بالكاد يستطيع المصري التعرّف على بلاده اليوم التي تسودها الفوضى والجريمة، فالإنفلات الأمني يعكس قسوة لم تكن معهودة في مصر الآمنة سابقاً، الأمر الذي يجعل الكثير من المصريين يصبون جام غضبهم على المجلس العسكري الذي ترك الشوارع للمجرمين، كعقاب للمصريين على ثورتهم. تعكس التقارير الواردة من القاهرة قسوة وعنف غير مسبوقين، فامرأة قتلت بالرصاص في حي راقي بالقاهرة، وسلسلة حوادث لسرقة السيارات، وأعمال شغب مميتة في مباراة لكرة القدم، إلى جانب انتشار الأسلحة في أيدي العصابات بسهولة، وكل هذه الأحداث برزت خلال العام الماضي منذ اندلاع الثورة. وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة "لوس انجلوس تايمز" انه على الرغم من تواجد بعض رجال الشرطة في الشوارع، إلا ان الناس لا يشعرون بالأمان، وقد عاد رجال الشرطة إلى عملهم بعد شهور من العرقلة، غير أن وجودهم غير مقنع فهم يظهرون ويختفون بسرعة، الأمر الذي دفع الكثير من الناس للتساؤل عما إذا كانت الشرطة راضية أو متواطئة في الفوضى التي تعم البلاد. ونقلت الصحيفة عن طارق فؤاد، مدير مبيعات بشركة دولية قوله: "هذه هي مصر التي لا أعرفها"، مشيراً إلى أن الكثيرين من أقاربه يشاطرونه الرأي خلال جنازة لأحد أصدقائه الذي توفى بعيار ناري خلال سرقة سيارته بأحد ضواحي القاهرة الراقية". وأضاف: "السيارة التي كان يقودها ليست فخمة، لكنهم قتلوه ليحصلوا عليها. ظللنا نسمع عن مثل هذه الجرائم في الأخبار، لكن الآن الهم مشترك.. تجري عمليات سطو على البنوك، وهو أمر رأيناه فقط في أفلام هوليوود ولم نتصور أنه يمكن أن يحدث في مصر". وتشير بعض الاحصاءات الموثوقة التي إلى ارتفاع الجريمة على الصعيد الوطني في مصر. وذكرت صحيفة "الأهرام" التابعة للدولة ان هناك قفزة غير مسبوقة في جرائم العنف في عام 2011، معظمها بسبب الفارين من السجن وعدم وجود الشرطة. وقالت الصحيفة، التي لم تقدم أي أرقام للمقارنة، انه كان هناك 2774 عملية قتل و2229 عملية خطف في العام الماضي. وقالت وزارة الداخلية مؤخرا أن معدلات الجريمة قد بدأت في الانخفاض. وأوضحت الصحيفة، إن مصر كانت أكثر أمناً من العديد من الدول الغربية، لكن الصور الأخيرة حوّلت نشرات الأخبار المسائية إلى فهرس للجنايات والجنازات، وغذت الأسلحة المهربة من ليبيا، والسودان هذه الجرائم، الأمر الذي أدى إلى خلافات قبلية جنوب مصر امتدت إلى العاصمة حيث أصيبت نرمين جمعة خليل، مستشارة في منظمة الأممالمتحدة، بطلقات نارية من سيارة متحركة أدت إلى وفاتها. وكان الانقلات الأمني السبب وراء عمليات خطف وجيزة هذا الشهر لسياح أميركيين ومن كوريا الجنوبية في شبه جزيرة سيناء على أيدي رجال قبائل البدو. وبدت الشرطة المصرية وكأنها مذهولة بسبب هذا التوع من أعمال الخروج عن القانون، لا سيما وأن ارتفاع حدة العنف في أحياء المدينة أدى إلى تراجع سلطة رجال الشرطة وهيبتهم. وقال محمد رضوان، صاحب محل لبيع الهدايا في القاهرة انه "بعد سنوات عديدة من الإحباط المالي في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، هناك فئة معينة من الناس على استعداد لفعل أي شيء للحصول على مزيد من المال، حتى لو كان ذلك يعني قتل الناس وسرقتها". وقال إن عدم الاستقرار السياسي وأشهر من الاشتباكات الدامية بين المتظاهرين وقوات الأمن المدعومة من الجيش "أعطت البلطجية شعوراً بأن السلطات مشغولة في الأمور السياسية ولن تلاحق اللصوص أو تعمل على توفير الأمن". وفي الوقت الذي يخضع فيه مبارك للمحاكمة بتهمة القتل، يرفض المجلس العسكري الحاكم التنحي قبل أن يتم انتخاب الرئيس فى أيار/مايو او حزيران/يونيو، الأمر الذي يترك البرلمان المنتخب حديثاً، والذي يهيمن عليه الاسلاميون، مع سلطة ضئيلة للغاية. وتلاشى حماس الأيام الأولى للثورة في ظل وعود لم تتحقق، وباتت مصر دولة تتحول من كرنفال حزين إلى ساحة معركة، سواء في مدن دلتا النيل أوالقرى في عمق الصحراء في الجنوب. وجلبت الجريمة والاضطرابات نوعاً غريباً من المساواة بين المصريين. فالفقير يتشارك المخاوف ذاتها مع الغني الذي يملك حسابات مصرفية كبيرة ومنازل أكبر وأجمل. "لقد اعتدنا على السطو والهجمات والاعتداءات في أحيائنا الفقيرة"، قالت سعاد محمود، وهي بائعة متجولة في القاهرة، مضيفة: "لكن الآن بتنا نرى ذلك في كل مكان، سرقة سيارات وقتل الناس من أجل المال، وكل هذا يحدث في الأماكن التي كانت تعتبر الأكثر أماناً في مصر". وفي مقال في صحيفة "الأهرام" المصرية، كتب المحلل والكاتب عبد المنعم سعيد متسائلاً عن اضطرابات العام الماضي: "عند وصولك إلى مطار القاهرة الدولي، واحدة من أول الأشياء التي تراها هي نصيحة باراك أوباما إلى الشباب الأميركي للتعلم من الشباب المصري الذي خاض الثورة الأكثر نجاحا في العالم. هل هذه الكلمات ما زالت سارية؟". وأضاف: "من المؤكد أنها تفقد بريقها عندما ترى الغوغاء في مهاجمة وقتل الناس، وعندما يتم عرقلة الطرق والسكك الحديدية، وعندما يتم قطع الأذان وإحراق الكنائس، وسرقة البنوك ومحلات الصرافة، وحتى اقتحام المحطات النووية، وعندما ينهار الأمن وتتسرب احتياطيات العملة الوطنية من بين أصابعنا، عندما نشهد مجزرة كلما تحين اللحظة لاقتصادنا الوطني للانتعاش". وختم الكاتب المصري: "الثورة المصرية نجحت، لكن الأمة فشلت". ايلاف