رغم حديث أكثر من مسؤول سوداني وآخرهم الرئيس عمر البشير شخصيا بأن السودان بعيد عن رياح الثورات العربية بحجة أن الشعب السوداني لا يرى بديلاً للإنقاذ إلا أن الواقع على الأرض يختلف تماما ولن تنفع معه محاولات إنكار الحقائق أو تجميل الوجه بإضافة حزب الاتحادي الأصل بقيادة الميرغني للحكومة القادمة ولن تنفع معها أيضا دولارات المال مقابل الأرض التي يسعى الشريكان السابقان والعدوان الحاليان لتسويقها لأن السودان يواجه أزمة أكبر من الربيع العربي وهي أزمة المجاعة الوشيكة التي لا تتحدث عنها الحكومة ولا ترى أي بوادر لها رغم أن أكثر من ولاية ومن بينها ولاية القضارف سلة غذاء السودان بصدد إعلان المجاعة. فأكثر من تقرير على مستوى الحكومة المركزية أو على مستوى حكومات الولايات تحدث عن المجاعة الوشيكة بسبب شح الأمطار هذا الموسم في أغلب مناطق الإنتاج بل خروج القضارف وجنوب كردفان ودارفور وشمال دارفور من الإنتاج ولذلك فإن التحذير الذي أطلقه الخبراء الاقتصاديون من أن السودان سيواجه شبح مجاعة يهدده العام المقبل والذي سيحل بعد شهر من الآن، يجب أن ينظر إليه أنه خطر محدق بالحكومة لا يقل عن خطر ثورات الربيع العربية التى يحاول النظام تسويق مقولة أنها ملهم قادتها وأن السودان في مأمن عنها. فكيف للحكومة أن تواجه هذا الواقع القادم وهي تنكره في الحقيقة ولا تتحدث حتى عن حدوث فجوات غذائية وهي تعلم أن السودان يواجه أزمات اخرى منها الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن نقص أموال النفط وتحاول حاليا الضغط على دولة الجنوب لمنحها 15 مليار دولار في مقابل حلحلة الملفات العالقة، وكيف لها أن تواجه أزمة نقص الغذاء وهي تقاتل في أكثر من جبهة بل توحدت هذه الجبهات وتداخلت مع جبهات خارجية ستكون ضاغطة عليها ولن تنفع معها ضم الميرغني للتحالف الجديد. إن السودان مهدد ليس بثورة مثل ثورات الربيع العربية وإنما بثورة الجياع الذين لن يجدوا إلا الثورة بسبب عدم اعتراف حكومتهم اصلا بوجود المجاعة الوشيكة لأنها مشغولة بالأهم وهي تكوين الحكومة وخلق التحالفات من أجل إطالة عمر النظام إلا من أجل إخراج السودان من عنق الزجاجة وان المجاعة القادمة والمسكوت عنها رسميا تمثل قاصمة الظهر للحكومة المنتشية بجر الميرغني للتحالف الذي سيكون وبالا على حزب الميرغني الذي سيجد نفسه في الواجهة بعدما تحول شعار "سلم تسلم" الذى رفعه إبان النضال إلى "شارك تكسب" ولكن هل كسب رضا الشعب السوداني. واقع السودان الزراعي أكد فشل سياسات الحكومة الاقتصادية والزراعية والمتمثلة في النفرة الزراعية والنهضة الزراعية والتى تحولت الى كارثة للزراعة تم من خلالها التخلص من اهم مشروع زراعي في السودان وهو مشروع الجزيرة وحولت المشاريع الزراعية إلى خرابات بعدما سرق السياسيون الأموال المخصصة للزراعة وحولوها لأغراض خاصة بحزبهم الحاكم وبالتالي عجزت الزراعة وتدنى إنتاج القطاع المطري وهم الأهم بالسودان لإنتاج المحصولات الغذائية هذا العام خاصة في مناطق القضارف والنيل الأزرق وجنوب كردفان الى مستويات أدنى مما حدا بالسلطات المحلية في القضارف أن تعلن صراحة فشل الموسم الزراعي حيث اعترف حاكم القضارف كرم الله عباس وهي من المناطق المعروفة بالزراعة المطرية بشرق السودان، بفشل مريع صاحب الموسم الحالي بسبب قلة الأمطار وقال إن ولايته مواجهة بمشكلة غذائية كبرى خلال الفترة