تاريخيا وفنيا ...وغنائيا ليس هناك فنان قدم ما قدمه الفنان الكبير محمد وردي ..هو الفنان الأول في السودان على مدى تاريخ الغناء في السودان. مطلقا هو الفنان الأول. هذه حقيقة لا تقبل إضافة او طرح ...نتيجة نهائية. هذه حقيقة لا جدال حولها ...ولا اختلاف ...مثبتة ومتفق عليها من كل الأطراف ...حتى الذين لا يحبون وردي ويختلفون معه ذوقيا. نحن أمام حقيقة ثابتة لا تقبل حتى النقاش. محمد وردي هو الأول. قد يكون فنانك المفضل هو محمد الأمين أو مصطفى سيد أحمد أو أي فنان آخر ...لكن إذا سئلت عن الفنان الأول في السودان فهو من دون شك (محمد وردي). وردي فنان يمثل (السبق الفني) لكل الفنانين ... يسبق الجميع في الصوت .. وفى الكلمات .. وفي الألحان. وردي يتقدم ... ليس الفنانين فقط ... بل يتقدم حتى على عصره... يمضى بعيدا بإبداعه وروائعه الغنائية الخالدة. بعده بعشر سنوات ضوئية يمكن أن يأتي فنان آخر. ولا عجب في ذلك إذا كان الفنان محمد وردي هو فنان إفريقيا الأول...وأظن أن من كان أولا لإفريقيا من اليسر والسهولة أن يكون هو بدون منازع فنان السودان الأول. أغنيات وردي تحوم بين الناس مثل (الفراشات) ...هي جزء من تركيبتنا الشخصية. تجوب عواطفنا ووجدانياتنا بحرية تامة ...بفرح مطلق. في بطاقة أي شخص سوداني ...أسمر أو أخضر أو أسود ...عيونه نعسانة ... وقامته مربوعة ... توجد خانة يملأها وردي عندما يكون السؤال عن الفنان المفضل. الاسم: عباس. العمر: 63 عاما. المهنة: تاجر. الهواية: كرة القدم. الفنان المفضل: محمد وردي. .... الاسم: إيمان. العمر: ص27 سنة. المهنة : طبيبة. الهواية : القراءة. الفنان المفضل : محمد وردي. ..... الاسم : أحمد. العمر : 16 سنة. المهنة : طالب. الهواية : الاطلاع. الفنان المفضل : محمد وردي. .... الخ.......... نحن كلنا شركاء في (وردي). هكذا هى بطاقاتنا الشخصية يوجد فيها الفنان (محمد وردي) بصورة ثابتة ورسمية... حتى أننا نطالب من إدارة الجوازات والجنسية من وضع (محمد وردي) مسبقا في البطاقة أو الجنسية أو جواز السفر. هذا هو محمد وردي. هو مثل الرقم الوطنى. أو هو الرقم الفني ...الذي لا يمكن أن يتجاوزه. بعضنا يحمل ملامحه هكذا ...(لو بهمسة)...أو (الحزن القديم)...او (الود)...او (المستحيل)...او (الطير المهاجر). شبهنا هكذا ...(لو بيدي كنت طوعت الليالي). من منكم يستطيع أن يهرب من (بعد ايه)...او (عذبني). هذه أغنيات نحملها في تكويننا الفكري والشخصي. كانت وما زالت أغنيات الفنان محمد وردي (شاهدا) على كل تحركاتنا العاطفية.... شاهدة على مغامراتنا ...وتمرداتنا ...زعلنا ...وفرحنا ...وكل اشتباكتنا الوجدانية. هو وردي. كان معنا في (مرتع) صبانا ...وملاعب طفولتنا ...(القمر بوبا)...وكان بيننا في أدراج الطلاب (بقابلك)..كانت مقاطع أغنياته في كل دفاتر طلاب الجامعات .. وفي حيط وأبواب بيوت العزابة. في الأغلفة ...والأفئدة .....(لو ترسل لي سلامك قول أحبك). هذا وردي بكل هذا الشيوع ...يتوسط كل أشيائنا ...ويتحكر سلطانا في وجدانياتنا. عاكسنا بأغنياته... وشغال غيرنا بكلماته ...وكنا في كل ونساتنا وأسمارنا ... وجدلنا العاطفي شاهدا علينا. محمد وردي هو ليس فنان عادي... ولا هو فقط يتصدر قائمتنا الغنائية كما تتصدر أم كلثوم القائمة المصرية... وكاظم الساهر القائمة العراقية. وردي يسبقهم جميعا في المحبة وفي التاريخ الغنائي الحافل. وردي نسيج وحده.... هرم فني ... شيء غير معقول... وغير ممكن. هو غير متاح حتى لتعليقاتنا.. وكتاباتنا. هو أكبر من ذلك... هو أبعد. وردي رحل... ندفن قلوبنا الآن.