بقدر ما سعدتُ وأنا أشاهد حلقة جديدة متميِّزة الإعداد والإخراج من برنامج (في ساحات الفداء) بعد نشرة أنباء العاشرة مساء يوم السبت الماضي بتلفزيون السودان بقدر ما حزنتُ أن عدداً قليلاً ومحدوداً من الجمهور قد شاهد الشهيد علي عبد الفتاح وهو يصول ويجول ويتبختر بين إخوانه المجاهدين (يدوِّن) مزمجراً بلهيب القصيد ليُحيل بشعره الذي كان يدوِّي وينزل على مسامع صحبه كالدانات.. أقول ليحيل أولئك المجاهدين إلى قنابل متفجرة أو شاهد الشهيد معاوية سكران الجنة قاهر الدبابات أو شاهد الشهيد معز عبادي بعينه الوحيدة بعد أن سبقته الأخرى إلى الجنة أو رأى شهداء الميل أربعين الذين خاضوا إحدى أعظم المعارك في تاريخ البشرية.. نعم في تاريخ البشرية.. إنها الملحمة التي فات على العالم أن يوثقها كما ينبغي وقد وثق الخواجات معارك الحرب العالمية الثانية وخلّدوا بها قياداتهم العسكرية بالرغم من أنهم لم يفعلوا معشار ما فعله أولئك الفتية الأطهار الذين عشقوا الشهادة ولاحقوها بأكثر مما تلاحق الأمُّ الولهى طفلَها الوحيد وهو يُشرف على الغرق. أقول إنني حزنتُ أن عدداً قليلاً من الناس قد شاهد تلك الحلقة وسابقاتها التي تُقدَّم مساء كل سبت.. ففي أيامنا كان تلفزيون السودان وتلفزيون ولاية الخرطوم والتلفزيونات الولائية جميعها تجتمع على برامج محددة من بينها برنامج (في ساحات الفداء) ونشرات الساعة العاشرة مساء وكان ذلك يتم بتنسيق حيث كنا نجمع وزراء الشؤون الاجتماعية والثقافية في الولايات لنتفق على خريطة برامجية موحّدة تترك الحرية للولايات في معظم اليوم لكن ذلك البرنامج الجهادي كان ممّا يُجمع عليه كل الإعلام التلفزيوني حتى على مستوى المحليات.. كنا نبشِّر بأن الإعلام هو أحد أهم مُمسكات الوحدة الوطنية وبالتالي ينبغي لكل تلفزيونات السودان أن تجتمع على النشرة القومية حتى يعلم سكان كسلا وسنار والفاشر وغيرها أنهم جزء من السودان ويشاهدوا نشاط الحكومة المركزية والولايات الأخرى.. أما اليوم فقد يمر الشهر والشهران والسنة ولا يشاهد سكان السودان حتى في الخرطوم نشرة تلفزيون السودان بسبب تعدد القنوات التي تجد بعضها يعرض مسلسلاً أو برنامج منوعات في نفس الوقت الذي يبث فيه التلفزيون القومي نشرة أخباره فما الذي يوحِّد ويجمع شعب السودان الذي انكفأ نحو الولاءات الصغيرة مهملاً الولاءات الكبرى بسبب ضعف القبضة المركزية التي تراخت كثيراً جراء الحكم الفيدرالي بشكله الكارثي الحالي؟! أذكر أن الأخوين عبد الدافع الخطيب وكيل وزارة الإعلام وحسن فضل المولى مدير قناة النيل الأزرق قد زاراني في منزلي منذ نحو ست سنوات فسألتهما عمّا إذا كانا يمانعان في أن تتوحد قناة النيل الأزرق مع التلفزيون القومي في نشرة الأخبار الرئيسة فقال لي الأخ حسن إنه لا يمانع البتة ثم أخبرت الأخ الزهاوي إبراهيم مالك الذي كان وزيراً للإعلام بذلك الاقتراح وأعلنتُ استعدادي أن أكون جزءاً من لجنة من القنوات الفضائية والتلفزيونات لتنظر في هذا الأمر وترتبه بما يعيد للإعلام دوره الرسالي كأحد مُمسكات الوحدة الوطنية. الجديد هو أن برنامج (في ساحات الفداء) قد عاد إلى شاشة التلفزيون القومي ونحمد الله أننا قد أعدناه صفحة أسبوعية في (الإنتباهة) قبل أن يعود إلى التلفزيون القومي وأظن أن الوقت ملائم لأن تتوحد قنوات النيل الأزرق والشروق وولاية الخرطوم مع التلفزيون القومي في نشرة أخبار العاشرة وبرنامج (في ساحات الفداء) وأن تتوحد التلفزيونات الولائية جميعاً على ذلك البرنامج التعبوي الذي لن يؤتي أكله ويحقِّق الهدف المنشود ما لم يُشاهَد بذات الصورة التي كان يُشاهَد بها قديماً. أقول هذا الكلام بين يدي نفرة الدفاع الشعبي التي أعلن عنها الرئيس يوم السبت الماضي والتي طلب فيها من كل الولايات أن تستنفر شبابها وترفد الدفاع الشعبي بلواء كامل وما من وسيلة فعّالة لتحقيق هذا الهدف أعظم من هذا البرنامج التعبوي الجهادي الذي ينبغي أن يعود سيرته الأولى بذات القوة ونحمد الله أن إسحق أحمد فضل الله لا يزال ممسكاً بقلمه وسنانه وأن كتيبة البرنامج لا تزال مرابطة ويمكن لمن ألقوا السلاح وأخلدوا إلى ردهات المجلس الوطني أن يعودوا من جديد فالظرف الراهن أشد حاجة إلى مجاهداتهم فقديماً كنا نقاتل في أحراش الجنوب وكان جهادنا جهاد طلب أما اليوم فإنه جهاد دفع نحمي به دار الإسلام التي يتربّص بها المغول الجدد بعد أن أعلنوا عن مشروعهم العنصري الاستئصالي وبعد أن احتفظوا باسم حركتهم القديم حتى بعد أن انفصل الجنوب (تحرير السودان) فما من سودان غير سوداننا هذا يسعى هؤلاء الأنجاس لتحريره منا فهلاّ حررنا أرضنا ثم حطّمنا حكومة الجنوب عملاً بشعار أن تحرير كاودا يمر عبر تحرير جوبا!! إنها دعوة لاستكمال الاستنفار الذي دعا إليه الرئيس فهلاّ سمع الرئيس كلامي هذه المرة ودعا إلى توحيد القنوات الفضائية وحشدها خلف ذلك البرنامج الجهادي وهلاّ زدنا من وقته لتحقيق الأهداف المنشودة!! الطيب مصطفى