..السلبيات والأخطاء التى أجملتها مذكرة الإسلاميين الجديدة لا يختلف عليها أحد من السودانيين وحتى الإسلاميين الحاكمين يتحدثون عنها في مجالسهم الخاصة ويتداولون الحديث حولها ولكنهم يرفضون للآخرين التطرق اليها حتى ولو بطرق خفية لان الخروج من هذه الازمات في نظرهم لا بد ان يتم عبرهم وليس عبر غيرهم من الآخرين رغم ادراكهم ان هناك رايا عاما بدأ يتشكل داخل السودان خاصة وسط شبابهم ضدهم بسبب التغيب المتعمد والاستئثار بالثروة والسلطة وان المذكرة ربما هدفها استباق لما هو متوقع في ظل ثورات الربيع العربي التى يرى إسلاميو السودان انهم روادها وان السودان في منأى عنها. المشكلة الأخرى التى تواجه الاسلاميين بالسودان ليست في اعداد ورفع المذكرات وانما في تعريف من هو إسلامي حاليا، هل جميع اعضاء المؤتمر الوطني الحاكم هم إسلاميون؟ ام ان هناك حركة إسلامية سودانية للحزب الحاكم تحاسب القيادات على الاخطاء؟ فمن الواضح ان هناك غموضا متعمدا حول علاقة الحركة الاسلامية بالحزب الحاكم والدولة، ولذلك فإن الحديث عن المذكرات لن تجدي ما لم يحدد معدوها خارطة طريق لاعادة توحيد الإسلاميين اولا وهذا لن يتم الا بالاعتراف بأن هناك اخطاء قد حدثت وان هناك تهميشا متعمدا لبعض الإسلاميين والا اين الإسلاميون الذين كانوا رؤساء اتحادات طلاب الجامعات؟ اين التجاني عبد القادر واين امين بناني واين احمد تاجر والانسان الخلوق سليمان حامد احمد واين عثمان قادم واين ابراهيم كنو واين المسلمي الكباشي وحمدان حامد واين زيدان عبده زيدان بل اين الدكتور خالد التجاني والدكتور محمد محجوب هارون وعبد الفتاح فرح ضو واين عبد السميع حيدر واين مصطفى الفكي وغيرهم كثر كانوا في زمننا بالجامعات يسمونهم بأصلب العناصر لاقوى المواقف؟ لقد انزوى عدد كبير من الإسلاميين المؤهلين من استاذة الجامعات عن المشاركة في السلطة ليس بمحض ارادتهم وانما عمدا لان اخوانهم الذين يمسكون بزمام الامور لم يقبلوا بهم واختفت الاسماء المعروفة مثل البروفيسور الطيب زين العابدين والبروفيسور ابراهيم الزين والبروفيسور شمس الدين زين العابدين بل حتى اختفت اسماء ظهرت في بداية الانقاذ وعملت على تدعيمها مثل الشفيع احمد محمد والدكتور الطيب ابراهيم محمد خير الذي كان راس الرمح وظهرت اسماء من الصف الثاني كانت غيرمعروفة ربما حتى للاسلاميين العاديين وهي اسماء ارتبطت بالاستئثار بالسلطة والثروة والقمع الذي اصبح يمارس ليس ضد الشعب السوداني وانما حتى ضد رفاقهم من الإسلاميين الذين يحاولون الاصلاح وتقديم النصح الامر الذى ادى الى ابتعادهم خوفا وخشية على حياتهم . لقد تخلت الانقاذ رغم ادعاء قادتها التمسك بشعارات اسلامية عن الإسلام بعد توقيع اتفاقية نيفاشا ولكنها تمسكت بشعارات جوفاء من اجل خداع الرأي العام من مؤيديها وتركت مهمة الترويج للخطاب الإسلامي للاسلاميين لمنبر السلام العادل الذى اسسه الخال الرئاسي الذى تحول الى حزب الإسلاميين والمعبر عنهم رغم محاولاتهم انكار وجود اية صلة لهم به ولكن واقع الحال يؤكد ان المنبر مسنود ومدعوم والا لماذا نجح فى اذكاء روح الفرقة التى ادت الى فصل جنوب السودان والى اذكاء الفتن الداخلية في السودان باسم العروبة والإسلام والسكوت الرسمي عن توجهات هذا المنبر. انا لم اكن في يوم من الايام اسلاميا حركيا ولم اصوت لهم ولكن واقع الانقاذ الحالي يخلو من الاسماء التى اعرفها ويعرفها غيرى تماما من الذين عاصروا الإسلاميين بالجامعات وان غيابهم ليس مبرر الاقصاء المتعمد من رفاقهم والا لماذا هاجر رجل في قامة التجاني عبد القادر فكرا وثقافة وعلما؟ من المؤكد ان المذكورة المزعومة هي محاولة لتحريك الرمال ولكن الى اين فهذا هو السؤال الذى من المتوقع ان تجيب عليه ساحة الحركة الإسلامية السودانية متوالية ومعارضة خلال الايام القادمة. فالحكومة من خلال حركتها التى اندمجت فيها وذابت في الدولة تخشى أن تتحول محاولات الاصلاح والنقد الذاتي الداخلي الى تشظي وضعف وهي تعلم اكثر من غيرها ان الحركة الإسلامية التى تحكم انابة عنها تعيش في محنة حقيقية والتاريخ لها بالمرصاد لن يجدي معه الهروب الى الامام او دفن للرؤوس في الرمال فالشعب السوداني اصبح واعيا بحقوقه لن يرحمها وان الفرصة تزال أمامها كبيرة للتراجع ومراجعة النفس قبل وقوع الطواف لان اصحاب المذكرة قد تمايزت صفوفهم من خلال النقد الذاتي وانهم لن يكونوا مسؤولين عن الاخطاء التى ارتكبت باسمهم ومن بينها فصل جنوب السودان وتدويل ازمات السودان. من المهم ان يدرك قادة الحركة الإسلامية ان مكمن الداء في هذا الواقع المزري الذى ادخلوا فيه حركتهم والإسلام أن قادة الحركة وعلى رأسهم الدكتور الترابي قد قبلوا بالوصول إلى السلطة بالسودان عن طريق انقلاب عسكري همه الأول تأمين نفسه في الحكم بكل وسيلة ولذلك نصبوا جهازاً أمنياً كان مسلطاً في البداية لأعداء الثورة الحقيقيين والمتوهمين من جموع الشعب السوداني ولكن هذا الجهاز تحول فيما بعد للتصدي حتى لإخوان الأمس الذين يجهرون بالنقد أوالتجريح لهذا أو ذاك من القياديين الكبار وادى هذا الامر الى تحول النظام إلى سلطة مطلقة ليس بيد اشخاص محددين لا يزيد عددهم عن العشرة في احسن الاحوال لم يجدوا من يوجههم أو يحاسبهم بعدما تم حل الحركة الإسلامية وبعدما تقوى هؤلاء بنفوذ سياسية واذرع امنية وعسكرية. وقاد هذا الواقع الى تأسيس دولة امنية بحتة تغول الامن فيها في كل مجالات السياسية والاقتصادية والإدارية والثقافية وعندما تقوت اكثر استطاعت أن تأكل حتى عرابها وشيخها الكبير الدكتور حسن الترابي وترمي به في المعتقل بدعوى امنية غير منطقية دون أن يطرف لها جفن بل استطاعوا تجريده من كل سلطاته وحتى اتباعه بالتضييق الامني والاقتصادي في مسعى لتحويله لمجرد شيخ دين يلتف حوله عدد من الحواريين البسطاء الذين لا خوف منهم. لقد بدا واضحا ان هناك تململا واسعا ومتزايدا في أوساط الإسلاميين من شباب ومجاهدين وأساتذة جامعات وبرلمانيين سابقين ولكن السؤال المطروح هل سينجح هؤلاء فيما فشل فيه شيخهم خاصة ان اخوانهم في الحكم ليس لديهم بديل يقدمونه لاصحاب المذكرة والتى لن تكون الاخيرة لانهم لن يتخلوا عن السلطة التى ارتبطت بالثروة بعدما تخلوا عن شعار لا لدنيا قد عملنا وتحولوا الى تطبيق شعار التمكين في السلطة والثروة والنفوذ والذى لن يتم الا عبر القبلية والجهوية؟ ومن هنا ضاعت الحركة الإسلامية السودانية وذابت في الحزب الحاكم الذى بدوره ابتلع الدولة ومؤسساتها. الراية