في الوقت الذي تعيش فيه البلاد أسوأ حالات التدهور الأمني والإجتماعي والإنهيار الكامل لإقتصاد الدولة ويبدو ملائمة التوقيت للبحث عن حلول آنية ودائمة للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة والنظر إلي الضوء في آخر النفق يبدو أن رئيس البلاد ونظامه يعيشون في وادٍ آخر أو في حالة ( إنكار تام ) للحالة التي وصلت إليها البلاد ويعكس هذا حالة عدم الإتزان التي يعاني منها أساطين النظام وطواغيته ويفضح بلا غموض قلة حيلتهم وأن ما نجحوا فيه وإزدادوا فيه براعة وعبقرية هو إغتيال كل ما هو جميل في هذا الشعب الصابر وإدعاء التذاكي عليه . وربما كانت آخر محاولات ذلك التذاكي الموصوف بالغباء هو إصدار رئيس النظام مرسوماً يقضي بتكوين ( مفوضية لحقوق الإنسان ) وهي محاولة أخري يائسة تثير الشفقة من النظام لتجميل صورته أمام شعبه والمجتمع الدولي بعد إمتلاء الوجه ندوباً وأوراماً لا تجدي معها أي محاولة للتجميل وهي بمثابة محاولة لوضع النظام بالعناية المكثفة وهو في حالة غيبوبة كاملة لا يرجي التعافي منها . ودون الخوض في جدال لا يقدم فائدة ما يعلمه الجميع أن حقوق الإنسان في كل المجتمعات الديمقراطية لاتحتاج لمفوضيات أو موظفون يتقاضون مرتبات عالية ومكاتب فخيمة ليزيد الإقتصاد المنهك اصلاً معاناة علي معاناته..ذلك أن ضوابط حقوق الإنسان القانونية والشرعية موجودة في قرآننا الكريم الذي بين أيدينا الذي أقر كرامة الإنسان وتفضيله علي المخلوقات ..وحقوق الإنسان وضوابط بينة في سنة المصطفي عليه أفضل الصلاة والتسليم ولا يتسع المقام للخوض فيها لعلم القراء الكرام بها ..يضاف لذلك كله أن حقوق الإنسان تتوزع نصوصاً في طيات القوانين السارية في البلاد ولكن الذي يبدو واضحاً للعيان أن هذا النظام الذي يدعي الإسلام بطراً ورئاء الناس لا يقرأ النصوص الواردة في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو حتي القوانيين الوضعية التي صاغها بنفسه ليضع نصب عينيه تعطيل تلك النصوص جميعها إذا كان في تطبيقها تقويضاً لنظامه أو تهديداً لسلطانه أو رموز حزبه القابضين علي مفاصل الدولة وأصبحت القوانين تطال الضعفاء من الشعب ويكتب علي المتنفذين ورموز الحزب ومن والاهم في كتاب الإنقاذ سيء الصيت وصاحب السوءات أنهم تعلوا هاماتهم فوق كل القوانين وأنهم معصومون من العقاب . حقيقة الأمر فإن هذا النظام لا تكاد تخلو كنانته من الحيل للخروج من الأزمات التي تهدد أركانه وتنذر عصبته بالفناء وفي تقدير العصبة الحاكمة أن خير الحلول لمعالجة الأزمات هو الهروب ولهم في ذلك طرق عديدة وضروب شتي وخير مثال لذلك حلولهم المبتكرة عند تصاعد وتيرة المنادين بإستئصال الفساد بعد أن أمسي وصمة في جبين النظام بعد إنبعاث روائحه لتزكم الأنوف ..