ ، فتُصادفُ كتيباتِ صندوقِ الأممِالمتحدةِ للسكانِ ، تقرأُ الأمُّ المعلوماتَ المُقدّمةَ في الكتيباتِ ، وتُدركُ أنّها تُوفّرُ لها إرشاداتٍ قيّمةً تُساعدُها على توجيهِ ابنها وتوعيتهِ بطريقةٍ سليمةٍ ، لكنّ الأمَّ تُفاجأُ بسحبِ الكتيباتِ من المعرضِ ، وتشعرُ بخيبةِ الأملِ لأنّها فقدتْ مصدرَ المعلوماتِ الذي اعتمدتْ عليهِ ، فتُدركُ الأمُّ أنّها بحاجةٍ إلى إيجادِ حلٍّ آخرَ لمساعدةِ ابنها ، وتُقرّرُ الأمُّ البحثَ عن مصادرَ أخرى للمعلوماتِ ، مثلَ كتبِ التربيةِ الجنسيةِ أو مواقعِ الإنترنتِ الموثوقةِ ، كما تُقرّرُ التحدثَ معَ أخصائيٍّ في علمِ النفسِ للأطفالِ للحصولِ على إرشاداتٍ متخصّصةٍ وفي نهايةِ المطافِ، تُدركُ الأمُّ أنّها مسؤولةٌ عن تربيةِ ابنها وتوجيههِ ، وأنّ عليها البحثَ عن أفضلِ الطرقِ للقيامِ بذلكَ ، فتُدركُ الأمُّ أيضاً أنّها ليستْ وحدها في هذهِ المهمّةِ ، وأنّ هناكَ العديدَ من المواردِ المتاحةِ لمساعدتها ، لتبقى هذهِ القصةُ مثالاً على صراعِ الأفكارِ في المجتمعِ، وتُسلّطُ الضوءَ على أهميةِ الحوارِ والنقاشِ البنّاءِ للوصولِ إلى حلولٍ تُرضي جميعَ الأطراف .. ولن أزيد،، والسلام ختام. [email protected]