أثار كتاب صدر حديثا عن الشيبة محمد بن عبدالله السالمي أسئلة عمانية كثيرة حول رصد مراحل بعينها في التاريخ العماني. والكتاب الذي يعد أهم كتاب صدر في سلطنة عمان عام 2011 صدر عن دار رياض الريش في بيروت يتحدث عن شخصية المناضل العماني الشيخ محمد بن عبدالله السالمي الذي يعتبره الكثير من كتاب التاريخ أحد أهم الشخصيات المحورية في التاريخ العماني خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي.. والكتاب للدكتور محسن الكندي. المناضل العماني الشيخ محمد بن عبدالله السالمي المناضل العماني الشيخ محمد بن عبدالله السالمي وضم الكتاب الذي جاء في أربعة مجلدات ضخمة أكثر من 500 وثيقة تشكل في مجملها قراءة مختلفة، وموثقة لتلك المرحلة التاريخية الملتبسة في عُمان. ويرى أغلب الباحثين العمانيين في مجال التاريخ إن كتاب الشيبة سيكون فاتحة مهمة لإعادة قراءة تاريخ تلك المرحلة المحرجة بأدوات علمية ومناهج نقدية تاريخية تتواكب والمرحلة التي وصلت إليها علوم التاريخ، وكذلك لمناسبة الكشف عن الكثير من الوثائق الموجودة في الأرشيف البريطاني عن منطقة الخليج العربي. واحتفى الوسط الثقافي العماني بصدور الكتاب، ونظم النادي الثقافي أمسية قدم فيها بعض الباحثين أوراقا نقدية حول الكتاب، والمناهج المستخدمة في كتابته. ويقول الدكتور محسن الكندي في هذا الشأن إن شخصية الشيبة محمد السالمي "شخصية محورية في الثقافة العمانية والتاريخ العماني، لأن شخصيته مرتبطة بالحراك الوطني (السياسي) والفكري (العقدي) لمشروع بات في عهدة التاريخ؛ لأنه ابن نور الدين السالمي الشخصية الاعتبارية الكبيرة في الذهنية العمانية وفي الذهنية العلمية العربية، ولأنه لم يعش على ماضيه المتجلي، بل أضاف إليه من رؤاه ما جعله في مصاف الشخصيات الاعتبارية الكبيرة في ذلك الزمن الصعب . من جانبه يقول الأديب العماني أحمد بن عبدالله الفلاحي لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) واصفا شخصية الشيبة:" كان فطنا عاقلا حكيما لا تستعصي عليه مشكلة وإن تعقدت وصعبت مقاربتها، يعالج الأمور بالحنكة والوسطية والصدق والأمانة، وباللين والشدة، وبالإقناع والصراحة والحزم والصرامة وحتى بالبذل إن رأى أنه لا بد منه ليستقر الأمر". وفي التدليل على ما ذهب إليه الفلاحي الكثير من الأمثلة، والمواقف التي يمتلئ بها الكتاب في أجزائه الأربعة، يمكن أن يرصد منها ما قام به الشيبة في حل المشاكل التي كانت تقف عائقا أمام العمانيين الذاهبين لتأدية مناسك الحج، حيث كانت تثقل كاهلهم الرسوم الجمركية التي كانت تفرض عليهم، إلا أن الشيبة تمكن بحنكته وبعلاقاته الدبلوماسية مع الجانب السعودي إلى إلغاء تلك الرسوم، وفي نفس السياق تمكن من إرجاع "بيت الرباط" حين أستولى عليه المطوّفون عنوة، وقد أبلى في ذلك الشيبة بلاء حسنا، واستعاد بيت الرباط في غضون شهرين بحكم قضائي. من جانبه يرى الباحث محمد بن سعيد الحجري متحدثا عن الكتاب الاستثنائي في المشهد الثقافي العماني "يبرز لدينا في هذا الكتاب ووثائقه مفهوم صانع الحدث و شاهد الحدث و في الحقيقة إن التأريخ لشخصيات بعينها ليس تاريخا شخصياً، إذ لا يبحث الباحثون و لا يكتبون إلا عن شخصيات استثنائية متشعبة الاهتمامات و واسعة العلاقات و قامت بأدوار سياسية أو اجتماعية أو ثقافية محورية أي من يطلق عليهم "صناع الأحداث " أو "صناع التاريخ" أو أنهم في أقل الأحوال "شهود على الأحداث" وصناعة التاريخ، وشهادة التاريخ كلاهما تتجليان في شخصية الشيبة الذي كان منذ بداية العقد الثاني من القرن العشرين و إلى سبعينياته قريباً من صناع الأحداث التاريخية أو أحد صناعها، ويضاف إلى ذلك أيضاً ما عرف عن الشيبة من كتابة التاريخ من خلال كتبه المنشورة وغير المنشورة ومنها "نهضة الأعيان" و "عمان تاريخ يتكلم " و "الناموس في ذكر السلطان قابوس"، إذن الشيبة خلال هذه المرحلة الطويلة من القرن العشرين المنصرم كان صانعاً للتاريخ و شاهداً على التاريخ و كاتبا للتاريخ، و من هنا أيضا تبرز أهمية الوثائق التي رصدها الكتاب عنه".