المقبلة. فإذا كانت القضارف سلة غذاء السودان تتحدث عن مجاعة وشيكة فما حال الولايات الأخرى مثل شمال كردفان وشمال دارفور، فالأولى اعترف المسؤولون عنها بفشل الموسم الزراعي بسبب شح الامطار والثانية رغم ارسال بعثات تقصي الحقائق لمعرفة نتائج الموسم الزراعي الا انها تكتمت على الأمر وأعلنت عن وجود فجوة غذائية في بعض المحليات ولم تتحدث عن المجاعة علما ان كل الولاية تعيش على المساعدات لوجود اكثر من نصف سكانها في معسكرات النزوح حول المدن الكبرى ومن بينها الفاشر. إن محاولات الحكومة المركزية في الخرطوم إنكار الواقع ليس في مصلحتها خاصة أن اكثر من جهة اقليمية قد اعلنت عن بوادر مجاعة محلية مثلما فعلت مناطق طوكر بجبال البحر الأحمر ومثلما تحدثت ولاية القضارف ولكن يبدو أن الخرطوم أرادت ترك المجال للولايات فقط لتتحمل عواقب فشل الموسم الزراعي وانها مشغولة بالحديث عن الثورات العربية وعلاقة السودان بها وبعده عن رياحها لأنهم الملهمون لها كما انها مشغولة بالبحث عن حل لمعضلة نقص الاموال ولذلك تضغط على الجنوب من اجل الحصول على 15 مليار دولار ولكنها تتجنب الحديث عن الثمن الذي ستدفعه للجنوب في مقابل ذلك رغم ان الجنوب وعلى لسان باقان اموم مبعوث ملف المفاوضات قد أكد انهم سيدفعون للخرطوم أى أموال تطلبها في مقابل التخلي عن ابيي وبعض مناطق الحدود. إن ربيع الثورات العربية واقع وسيشمل كل الدول العربية خاصة الهشة منها والسودان ليس بمعزل عن الربيع العربي وإنه مرشح قوي ليكون القادم ولكن مشكلة السودان ليس في قيام ثورة لإزالة النظام وانما في قيام ثورة تحافظ على وحدة السودان المتبقية بعد انفصال الجنوب، فالواقع الحالي ينذر بعواقب وخيمة، فالحرب أصبحت تمتد من دارفور غربا الى النيل الازرق شرقا في منافسة تبلغ اكثر من الفي كيلومتر وان الحكومة المركزية لا يهمها من الأمر سوى المحافظة على الحكم بأي وسيلة لذلك سعى الحزب الحاكم والذى فاز في انتخابات مشكوك فيها وفق برنامج محدد لإدخال آخرين ليس من اجل انقاذ السودان من الواقع الحالي وإنما من أجل الاستمرار في الحكم. من المؤكد أن خطر المجاعة القادم والمسكوت عنه رسميا سيشكل معضلة للقادمين الجدد والقدامي لأن بوادر هذا الخطر قد لاحت ولن تنتظر الاشارة من أحد ليقول كلمته هل هناك مجاعة ام ان الأمر لا يتعدى مجرد فجوة رغم ان السودان لا ينفصل عن واقع الدول المجاورة له في الساحل او في القرن الافريقي والتى اعلنت عن الكارثة ووجدت الدعم الدولي، من الواضح أن هناك أزمة قادمة ستكون أكبر من أزمة ثورة الشباب ضد الحكومة بالخرطوم او المدن بسبب الضائقة الاقتصادية وانها تتصل بحياة الناس ومعاشهم وحينها لن تجدي مقولات إننا بعيدون عن الربيع العربي أو أن الإنقاذ ملهمة هذه الثورات. فالحكومة العربية التى سقطت لم تسقط بسبب تجويع شعوبها وانما بسبب دكتاتوريات هذه الحكومات وان السودان يتفوق عليهم جميعا بكبت الحريات والضائقة المعيشية واخيرا المجاعة التى لم تشكُ أى دولة عربية منها حتى الآن، فإننا سنواجه خطر ثورات الربيع العربي وخطر المجاعة القادمة معا فهل تعي حكومتنا الدرس وتعلن عن هذه الكارثة القادمة قبل فوات الأوان ام ستواصل سياسة دفن الرؤوس في الرمال وتقول إن الأمر لا يتعدى فجوة غذائية، في شمالي كردفان ودارفور رغم أن سلة الغذاء بالسودان القضارف أول من أعلنت عن فشل الموسم الزراعي. الراية