حذَّرت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، الجمعة من أنَّ هنالك ثمَّة إمكانية لاندلاع حرب أهلية في سورية، "قد يديرها أو يتسبَّب بها منشقون عن الجيش السوري". ففي حديث لمحطة إن بي سي الأخبارية الأمريكية، قالت كلينتون: " أعتقد أنه قد يكون هنالك حرب أهلية مع وجود معارضة مصمِّمة للغاية وحسنة التسليح، وفي نهاية المطاف جيدة التمويل". وقالت الوزيرة الأمريكية: "إن لم تُدَرْ (أي الحرب الأهلية) من قبل منشقِّين عن الجيش، فهي بالتأكيد متأثِّرة بهم." مفارقة أمريكية لكن المفارقة أن مارك تونر، نائب المتحدث باسم كلينتون، كان قد انتقد التحذير الذي أطلقه الخميس سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، بهذا الشأن عندما قال "إن من شأن الهجوم الذي شنَّه منشقَّون عن الجيش السوري على مقر لاستخبارات السورية بالقرب من دمشق أن يقود البلاد إلى حرب أهلية". فقد قال تونر: "نعتقد أن ذلك تقييما خاطئا. فإن كانت روسيا تعتبر ذلك حربا أهلية، فنحن ننظر إليه على أنه أشبه ما يكون بشن نظام الرئيس السوري بشار الأسد حملة من العنف والمضايقة والقمع ضد متظاهرين سلمين." وكان لافروف قد دعا في تصريحاته الخميس أيضا "كافَّة الجهات والأطراف المعنية بالأزمة السورية، بما في ذلك السلطات السورية والمعارضة، إلى وقف أعمال العنف، أيَّاً كان مصدرها." وأشار إلى تزايد عمليات تهريب الأسلحة مؤخَّرا من الدول المجاورة إلى داخل سورية، قائلا: "لقد أخذت الأزمة السورية بعداً جديداً، إذ بتنا نشهد هجمات منظَّمة على المنشآت الحكومية وعلى قوات الأمن، وهذا أشبه ما يكون بحرب أهلية حقيقية." وكانت شخصيات دولية عدَّة، بمن فيهم وزيرا الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، والفرنسي ألان جوبيه، قد حذَرت خلال الساعات الماضية من خطورة الأوضاع في سورية، واحتمال انزلاق البلاد في أتون حرب أهلية. قبول مشروط في غضون ذلك، أعلنت دمشق في وقت سابقة من يوم الجمعة قبولها المشروط بالورقة التي كانت قد سلَّمتها لها الجامعة العربية في السادس عشر من الشهر الجاري، وأمهلتها فيها ثلاثة أيام فقط لقبول مراقبين على أراضيها لمتابعة تطورات الأوضاع داخل البلاد. فقد أعلن مصدر سوري ل بي بي سي "إن سورية أبلغت الجامعة بقبول ورقة معدَّلة تحافظ على روح النص وطبيعة المهمة، وتحفظ في الوقت نفسه سيادة سورية". وقال المصدر إن الجانب السوري مستعد للتوقيع فورا على الورقة المعدَّلة التي تطالب بدرجة أكبر من التنسيق مع الحكومة السورية. وأضاف المصدر أن سورية أبدت استعدادا لاستقبال بعثة من الجامعة العربية، ومن ضمنها مراقبون، في حال تمَّ الاتفاق على التعديلات التي طلبتها دمشق. مظاهرات في سورية تتحدث تقارير المعارضة عن استمرار المظاهرات وعن سقوط قتلى وجرحى فيها وقال إنه "يجري حاليا العمل على بعض التفاصيل المتعلقة بمضمون الورقة"، لكنه أوضح أن ذلك "لا يهدف إلى عرقلة مهمة الوفد". وقد نقلت وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا" عن أمين عام جامعة الدول العربية، نبيل العربي، سانا تأكيده تلقي رسالة من وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، تضمنت تعديلات على مشروع البروتوكول، وتتعلق بالوضع القانوني، وبمهام بعثة المراقبة المزمع إيفادها إلى سورية. وقال العربي في بيان أصدره مكتبه لاحقا "إن هذه التعديلات تخضع الآن للدراسة". مهلة وكان وزراء الخارجية العرب قد أمهلوا الأربعاء الماضي دمشق ثلاثة أيام للتوقيع على بروتوكول تقبل بموجبه دخول مراقبين "للتأكد من وقف العنف ضد المدنيين في البلاد وتطبيق المبادرة العربية". وأكَّد الوزراء العرب أيضا في اختام اجتماعم بالرباط على "ضرورة اعتذار سورية عن الهجمات التي تعرَّضت لها السفارات العربية في دمشق، وعلى التزامها بحماية البعثات الدبلوماسية داخل البلاد". وكانت الجامعة العربية