وقد بدأ مخطط الإستجابة لأزمة الفساد يبني علي محورين مؤداهما نتيجة واحدة (إستمرار الفساد إلي أجلٍ غير مسمي ) وقد كان أولهما محاولة إسكات الأصوات والأقلام الشريفة التي ما فتئت تنادي بمعاقبة الفاسدين وتكشف ملفات الفساد واحداً تلو آخر ومحاولة الإسكات هذه إتخذت مسارات عدة أبرزها التهديد والعقاب والمحاكمة لتلك الأقلام والصحفيون الذين كانوا ضحايا ذلك المحور لا حصر لهم والمحور الثاني وهو من كنانة حيل النظام ودهائه يبدأ ببكاء رئيس الدولة في مسجد والده وإدعائه أنه كان يجهل ذلك الفساد وأن يلحق ذلك بالتبشير بتكوين مفوضية لمكافحة الفساد . وفي الوقت الذي كان رموز النظام يرسلون إشارات وومضات للشعب أنهم ضد الفساد كان الفساد يزداد ضراوة وتنداح روائحه لتطال حتي أجهزة الدولة في الولايات في فضائح يندي لها الجبين خجلاً ويتبرأ منها الإسلام ومبادئه وفي الوقت الذي يرتقي فيه الفساد شأواً بعيداً تذهب مفوضية مكافحة الفساد ونصوص قانونها إلي مقابر النسيان بعد أن أدت دورها في تهدئة الخواطر لتغدو أثراً بعد عينٍ...وحقاً لا ندري ما هي أسباب طمر تلك المفوضية و لا يجد المرء تفسيراً أفضل من التفسير الذي يقول أن المفوضية التي فاضت روحها إنما كانت لذر الرماد فوق العيون وإسكات الأصوات إلي حينٍ. واقع آخر يحكي حقاً العقلية المريضة التي يتمتع بها هذا النظام وتؤكد نظرية الهروب من الأزمات ويتمثل ذلك في أزمة النظام فيما يتعلق بحقوق الإنسان التي تعدت مسألة الإبادات الجماعية والمحاكمات الصورية وتكميم الأفواه لتبلغ العالم الديمقراطي ولم تتورع منظمات المجتمع المدني والجمعيات الناشطة في حقوق الإنسان بليبيا من وصم رئيس الدولة بمسمي يحكي الصورة كاملة عند وصمه بلقب ( قذافي السودان) كناية عن الفظائع المرتكبة في عهده .. وفي الوقت الذي تتنامي فيه أصوات المجتمع الدولي فيما يتعلق بالمخالفات التي لا تعد ولا تحصي من النظام في مجال حقوق الإنسان لا يجد النظام الذي ضاقت عليه أنشوطة النقد بُداً من الهروب إلي الأمام بتكوين مفوضية حقوق الإنسان ونشر ذلك في أجهزة الإعلام العالمي علي أوسع نطاق في محاولة يائسة لتجميل وجه النظام وأجهزته الأمنية وآلاته القمعية الموظفة لإسكات الأصوات المعارضة للنظام وبعد أن أمضي أكثر من ثلاثين عاماً في قمع الشعب وإنتهاك حقوقه وإمتهان كرامته وحقه في الحياة . حقيقة أخري ماثلة للعيان أن النظام يكتب بنفسه أسباب إدانته بكل السيئات التي طالت ولايته عندما يسارع بتكوين الأجهزة التي تعالج سوءاته وإخفاقه في إدارة دفة البلاد وحمل أمانة التكليف فمفوضيات النظام هي أصدق دليل علي وجود علة التكوين والإنشاء ولو أدت واجبها أو بلغت أهدافها لكان النظام في حالٍ آخر ولكنها مفوضيات نثرت من جعبة النظام ودهائه ولا تساوي الحبر الذي كتبت به . وحريٌ بنا أن نقول أن النظام نثر كل ما في كنانته من أساليب الدهاء والمكر وحيث يبدو أن النظام في حالة من الإنكار الدائم وأصبح منفصلاً تماماً عن الواقع ومعطياته ويراهن علي ضعف المعارضة وعدم قدرتها علي الإنتفاضة علي النظام القائم بعد تفرقها أيدي سبأ وذهاب نصفها إلي مكاتب القصر الجمهوري مظاهراً للنظام ومعيناً له للإجهاز علي ما تبقي من البلاد وثرواتها بات واضحاً أن النظام لا يأخذ الحذر من مأمنه وبهذا فأنه يسابق الزمن نحو حتفه يلوح في الأفق أن العالم قد إجتمع علي قلب رجلٍ واحدٍ وهو ينادي بتقويض النظام القائم في الخرطوم من أركانه وحتمية ذهاب ريحه غير مأسوفاً عليه . Omar musa [[email protected]]