حيكت الكثير من الألغاز والشائعات حول الباحثة والمستكشفة البريطانية جيرترود بيل، فالبعض رأى فيها جاسوسة والآخر مغامرة. لكن تمثالها المفقود شكل صلب العديد من المراسلات بين الحكومتين البريطانية والعراقية. أحبّت بيل الشرق والسلطة وصناعة الزعماء، حتى غدت مفتاح الحصول لكل طالب حقيبة وزارية في عراق ما بعد الحرب العالمية الأولى. ورأى بعض المختصين أنها كانت وراء تنصيب الملك فيصل الأول ملكاً على بلاد وادي الرافدين، رداً لجميلها أمر الملك نحاتين إيطاليين بصنع تمثال لها غاية في الاتقان، على غرار التمثال النصفي الذي صنعوه له. وقد أصبح هذا التمثال موضع مراسلات عديدة بين الدولة العراقية ودوائر الآثار، بعد أن عجزت الجهات البريطانية عن العثور عليه إثر احتلال العراق عام 2003. اختارها تشرشل لتحديد مصير "الهلال الخصيب" ولدت جيرترود بيل عام 1868م، وكانت محبة للأدب والتاريخ والآثار، وخصوصاً بلدان الحضارات الأولى في الشرق الأوسط. تعلمت اللغة العربية والفارسية، وانشغلت بين الأعوام 1899 – 1914 بزيارات عديدة لإيران وللمناطق العربية. وبعد قرار تقسيم إرث الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، اختارها تشرشل من بين 39 شخصية لتحديد مصير مناطق الهلال الخصيب، ما يدلّ على أهميتها بالنسبة للتاج البريطاني ومعرفتها بهذه المناطق، التي ألفت كتباً عنها مثلما ترجمت ديوان حافظ شيرازي من الفارسية إلى الإنكليزية. وكان تمثال المس بيل موجوداً في متحف الآثار الوطني، الذي تأسس بمبادرة وسعي دؤوب منها. وحين افتتح (متحف ثورة العشرين) في النجف أرسل إلى هناك باعتباره جزء من الإرث الإنجليزي الذي ثارت ضده العشائر احتجاجاً على الاحتلال؛ لكنه اختفى من متحف المحافظة بعد أحداث عام 1991، وانسحاب الجيش العراقي من الكويت والانتفاضة التي تلت، ليعاد فتح ملفه من قبل القوات البريطانية بعد احتلال العراق عام 2003. اهتمام بريطانيا والعراق يؤكد المعنيون بالأمر أنها قضية سياسية بحت، لأن هناك ما هو أعظم أثراً وأكثر خطراً في المفقودات من تمثال برونزي لمس بيل (وثائق ثورة العشرين) التي تعتبر من أهم الوثائق الشعبية والوطنية التي أرّخت لقتال العراقيين ضد الاستعمار البريطاني والتي فقدت في ظروف غامضة. أما اتصالات "العربية.نت" مع المعنيين بشؤون التراث والنحاتين ورجال الآثار، فخلصت إلى أن التمثال صنعه نحات إيطالي هو نفسه الذي صنع تمثال (الملك فيصل الأول)، وقد تم استعادت التمثالين بينما كان تجار الأعمال الفنية في السوق السوداء، يهمون بتهريبهما إلى إحدى بلدان الجوار في فترة التسعينيات، واختفى أي أثر لهما في بغداد. كما برزت رواية جديدة تفيد أن التمثال أعيد إلى (المتحف الوطني)، ولأنه لا يحمل أي (بطاقة إدخال) فربما اختلط مع آلاف القطع الأثرية المحفوظة في أقبية المتحف وخزائنه العديدة من دون أن ينتبه إليه أحد. ومازالت الدوائر الأثرية مشغولة ولم تتوصل إلى أي خيط يوصلها إليه حتى الآن. في المقابل يفيد البعض أن البريطانيين وبعد انسحابهم، كلفوا أشخاصاً وعدوهم بمبالغ مجزية في حالة العثور عليه وإيصاله إلى السفارة البريطانية في العراق، أو إلى إحدى بلدان الجوار.