في الوقت الذي يبدو فيه هذا النظام قد غرق حتي أذنيه في مستنقع الفساد ووحله يبدو في كل الأحوال أن تعامله مع ملفات الفساد أوقعه في شر أعماله ولذلك الموقف رغم غرابته تفسير في غاية البساطة ويعني ذلك التفسير أن النظام أسقط في يده فيما يتعلق بملف الفساد إذا تحول الملف المعني إلي ملفات يصعب حصرها وجسم سرطاني لا علاج له وهو نتاج تراكم عشرات السنين من الفساد حتي ( غلب حمار ) النظام وفضل ( رمادية) المواقف فيما يتعلق بذلك الملف وغاب عن فكرها المملوء فساداً أن المحصلة النهائية لذلك التجاهل لتلك الملفات أنها تؤلب ضدها المواقف وتفتح عليها أبواباً لن تستطيع إغلاقها وأن محصلة ذلك كله نقاط في رصيد المعارضين للنظام ربما يعجل برحيله مشيعاً باللعنات والغضب الجماهيري الذي لن تسكته سوي إغلاق ملفات القصاص في مواجهة ذات النظام. وليس المقام هنا مناسباً للسؤال متي إستقر رأي النظام للإقرار بالفساد والمفسدين لأن الإجابة لا تخفي علي المبصرين لحقائق الأمور والذين يعلمون أن النظام لم يجد سبيلاً أو مخرجاً من الإقرار بالفساد بعد أن فاحت روائحه ( المنتنة ) لتسمم عافية الإقتصاد ويعلم به القاصي والداني وفي الوقت الذي أبت فيه الدراهم إلا أن تطل برأسها فلاحت من رحم العدم مدن ( السودان ) في ماليزيا ودول الخليج والشقق والقصور المملوكة لكبار المسئولين ومتنفذي النظام في الداخل والخارج وكلما إزدادت تلك القصور والمباني في داخل البلاد وخارجها كلما إزداد الشعب فقراً ومعاناة وشظفاً في العيش ..في تقدير النظام هذه معادلة هي معادلة طردية وكان من الأوفق للنظام التعامل مع تلك المعادلة ولكن وفقاً لمعايير تضمن بداية إسكات الأصوات الضجرة من ذلك الفساد أو كسب مزيداً من الوقت علي أقل التقديرات وفي نفس الوقت لا يتوقف سيل الأموال العامة المتدفق إلي جيوب النظام ورموزه . المواقف الضبابية للنظام فيما يتعلق بفضائح الفساد التي طالت المسئولين وذويهم تجلت في مواقف النظام في أعلي مستوياته وكمثال لذلك إقرار رئيس الدولة ( في مسجد والده !!) بأن هنالك فساد في الدولة وإعلانه تكوين مفوضية (لمكافحة الفساد ) وهي مفوضية غريبة الإسم والتكوين وتصب في خانة الموقف المترددة للنظام عندما يتعلق الأمر بإستئصال شأفة الفساد لأن في التشريعات القانونية المتمثلة في القانون العام الساري المفعول ( القانون الجنائي ) والقوانين الخاصة ( قانون الثراء العام والمشبوه ) نصوصاً كانت تكفي مواد تكفي لإلغاء كل الفاسدين وراء القضبان أو حتي شنقهم في الميادين العامة وكان يكفي رئيس الجمهورية بدل البكاء علي تفشي الفساد إطلاق يد النائب العام وسلطاته في التحري والتحقيق ومحاكمة الفاسدين مع الوضع في الحسبان أن تكوين ذات المفوضية من رأس الدولة هو إقرار ضمني من النظام أن هنالك فساداً ولم يكن أسهل للنظام من التبشير بتكوين المفوضية ثم إلغائها بعد حين في سلة القمامة لإستمرار مسلسل الفساد الذي يبدو بهكذا مواقف أنه لن ينتهي إلا بزوال النظام . حقيقة أخري هامة تتمثل في أن الدولة ونظامها أدمنتا