عندما يبدأ المزارعون بزراعة الحمص في بقعة نائية من جنوب السودان هذا الشهر، هناك احتمالٌ في أن يزرعوا بذور الشقاق. انفصل جنوب السودان عن الشمال في تموز (يوليو)، وتعتبر هذه المزرعة التي يديرها المصريون الأكثر تقدماً من بين اتفاقيات زراعية عدة، تُوصف بأنها ''اغتصابٌ للأرض'' في أحدث دولة في العالم. المستثمرون يشترون ويستأجرون الأراضي في منطقة شرق إفريقيا لكي يزرعوا، بهدف تصدير الحبوب والخضراوات والمحاصيل التي تُستخدَم لاستخراج الوقود الحيوي. وتقول مجموعات الضغط إن برامج إنتاج الغذاء بهدف تصديره ستشرِّد الناس وتلحق أضراراً بالبيئة، وتؤجّج في النهاية الصراع في المناطق التي تتسم بهشاشة الأوضاع فيها. تعتبر شركة سيتاديل كابيتال المصرية للأسهم الخاصة، التي استأجرت 259.5 ألف فدان لزراعتها في ولاية الوحدة الغنية بالنفط، من بين عشرات الشركات الأجنبية التي أبرمت اتفاقيات كبيرة خاصة بالأراضي في هذا البلد الجديد، وذلك لأغراض لا حصر لها تراوح بين الأعمال الحرجية والسياحة. وأبرم الكثير من هذه الاتفاقيات قبل الاستقلال. وتصل مساحة الأراضي التي تمثلها الاتفاقيات التي أبرمت منذ 2007، إلى ما نسبته 9 في المائة من أراضي جنوب السودان، وذلك عند 5.74 مليون فدان، كما يقول تقرير صدر هذا العام عن منظمة بيبولز إيد النرويجية. ونفى كريم صادق مدير عام شركة سيتاديل، أن الاتفاقية تتسم بالاستغلال، وقال إنه سيتم بيع المواد الغذائية في السوق المحلية. وقال لصحيفة ''فاينانشيال تايمز'': ''إنني لا أعتقد أن نظرية الذئب السيئ الكبير – كناية عن اغتصاب الأراضي – تنطبق علينا''. وقال إن حكومة جنوب السودان وافقت على الاتفاقية، وسوف تدفع شركة سيتاديل لحكومة الولاية مبلغ 125.5 ألف دولار سنوياً طيلة مدة عقد الإيجار البالغة 30 عاماً. ''لن نتملك الأرض. هذا عقد إيجار. لقد استثمرنا بكثافة حتى الآن، وسوف يشاهد ذلك في الحقل، وتقضي الخطة ببيع هذا المشروع إنتاجه محلياً''. لم توفر هذه المزرعة حتى تاريخه إلا القليل من العمل لأبناء البلد، وخاصة أن العاملين الذين يبلغ عددهم 60 أو نحو ذلك معظمهم من زيمبابوي. وقال صادق إن الشركات التابعة لشركة سيتاديل استثمرت 24 مليون دولار، معظمها في المعدات، وعبّر عن أمله في زيادة مساحة الأرض المزروعة إلى 1500 فدانا, تستخدم لتجربة زراعة الحمص هذا العام منها 130 فدانا. شركة سيتاديل ستزرع أيضاً الذرة والذرة الحلوة، كما ستدخل عمليات المعالجة في الموقع، كعملية الطحن، استهدافاً للقيمة المضافة. وقال صادق: إن خطتنا تقضي بسد فجوة الطلب بالتدريج، عن طريق استبدال الواردات بمنتج أرخص بكثير. وأضاف أن الإنتاج المحلي سيعمل على خفض التكاليف. وقال إن الذرة المستوردة تباع بمبلغ ألف دولار للطن، أي بأكثر من ثلاثة أضعاف سعر السوق العالمية. ونظراً لكبر مساحة المزرعة التي تديرها شركة سيتاديل، فإنه يمكنها أن تسد الطلب المحلي على الذرة وتصدر أيضاً. صفقات الأراضي التي أبرمتها شركة سيتاديل وشركات أخرى تتسم بالتعقيد نظراً لحجم التحدي الذي يواجهه البلد الجديد. فما زال القتال مستمراً على طول الحدود، وفي هذا العام أعاق الشمال وصول الطلبيات إلى الجنوب، ما أخّر زراعة الذرة. ويكافح جنوب السودان من أجل تحقيق منافع لأولئك الذين أمضوا عقوداً في محاربة الشمال. ويرغب البلد في تنويع اقتصاده الذي يحصل على 98 في المائة من إيراداته من النفط. وفي الوقت نفسه، ينبغي له أن يُخضِع المليشيات المحلية، وأن يُطعِم جيشاً يستهلك نحو 40 في المائة من إنفاق الدولة. تخطط شركة سيتاديل للتفاوض على مبيعات الغذاء محلياً مع الحكومة، الأمر الذي يقول المنتقدون إنه يمكن أن يعني تحويل الذرة لإطعام الجنود وليس المدنيين. ''الناس لم يحاربوا الخرطوم (الشمال) ليخسروا أرضهم''، كما قالت أنورادا ميتال، المديرة التنفيذية لمعهد أوكلاند، وهو مؤسسة فكرية، زارت موقع شركة سيتاديل وسترفع تقريراً في الشهر المقبل عن أثر اتفاقيات الأراضي. وهي تخشى أن تكون بعض رخص الأراضي قد تم الحصول عليها كقناة للتنقيب عن النفط والمعادن. وقالت ميتال في هذا الصدد: ''من المهم جداً إيقاف تلك الرخص وإعاقتها لحماية موارد البلد القيّمة بدلاً من التعاقد مع هؤلاء الذين يتدافعون على البلد''. وجد بعض المستثمرين الأجانب أن جنوب السودان بيئة صعبة، فقد أبرمت شركة جارك كابيتال الأمريكية اتفاقية لاستغلال 800 ألف فدان، لكنها توقفت نظراً لعدم موافقة الحكومة عليها. قد يتطلب الأمر معركة من أجل الأرض في جنوب السودان لكي تظل مملوكة لأبناء البلد، حسب ميتال. ''تقول المجتمعات إنها ستلاحق (الشركات الأجنبية) وإلا سيكون هناك صراع''. ويقول المستثمرون من قبيل شركة سيتاديل إنهم يقدمون فرصة ينبغي ألا يرفضها جنوب السودان. وقال صادق إن البلد سيخسر إذا لم يتم تطوير الأرض البكر. وقال: ''هذه ليست الريفيرا. ويمكن أن تظل الأرض على حالها خلال ال 200 عام المقبلة، دون أن تنتج أي شيء، أو أن يدخل المرء ويجازف بالأموال وينتج – ومقابل ذلك ينبغي أن تتم مكافأتك''.