المنصب الذي كان يشغله المهندس عبد الله علي مسار مستشاراً لرئيس الجمهورية أرفع بكثير مما يشغله الآن كونه وزيراً للإعلام، والوزارة التي منحت له أقل الوزارات أهمية ليس في السودان فقط إنما في معظم الدول العربية والأفريقية.. إلا أن الرجل الذي لم يوكل إليه أي ملف من ملفات الرئاسة- رغم كثرتها- حوّل الوزارة التي لم تكن تحرك ساكناً على الإطلاق إلى وزارة حيوية مليئة بالتصريحات والأفعال، ظاهرها إيجابي وباطنها سلبي.. قيل إن علي مسار رئيس حزب الأمة الوطني، وضع شروطاً واضحة أمام كبار مسؤولي الحكومة لقبول تولي هذه الحقيبة، أولها وأهمها؛ التمتع بالصلاحيات كاملة لممارسة المهام في الوزارة، وبعد أن قبل الكبار شروط مسار، أحب الرجل أن يثبت لأولائك الكبار أولاً، ولوسائل الإعلام المقرر التعامل معها ثانياً، وللمواطنين والرأي العام ثالثاً أن التطوير والاختلاف آت للوزارة، وأن الأحزاب المشاركة في الحكومة لن تكون مشاركتها صورية في حكومة الجمهورية الثانية. وبعد أن أدى القسم وزيراً كانت أولى ملامح خطته التي أعلن عنها إعلاء شأن الأجهزة الإعلامية، وضمان إعلام داخلي حر وشفاف ونزيه، والقيام بإصلاحات في الأجهزة والبرامج والشخوص، واعداً بمنح الصحافة الحرية الكاملة، كما تعهد أيضاً بضبط تصريحات الناطقين الرسميين في الوزارات، والعمل على تنسيق معلوماتي فيما بينهم، وكان أهم ما قاله الوزير عن الإعلام الرسمي: إن مهمته تتمثل بأن يكون إعلاماً منفتحاً نحو الجميع، فلا يكون قابضاً أو حكومياً أو صفوياً، والجميع يجب أن يجدوا مكانهم فيه، وقال: لابد من ثورة إصلاحية، ولابد من ثورة في الإعلام السوداني ينتهي فيها عهد الاحتكار. إلى هنا انتهى أول ظهور للوزير الجديد، تصدرت عناوينه الصحف وتناوله المراقبون والإعلاميون بإيجابية، لكن الوزير ذاته- وبعد أيام فقط - جاء بحديث أقل ما يوصف أنه (مشاتر) جداً لما كان قد أدلى به سابقاً، حينما أكد أن نشر المعلومات الرسمية سيتم عبر وكالة السودان للأنباء "سونا" فقط ، حتى لا (يلقط أي زول المعلومات من أي مكان) على حد تعبيره، مضيفا أن الدولة (ما عايزة تخفي أي حاجة) لأن المرحلة المقبلة هي مرحلة الشفافية والحرية.. ويقول في ذات الوقت مخاطباً النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي كان يجلس بجواره (لو لقيتو المعلومات في الأكشاك شيلونا). التناقض الواضح الذي دخل فيه مسار أن الحرية والشفافية من ناحية وتمليك المعلومة لأجهزة الإعلام الرسمية فقط من ناحية أخرى لا يمكن أن يجتمعا، خاصة أن احتكار التصريحات أو ضبطها كما قال؛ ستؤخر وصول المعلومة إلى الرأي العام، ولن تسهم في الشفافية والوضوح كما قال.. فمثلاً؛ هل يمكن أن تكون وزارة الإعلام ممثلة في وزيرها وآليته أكثر معرفة أو قدرة بمعرفة تفاصيل الأمور ومواقيت ظهورها إلى الإعلام أكثر من الناطق باسم الخارجية العبيد مروح أو الناطق باسم الجيش الصورامي خالد سعد أو الناطق باسم الشرطة السر أحمد السيد؟. البعض يقول إن الوزير مسنود من ظهر (قوي) في الحكومة وآخرون يقولون إنها مجرد فقاعة إعلامية لإعادة الأنظار لهذه الوزارة، ويتفق المحلل السياسي د.صلاح الدين الدومة مع الرأي الأخير بأن هذه الأحزاب المهمشة أرادت إيصال رسالة مضمونها أنها لم تعد كذلك "رغم أنها ستظل مهمشة" حسب الدومة، واعتبر أن المنصب إلم يكن جاء لترضيات سياسية ربما كان هناك أمل في الإصلاح، لكنه لم يأت كذلك. وقد برزت شكوى واسعة من داخل الأجهزة الحكومية الإعلامية فيما يخص الحرية المهنية وتميلك المعلومات، وبذلت جهود كبيرة في إصلاح القوانين من خلال مجلس الصحافة وكافة الأجهزة المعنية بمخاطبة الرأي العام حتى ينصلح حال الإعلام، ويعبر حقيقة عن المرحلة، وليواكب ما أحدثه الفضاء من نقلة واسعة في مجال نقل المعلومات؛ الأمر الذي يجعل من خطوات الوزير التي صرح بها بمثابة ضربة موجعة لكافة أجهزة الإعلام، في الوقت الذي تنتشر فيه في السودان إذاعات خاصة، وصحف خاصة، وهو ما يبرز سؤالاً: هل يستقيم ذلك مع تصريحات الوزير؟. و التحديات التي تواجه وزير الإعلام الجديد كبيرة؛ لأنه تحدث عنها ولامس مواضع الخلل ولم يتجاهلها، أهمها فك الاحتكار الذي ظل يمارسه الإعلام الرسمي والحكومي وهو ما أشار إليه، لكنه لن يتمكن من تنفيذه؛ لأنه تراجع عن التصريح حينما كشف أن المعلومة ستملك للإعلام الرسمي. وما هو معروف أن وزارات الإعلام في العالم الديمقراطي لا وجود لها، واعتبرت منذ أن أنشئت وزارات حرب، فإن تم القبول بهذا الواقع فيتوقع حدوث إصلاحات وليس التضييق في مجال المعلومات. الاخبار