والكتاب بهذا الوصف موسوعة مهمة في تاريخ عمان ليس على مستوى شخصية الشيبة فقط، ولكن على مستوى قراءة الحدث التاريخي في تلك المرحلة. ويرى مؤلف الكتاب الدكتور الكندي أن من بين أبرز ما يعطي شخصية الشيبة أهمية كبرى في التاريخ العماني علاقاته مع مختلف التيارات السياسية والقبلية. مؤكدا أن علاقة الشيبة كانت ممتدة مع السلاطين والشيوخ والرشداء العمانيين، وعرض الكندي في كتابه وثائق تدل على علاقاته مع السلطان سعيد بن تيمور في بداياته الأولى، ولم تقتصر علاقاته فقط مع مؤسسة الإمامة في تلك المرحلة من تاريخ عمان. كما كانت علاقاته ممتدة مساحة إلى أقاصي عمان وآفاقها بدءا من إمارات الساحل ودول الخليج كعلاقاته بال سعود، وآل مكتوم، وآل صباح وأمراء الخليج إلى أقاصي الجزيرة العربية وأقطار الوطن العربي، هذه العلاقات المتناهية شكلت ضربا من ضروب التواصل السياسي والاجتماعي ليس للشيبة وحده بل لعمان، وشكلت ببعديها الخاص والعام خدمة لقضايا الوطن، فاسمه كان حاضرا في كل محفل سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو علمي، وبذلك رسم خارطة طريق تجسد صورة عمان وكان يقدمها الرجل بشخصية اعتبارية فذة قلّ نظيرها . كما ارتبط الشيبة بعلاقات مع العلماء المستشرقين، من أمثال "جورج رانس" و" ملقن " و" وميلر " و "مايلز " ويتحدث الكندي عن أكثر من عشرين رسالة بين جورج رانس و الشيبة ومعروف أن هذا المستشرق صاحب الكتاب الشهير "عمان والساحل الجنوبي للخليج الفارسي". ويرد مؤلف الكتاب على الخطابات التي تحدثت عن أن شخصية الشيبة كانت شخصية إشكالية في التاريخ العماني بالقول "شخصية الشيبة سؤال وليست شخصية جواب" لأن الشيبة رجل مبدأ، ولذلك الاختلاف حوله وارد من قبل الذين يخرجون عن المبدأ، والذين ينظرون إليه من عَلٍ يجدون أن الشيبة صاحب مواقف حاسمة تجاه فعل وطنه السياسي، وقد كان مثار أسئلة لدى الكثيرين، من ضمنها: لماذا رجع الشيبة مبكرا وترك القيادة الإمامية في الدمام وهو جزء لا يتجزأ منها؟ وأيضا:لماذا كانت اتصالات الشيبة متنافرة أحيانا بالسلاطين، وأحيانا بالأئمة؟! وأرى أن هذه الفكرة لا تختلف عما طرح قبله لدى المفكرين العرب ورجالات الإصلاح في الوطن العربي الذين عرفناهم، فهم دائما متصالحون مع الأنظمة والقيادات المصلحون يرون الاتصال بأصحاب القرار من السلاطين والأئمة والملوك والرؤساء جزءا لا يتجزأ من الإصلاح، فلديهم لا يكمن الإصلاح في الاختلاف بقدر ما يكمن في الائتلاف والإرشاد والمواجهة المباشرة والشيبة المصلح كان ينشد من توجهه هذا الإصلاح الماثل في وحدة عمان ورؤيتها مزدهرة متقدمة تتصدر مصاف الأمم واسمها يرجرج في كل المحافل والأرجاء ، كان هذا مطلبه ، وهذا مبدأ كريم وشريف ، ناضل من أجله ، ونذر نفسه وحياته من أجل تحقيقه ، لذلك كانت شخصيته شخصية المصلحين وهي شخصية المبدأ لا محال عنه ، وهي ميزة امتاز بها، وهو دائما مثار سؤال للآخر، وهذا سر وجود الشيبة في ذهنية العمانيين، يعضد كل هذا الشخصية الاجتماعية الحاضرة بكرمها وسخائها وشهامتها". لكن الكندي لا يدعي أنه يقدم قراءة مختلفة عما قدمه الآخرون إلا أنه يرى قراءته جاءت في ظل ما هو متعارف عليه وما هو منجز من التاريخ، "لا أدعي أنني قدمت تاريخا جيدا بقدر ما أقول أنني حاولت تقديم خطاب ثقافي يجسد هذه الشخصية وينصفها مستفيدا مما تعلمته من مناهج البحث العلمي، ومن رؤى التعامل مع المخطوطات، والمادة المروية، فربما ميزة هذا الكتاب هو استفادته من كل هذه العلوم وهذه هي الرؤية التي أؤمن بها." لكنه يستدرك بالقول أن الكتاب كشف عن مجموعة من الحقائق الجديدة كأي بحث جديد، لأن المخطوطات فيه لم تكن معروفة من قبل، فقد كانت غائبة، والآن أصبحت مقروءة، وبالتالي فإن ما يوجد بها من معلومات تعتبر جديدة، تصدم أحيانا وتوجع أحيانا أخرى، وهذا هو شأن الحقيقة في كل حين فهي تبنى على عنصر الدهشة، وقيمة الكتاب بما يثيره من دهشة في قارئه". رغم كل هذا وذاك فإن الكتاب يعد بداية لمرحلة تأليفية جديدة في عمان ستركز على مرحلة مسكوت عنها تماما في التاريخ العماني وهي مرحلة حرب الجبل الأخضر نهاية خمسينيات وستينيات القرن الماضي. هدهد