قد طرحت مطلع الشهر الجاري مبادرة لإنهاء الأزمة في سورية، وطالب دمشق بموجبها بسحب الجيش من المدن، وبوقف العنف ضد المتظاهرين وبدء حوار مع المعارضة. فرنسا وتركيا من جانب آخر، اتفق أوغلو ونظيره الفرنسي، آلان جوبيه، في محادثات بينهما في أنقرة على أهمية "فرض مزيد من الضغوط على النظام السوري". وقال الوزير التركي إن بلاده قامت ولا تزال تقوم ببذل مساعٍ من أجل إنهاء ما يجري في سورية، مضيفا أن فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على دمشق "سيساعد على إيقاف إسالة الدماء في البلاد". واتفق الوزيران أيضا على الانتظار حتى ظهور نتائج المبادرة العربية، و"خصوصا أن هنالك حديثا حول إمكانية إرسال الجامعة وفدا كبيرا من المراقبين لمعاينة ما يجري على أرض الواقع"، وفقا للوزير الفرنسي. وأكَّد أوغلو أنه في حال إخفاق مساعي الجامعة العربية بحل الأزمة السورية، "فلا بد من التحرك الجاد لاتخاذ تدابير أقوى ضد النظام السوري." وأضاف: "عندما وقعت مجزرة حماة عام 1982 في عهد الأسد الأب لم يتحرك العالم، لأنه لم يكن يستطيع متابعة ما يجري. لكن اليوم الوضع اختلف تماما، فالعالم من أدناه إلى أقصاه بات يتابع كل صغيرة وكبيرة في أي بقعة منه." من جانبه، حذَّر جوبيه من اندلاع حرب أهلية في سورية، ونصح المعارضة السورية بعدم الدفع في ذلك الاتجاه. ونصح الوزير الفرنسي المعارضة السورية بحثِّ الضباط والجنود المنشقين عن الجيش على "الكفِّ عن القيام بأي عمليات مسلحة". الوضع الميداني ميدانيا، ذكر ناشطون سوريون أن 11 شخصا على الأقل قتلوا في مظاهرات شهدته عدة مدن سورية في ما أسمته المعارضة "جمعة طرد السفراء" السوريين المعتمدين في الخارج. وذكر المرصد السوري لحقوق الانسان، ومقرُّه العاصمة البريطانية لندن، في بيان أن قوات الأمن "أطلقت الرصاص الحي لتفريق مظاهرات خرجت في دير الزور". واتهمت لجان التنسيق المحلية قوات الأمن والجيش بمحاصرة المساجد في عدة مناطق لمنع المصلين من الخروج في مظاهرات. وذكرت أن متظاهرين خرجوا في مدينة البوكمال وفي حيي الميدان والقابون في دمشق "رغم التواجد الأمني الكثيف". بي بي سي لقاء تشاوري غربي عربي تركي في باريس يمهد لقيام «مجموعة اتصال» حول سوريا حرصت باريس على إبقاء الاجتماع الذي استضافته أمس خارجيتها حول سوريا بعيدا عن الأضواء، فلا هي أكدت رسميا حصوله ولا هي نفته. لكن الاجتماع حصل على مستوى منخفض وتحديدا على مستوى مسؤولي الشرق الأوسط في وزارات الخارجية، وهو الأول من نوعه. والأرجح، كما تقول مصادر دبلوماسية أجنبية في باريس، أن يكون توطئة لإقامة «مجموعة اتصال» حول سوريا تضم الدول المعنية والراغبة في العمل معا. وضم اجتماع باريس ممثلين عن فرنساوالولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وتركيا وعدد من الدول العربية، وفي غياب ممثلين عن الدولتين المتبقيتين في مجلس الأمن الدولي وهما روسيا والصين. وفي لقاء عدد محدود من ممثلي الصحافة قبل ثلاثة أيام مع مسؤول كبير في الخارجية الفرنسية، قال الأخير إن فرنسا «تريد أن تلعب دورا رياديا» في الموضوع السوري. غير أنها في هذه المرحلة «لا تريد أن تظهر في المقدمة وتفضل أن تحتل الدول العربية هذا الموقع». وهذا الاعتبار هو الذي يفسر على الأرجح رغبة باريس في التعتيم على الاجتماع الذي دعت إليه واستضافته. ورغم تكرار السؤال على الناطق باسم الخارجية، فإن الجواب كان دائما نفسه وقوامه أن هناك «الكثير من الاجتماعات والمشاورات» وأن باريس «تشارك فيها» أكانت هنا أو في مكان آخر. والحقيقة أن باريس تلعب دورا يتخطى بكثير مجرد المشاركة. فالموضوع السوري حمله رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون إلى موسكو التي كان فيها أمس في إطار زيارة رسمية سعى خلالها لدفع المسؤولين الروس إلى «تطوير» موقفهم من التطورات الحاصلة في سوريا ودفعهم إلى التخلي