كنت أتوسط مجموعة من النساء في إحدى المناسبات..وفي أثناء الحديث جاءت سيرة تلك الحادثة التي حدثت قبل عقدين من الزمان..فطلبت من إحداهن أن تحكي لنا الحكاية بالتفصيل... مع العلم أن سؤالي لها باعتبار أن لدي خلفية بأنها قد كانت شاهد عيان على تلك الحادثة، وإحاطتها دون غيرها من النسوة بالتفاصيل..فأصابتني بالدهشة عندما قالت لنا:(والله ياجماعة زيي زيكم سمعت بالحادثة دي) فتعمدت أن أرافقها بعد انتهاء المناسبة..وفي أثناء عودتنا إلى المنزل أردت أن انتزع منها الحقيقة التي تخفيها..والأهم من ذلك أن تبرر لي أنها إدعت (السمع) وأنكرت (الشوف)..وعندها أجابتني على إستحياء:(لم أقصد الكذب..وأنكرت الشوف نسبة لإخفاء عامل السن)...(ورغم إطلالة الكبر إلا أنك تبدين ابنة العشرين) بهذه الكلمات قطعت هواجس توجساتها لطمأنتها أنها ما زالت في حيويتها.. (1) (عمرك كم؟)...هذا هو السؤال الذي يقتل المرأة. وهذا هو الخط الأحمر الذي يستوجب أن تقف عنده وحتى أن تجاوزته فإنها لا تبوح به لأحد ولو أقرب الناس إليها..سألتها عن سر الألوان الزاهية..فأجابت بشفافيتها المعهودة بأنها (لاتريد أن تغادر قطار الشباب)..وبنفس الشفافية تقول: لا أسمح لأحد بسؤالي هذا السؤال(دايرين بي عمري شنو؟)..وأضافت قائلة:عندما أقف أمام المرآة لأسأل نفسي هل كبرت وسرعان ما أطمئنها (لا) مجرد إرهاق سرعان ما يزول. (2) عمر الأمين يقول: من المعروف أن المرأة تضيف سنة إلى عمرها كل عام حتى تبلغ الخامسة والعشرين وتعترف بالثلاثين كأقصى تقدير، ومن ثم تبدأ كل عام بإنقاص سنة من عمرها...ويتساءل عمر:لماذا تريد حواء أن تظل صغيرة إلى الأبد؟ ويشاركنا حسن طه الحديث قائلة: تلجأ حواء لإخفاء سنها لأن الجمال مرتبط في ذهنها بسن الشباب. (3) محمد وعمر أخوان يمتلكان محلا لبيع مستحضرات التجميل..محمد يقول: من المعروف أن المرأة بطبيعتها ثرثارة و(لا تبل الفولة في حلقها) ولكن السر الوحيد الذي تستطيع أن تحتفظ به هو عمرها..ولهذا السبب بحثت حواء عن ما يحفظ لها شبابها النضير..وبحثت في محلات العطارة والصيدليات ومراكز التجميل عن كل ما يمكن أن تخفي به آثار الزمن لجأت السيدات إلى ما يحفظ شبابهن ولهذا السبب أيضاً اخترعت (الخلطات المنزلية) التي هي عبارة عن ماسكات وكريمات تصنعها من الفواكه والخضروات، التي تطورت فيما بعد إلى (محلات العطارة) لتخفي به المرأة آثار الزمن، ثم كان من حسن حظ حواء أن تطور الماكياج نفسه مع الزمن فأصبحت هناك مراكز تجميل وعمليات لشد الوجه وإزالة التجاعيد، وفي (غضون) ساعات تزيل المرأة (غضون) الزمن. ويضيف عمر: نحن هنا في المحل نحاول إرضاء الصغيرة والكبيرة وإعطائها ما يناسبها من المستحضرات..ونراعي ظروف العندها والما عندها..فنتبع في البيع سياسة قدر ظروفك..