لم يجد الغالبية من السودانيين وسيلة تقيهم لسعات البعوض وحمى الملاريا سوى الاحتماء داخل الناموسيات (بيوت الخيط) وهي غرف قماش معروفة تنصب في كل مساء فوق الأسرّة والعناقريب , وعندما يحزم النهار ضوءه في حقائب الرحيل يهبط الظلام ومعه أفواج الناموس وجيش البعوض مدجج بالخطر , لذا تجد الكثيرين في أطراف المدن والمناطق الريفية والزراعية يشرعون فوراً في نصب الناموسيات لحمياتهم من لسعات البعوض وإزعاجه المتواصل طوال الليل .. وبالاضافة إلى الأمان الذي توفره (الناموسية) للفرد والبُعد الجمالي الذي تضيفه إلى السرير فإنها تقوم بعملية الوقاية وتبعد خطر المرض عن المواطنين. ورغم ذلك يعتقد البعض بأنها واهية وليس لها القدرة على (قبض) البعوض والفيل أيضا. والناموسيات التي تنسج من الخيوط والقماش في بعض الأحيان نجحت في دحر الملاريا وداء الفيل وصد الكثير من الامراض المعدية والمنقولة مثل الحمى الصفراء , والحميات النازفة والليشمانيا. وعلى الرغم من التطورات التي صاحبت مشاريع وبرامج مكافحة الملاريات الا أن هذه الوسيلة القديمة تشكل خط الدفاع الأول طوال هذه الحقب والمراحل. ويعود استخدام الناموسيات إلى القرن السادس قبل الميلاد وذلك لحماية الناس من إزعاج البعوض المتواصل طوال الليل بالاضافة إلى الحشرات الاخرى التي تسقط ليلا. وبعد الحرب العالمية الثانية تم معالجة الناموسيات بمادة (ب. د. د. ت) في عام 1950م , ولكن عند مطلع الثمانينيات أُعيدت عملية التشبع للناموسيات التقليدية, ولكن السودانيين عرفوا الناموسيات من قديم الزمان وظلوا يستخدمونها للحماية من البعوض المسبب الناقل الاساسي لمرض الملاريا , ولم يخل بيت سوداني خاصة في الريف والقرى من الناموسيات التي يتم صناعتها في الغالب من الاقمشة البلدية قبل أن التطور الذي أصابها حديثا... وأثبتت التجارب العلمية بأن الناموسيات بنوعيها الحديث والتقليدي من أفضل الطرق الفعالة للوقاية من الاصابة بالملاريا أي ما يقدر ب (50%) ..ولم تق الناموسيات من الملارية فقط وإنما تقي أيضا من الكثير من الامراض المعدية والمنقولة بواسطة النواقل مثل ذبابة التسيتيسي والذبابة الرملية وبقية الحشرات الطائرة الاخرى.. والناموسيات لها أشكال وأنواع متعددة منتشرة داخل البيوت والحيشان منها الناموسية المستطيلة وهذا النوع الأكثر انتشاراً وأفضلها من الناحية العلمية لأنها تقوم بتغطية السرير واللحاف بأريحية , وهنالك النوع المخروط (الهرمي) وهذا النوع يعلق على دعامة أو عمود في قمة الغرفة أو القطية , وهنالك الناموسية الوتدية ودائما ما يستخدمها الشخص الذي يلتحف الارض , وأخيرا الناموسية ذات الدعامات وهي من ذوات الأحجام الصغيرة والتي تستخدم لحماية الاطفال الصغار والرضع ..وفي الفترة الاخيرة حلت الناموسيات المشبعة محل التقليدية بفضل استراتيجية برنامج مكافحة الملاريا المعتمد من قبل البرنامج العالمي لمكافحة الملاريا. والناموسيات إحدى وسائل المكافحة الشخصية التي لعبت دورا كبيرا في حماية الاطفال دون الخامسة والنساء الحوامل لأنها تمنع العدوى بنسبة (80%) كما أنها تشكل حماية وأمناً للبيئة وتقي التلوث, كما أن الناموسيات المشبعة لا تحمي الفئات المستهدفة، وإنما تحمي أيضا الاشخاص الذين ينامون بالقرب منهم ..أما الناموسيات التقليدية التي بدأت في الاندثار فإنها تقوم بنفس الدور تقريبا رغم بدائية صناعتها.. الاحداث