تظل قضية التعليم المدرسي من أهم القضايا التي يجب أن تضعها الدولة في أولوياتها وأساسياتها؛ وذلك لتأثيرها البالغ في المجتمع سلبا وإيجابا، ويأتي الاهتمام بهذه القضية من عدة محاور، فى مقدمتها خلق بيئة مدرسية ومناخ معافى للتحصيل المدرسي. لكن الواقع يحدث بأن بعض المناطق الطرفية –أن لم يكن جلها- تعاني مدارسها بشكل لافت من تردي البيئة المدرسية، فتحس عند دخولك للوهلة الأولى أنك في إحدى مناطق الجفاف لما ترى فى بيئتها من جدران متآكلة، و أبواب متهالكة وشح في أبسط الخدمات المتمثلة في (أزيار) المياه التى يشرب منها التلميذ الذي يبقى بالمدرسة لفترة لا تقل عن سبع ساعات ، ناهيك عن اكتظاظ التلاميذ فى الفصول ، ما بين تسعين تلميذاً ، إلى مائة وأكثر للفصل الواحد .. وهذه الإحصائيات حقيقية وليست من وحي الخيال. ومع هذا الوضع البائس يمكنك ان تتخيل التلاميذ يفترشون الأرض ، وبالتالي يمكنك ان تتخيل صعوبة استيعابهم للدروس خلال زمن الحصة الذي يتراوح مابين أربعين إلى خمس وأربعين دقيقة ..هنا سؤال يطرح نفسه كيف تتوزع تلك الدقائق والثواني على هذا الكم الهائل من التلاميذ؟ هذا هو الواقع فى المناطق الطرفية بينما يصرح والي الخرطوم بأن نسبة الإجلاس في المدارس الثانوية بالولاية بلغت (99%) و في الأساس بلغت (98%).. فعلى أي أساس تم تحديد هذه النسبة؟ ان بيئة مدرسية على هذا النحو هل زارها مسئول ما، ووقف على وضعها المزري؟ . يلاحظ كذلك أن هنالك نقصا حتى في المدرسين لبعض المواد الأساسية. هنا يصعب أن تلقي اللوم على التلميذ اذا تدنى مستواه في مادة لم يتوفر مدرس لتدريسها حتى إجازة نصف العام الدراسي.. كل هذا والتلميذ يطالب بدفع رسوم ( نثريات) يعجز الكبار أنفسهم عن فهمها ، للدروس الإضافية ورسوم بداية العام الدراسي والمياه الخ..! ان هذا الأمر في حاجة إلى وقفة حقيقية من قبل الدولة والجهات ذات الصلة؛ لان التلميذ في بيئة كهذه لا يعول عليه ، فمن أبسط حقوق التلميذ توفر الكتاب المدرسي الذي قد لا يتوفر في أحيان كثيرة حتى نهاية العام ، و من جهة أخرى يجب تكثيف الزيارات التفقدية والتوجيهية للمسئولين مع توفر الرغبة الاكيدة في تغيير الأوضاع إلى الأفضل؛ كي تسهم تلك الزيارات في إصلاح التعليم، وخلق بيئة مدرسية معافاة تهيئ النهوض. في هذا السياق يرى الخبير التربوي؛ د.عبد الله الخضر، أنه من الضروري ألا يتعدى الفصل الواحد أكثر من( 25-30) تلميذا، منوها إلى أن البيئة المدرسية مقصود بها المدرس ومباني المدرسة إلى جانب توفير الكتاب المدرسي، وللأسف فان تنطبق هذه المواصفات على المدارس الخاصة فقط والتي يدفع لها المقتدرون من أجل بيئة صحية لأبنائهم، ويشير الخضر الى الاحتكاك بين التلميذ والمدرس بالعلاقة المباشرة مهم جدا، وان هذا الاحتكاك يكون شبه معدوم مع الأعداد الكبيرة للتلاميذ داخل الفصل. وللخروج من هذه الازمة لابد للدولة من التوسع في المدارس، لاسيما ان بالسودان توجد أكثر من ثلاثين كلية للتربية. الاخبار