وسياسة (دفتر الجرورة) بالنسبة للزبونات. (4) ومثلما المرأة لها خطوطها الحمراء، فالرجال كذلك لديهم خط احمر قانٍ وهو (الجيب)، فما أن يسأل الرجل عن راتبه يتوقف عن الكلام وتبدأ ملامح الغضب تظهر على وجهه، فالسؤال عن الراتب يعد من أكثر الأسئلة غير المرغوب فيها لدى معظم الرجال. ومقابل كل امرأة رجل غامض يخفي قيمة (راتبه) الحقيقي.. قد يعترف الرجل بقصة حبه الاول لزوجته، لكنه لا يفصح اطلاقا عن راتبه الحقيقي لها، بهذا يستهل (عمر محجوب) حديثه فهو من شريحة الرجال الذين يتكتمون على رواتبهم ليس عن زوجاتهم فحسب بل وأهلهم وزملائهم وأصدقائهم كما يقول تجنبا لطمع الطامعين، اذ يعتقد أن هذا من حقه ويقع ضمن ادق أسراره التي لا يريد أن يخترقها الآخرون حتى لو كانوا افراد اسرته، (أ.م) يقول:السبب الرئيسي لإخفاء الراتب عن الزوجة خوفاً من زيادة الطلبات..فمثلاً يمكنني أن أقول لها أن راتبي خمسمائة وهو في الحقيقة ألف.ويضيف: أتذكر إني قرأت لأحد القدماء مقولة مفادها:لا تخبر زوجتك بمالك، فإن كان كثيرا أهلكتك وإن كان قليلا احتقرتك.أما بالنسبة ل(ج.أ) فيقول: زوجتي تعلم بأن راتبي هو سبعمائة جنيه وهذه حقيقة..ولكن ما لا تعلمه أن لديه مصدر دخل آخر بسيطا. (5) إلى ما سبق يضيف (أ.م) "أخفي راتبي عن الناس.لأن بعضهم يلجأ إليك لطلب (الدين)..لذلك فإنني أفضل التكتم على راتبي حتى يبقى لي مجال للاعتذار ووضع الحجج بأن الراتب لا يكفيني وأولادي.إضافة لخوفي من الحسد أو لخوفي من إحداث مشاكل في العمل.. والأمر يختلف عند محمد المزمل فإنه يبرر إخفاء قيمة راتبه لأنه يساعد أهله بمبلغ من المال. (6) بينما على النقيض تماماً يبادر(عصام عبد الله) للقول بأنه يطلع زوجته على راتبه لترتب نفسها وفق ميزانيتي ولا ترهقني بالطلبات..مؤكداً أن الزواج شراكة عمر ومن حق الزوجة أن تعرف دخل زوجها حتى يتعاونا سويا في تدبير امور الحياة، ولا يجد في ذلك ما يخدش رجولته من قريب أو بعيد... وأضاف: أعرف رجالاً لا يحسنون تصريف أمورهم المادية..وتقوم الزوجة بتصريف الشؤون المالية بكل اقتدار. (7) معزة الفاضل المشرفة النفسية والاجتماعية تقول: لماذا تخفي المرأة عمرها الحقيقي؟ سؤال طالما حير الرجل..ولم يوفق في إيجاد العذر المناسب له .. بل كان ولا زال يتهم المرأة بالكذب ولكن الذي خفي عن الرجل .. إن المرأة لا تتعمد الكذب حول سنها .. بل تحاول الهروب من واقع فرضته عليها الثقافة الاجتماعية .. التي ربطت بين المرأة و(الخصوبة) وما تحمله من معاني الأنوثة والشباب والحيوية والإنجاب فالرجل هو المسؤول الأول عن أمر إخفاء المرأة لعمرها الحقيقي .. فهو ومهما تقدمت به السنون .. يبحث دائماً عن المرأة الأكثر شباباً لإشباع احتياجاته .. مما يدفع المرأة .. لأن تدلل على نفسها .. وتقول إنها لازالت صغيرة في السن لكي تبقى مطلوبة ومرغوبة ومعظم الرجال كثيراً ما يظهرون نفوراً أو إعراضاً عن المرأة المتقدمة في السن. وأضافت معزة: كما أن هناك ضغوطاً نفسية واجتماعية تمارس ضد المرأة وخاصة تسمية سنها المتقدمة (بسن اليأس) والرجال هم جزء من المنظومة الاجتماعية التي تدفع المرأة لذلك...وتضيف: راتب الرجل كذلك من أعمق الأسرار الدفينة..بل ويكاد يكون إخفاؤه عن الزوجات (مبدأ) عند الرجال وهناك من يعترف بأنه يحرص على كتمانه بمبررات مختلفة. كما ذكرها الرجال أعلاه عند استطلاعهم. السوداني