عن التهديد باستخدام الفيتو ضد أي قرار يتناول سوريا في مجلس الأمن الدولي. وتقول المصادر الفرنسية إن «العقبة الحقيقية» هي روسيا بينما الصين «خرجت من الصورة» وبدأت ب«تغيير خطابها» من القمع المتواصل في سوريا. كذلك في الدول الناشئة التي وقفت على الحياد (البرازيل، الهند، جنوب أفريقيا) في مجلس الأمن المرة الماضية، أصبحت «أكثر تقبلا» لقرار يدين سوريا في مجلس الأمن بعد أن كانت ترفض سابقا مجرد الخوض فيه. ويبدو أن الدور الأول في الموضوع السوري يعود لوزير الخارجية ألان جوبيه الذي يستخدم إزاء المسؤولين في دمشق لغة بالغة التشدد بعد أن كان أول من اعتبر الرئيس الأسد فاقد الشرعية وأول من دعا إلى تنحيه عن السلطة ومن قال إن نظامه قد «انتهى». ومن أنقرة التي انتقل منها إلى العواصم الخليجية بادئا بأبوظبي، قال جوبيه إن «الوقت قد فات» من أجل أن يعمد الرئيس الأسد إلى إطلاق إصلاحات حقيقية، مشككا في إمكانية قبوله للمبادرة العربية. ورأى الوزير الفرنسي أن «اللحظة قد حانت» لتوحيد الجهود في التعاطي مع الملف السوري بكل تشعباته. وسيكون هذا الملف على رأس المواضيع التي سيبحثها جوبيه مع المسؤولين الخليجيين في أبوظبي والرياض والدوحة والكويت بعد أن كان أشبعها بحثا مع المسؤولين الأتراك. وليس سرا أن باريس تعول على دور كبير لتركيا بالتوازي مع الدور الذي تلحظه للجامعة العربية مجتمعة أو للدول الرئيسية فيها. وسيبرز ذلك بداية الأسبوع المقبل في مجلس الأمن الدولي حيث ستقدم الدول الغربية بالتشارك مع عدد من الدول العربية مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين سوريا والقمع وانتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة فيها وربما أدخلت عليه فقرة تدعو إلى توفير الحماية للمدنيين وهو ما تطلبه المعارضة وتتبناه غالبية الدول العربية. وقالت الخارجية إن جوبيه بحث مع الأتراك «كافة الوسائل والطرق» التي يمكن أن تحقق هذا الهدف. غير أن باريس تحذر من أمرين شدد عليهما الوزير جوبيه في مؤتمره الصحافي المشترك أمس مع نظيره التركي أحمد داود أوغلو: الأول التحذير من «عسكرة» الحركة الاحتجاجية السورية، والثاني رفض أي تدخل بأي شكل كان من غير غطاء من مجلس الأمن الدولي أو «من غير سند قانوني شرعي» وفق ما قاله الناطق باسم الخارجية برنار فاليرو. ويترك هذا التعبير الباب مفتوحا أمام العديد من التفسيرات التي سينكب عليها القانونيون لمعرفة ما إذا كان «حق التدخل لحماية المدنيين» يفترض حكما قرارا من مجلس الأمن أم يمكن توفير هذا السند بطرق أخرى. وتعتبر باريس أن تصويتا مكثفا لصالح مشروع القرار في الجمعية العامة «سيكون له مضمون سياسي واضح» و«سيشكل ورقة ضغط قوية على روسيا وعلى الدول الأخرى الممانعة». وتتوقع المصادر الفرنسية أن يحظى بدعم شبه شامل من الدول العربية. هكذا تكتمل صورة الحراك الفرنسي السياسي والدبلوماسي الفرنسي إزاء الموضوع السوري. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول رفض الكشف عن هويته أن باريس «أخذت المبادرة» على كل المستويات: دعم المعارضة السورية والإعراب عن الاستعداد للاعتراف بها شرط أن تنظم صفوفها وتبلور برنامجا سياسيا للمرحلة اللاحقة، والدفع المتواصل باتجاه فرض عقوبات تصاعدية على النظام السوري وأركانه والهيئات والشخصيات الداعمة له، واستمرار الضغط في مجلس الأمن والتوجه إلى الجمعية العامة فضلا عن التحرك في إطار مجلس حقوق الإنسان في جنيف والتنسيق مع البلدان العربية وتركيا وكذلك الولاياتالمتحدة الأميركية، وهو ما يعكسه لقاء باريس أمس. وعلى الصعيد الثنائي، تشير المصادر الفرنسية إلى أن باريس هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي استدعت سفيرها في دمشق «للتشاور» بعد تكرار الاعتداءات على ممثلياتها الدبلوماسية والقنصلية لا بل التعرض مباشرة لسفيرها أريك شوفاليه أكثر من مرة.