الفساد وغدا سنتها في الحياة السياسية ورغم علم النظام أن ذلك الفساد يضرب بلا هوادة في عافية الدولة وجسدها ( العليل أصلاً ) وينهك مفاصلها الإقتصادية فإن النظام والحزب الحاكم وهما كيان واحد يدير البلاد بكل صلف وعنجهية ويهدد كل المعارضين للنظام ومن يصدح بكلمة الحق والنصيحة ولا يمانع من (ترتيق ولفق ) الدولة بالمنتفعين من المعارضة وإغرائهم بالمال ليكونوا حضوراً في وليمة الفساد والعشاء الآخير للإجهاز علي ما تبقي من البلاد ..ويقيني أن هذا الموقف المتخاذل من رموز المعارضة لن يزيد حشود المعارضين إلا قوة ولن يزيد النظام وحزبه الحاكم إلا وهناً علي وهنٍ. أمر واقع لم يدركه النظام الحاكم وهو أن قوة المعارضة ضده تزداد قوة يوماً بعد يوم وهذه المعارضة هي نتيجة واقعية لفشل النظام في إدارة دفة الدولة فأصاب العطب دولاب الإقتصاد والإستقرار الإجتماعي والأمني حتي أصبحت البلاد تحرس من أعلاها بالجيوش الأممية ومفرزات الأحباش وصارت بيضة البلاد في أسفلها مستباحة للطيران والإحتلال الأجنبي وإرتفعت وتيرة التضخم حتي وصلت في سلع بعينها إلي ما نسبته (75%) وفي الوقت الذي يبدو أن كل هذه العوامل تتضافر لتعجل بنهاية هذا النظام وفنائه يبدو النظام في حالة من عدم الإتزان وفقدان الإتجاه و ( قلة الحيلة ) للتعامل بفاعلية أو مواقف مجدية تجاه تلك المعطيات التي ستعجل برحيله يبدو كذلك أن المعارضة قد نجحت في توظيف تلك المواقف لمصلحتها وفي الوقت الذي تنامت فيه الإحتجاجات الطلابية بعد تعامل الدولة معها بالعنف و ( العين الحمر ة) في معضلة لا تؤكد تفاصيلها أنها معضلة تستعصي علي النظام ( قضية المناصير ) وكان يكفي الدولة التنازل عن مرتب شهر واحد لرئيس الجمهورية ونوابه والجيش العرمرم من الوزراء ووزراء الدولة والوزراء برئاسة الجمهورية والمساعدين الخمسة لرئيس الجمهورية والمستشارين السبعة له ومخصصات رئيس المجلس الوطني ونواب الحكومة ومدير سوق الأوراق المالية والحسابات الخاصة للوزراء ..كل هذا كان سيكفي الدولة مشقة القتال ضد المتظاهرين في الشوارع ويخفف من وتيرة المعارضة . وفي الوقت الذي يكتفي فيه النظام بسياسة (القبضة الحديدية ) لإسكات الإحتجاجات الطلابية فإن المعارضة في رأي تمضي بخطوات وئيدة ومدروسة نحو غاياتها وأهدافها .. وفي الوقت الذي يعلم النظام القائم أن ( سوس ) الفساد ينخر في جسده ويتآكله من الداخل ويصر علي ( مواعيد عرقوب ) في إصلاح الحال والإقرار بالفساد والتوبة عنه والندم علي ما مضي ويداخل عقل رموزه أن المواقف الرمادية تكسبهم الوقت بعد إستعدادهم لترك الجمل بما حمل بعد أن أصبحوا من أثرياء العالم تبدو حقيقتان ماثلتان للعيان أولاهما أن النظام بتلك المواقف المخزية والمتخاذلة تجاه التعامل مع القضايا الملحة يبدو أن يخلق ظروفاً مؤاتية ومناخاً جيداً لهزيمته وإنتصار المعارضة آجلاً أو عاجلاً وحقيقة أخري أن سيف العدالة والقصاص سيطال الفاسدين والمفسدين ولو عادوا إلي أرحام أمهاتهم أو تعلقوا بأسباب السماء . عمر موسي عمر - المحامي [email protected]