يبدو ان التوصل لخارطة طريق سلمية بين السودان وجنوب السودان بشأن الاوضاع الراهنة اضحى امرا يصعب التوصل اليه فى ظل وجود اكثر من نافذة للفصل فى جدلية الصراع الدائر بين الطرفين منذ اعلان انفصال الجنوب عن الشمال فى التاسع من يوليو من العام الماضى حتى الاعتداء مؤخرا من قبل دولة الجنوب على هجليج والتى حدثت بشأنها مشادات عديدة تعلقت بامر حسم الصراع بين الدولتين فى وقت عمدت فيه الاممالمتحدة الى تحويل الملف لمجلس الامن الدولى الا ان الخرطوم رفضت وبشدة هذا الاتجاه معلنة فى نفس الوقت تمسكها بالجهود الافريقية لحل الأزمة. ورغما عن تحذيرات الخبراء السياسيين للخرطوم من مغبة عناد مجلس الامن الدولى غير انها وافقت على قبول الخارطة الافريقية التى اقرها مجلس السلم والامن الافريقى لحسم الجدل الدائر بين الخرطوموجوبا بشأن ما طرأ من تعقيدات سياسية وعسكرية ادت الى مواجهات ساخنة بين البلدين . موافقة الحكومة على خارطة الطريق الافريقية التى تعمل على حث الطرفين بسحب قواتهما من مناطق النزاع بعد 48 ساعة من الموافقة عليها، يشير وفقا لمراقبين ان رياح الحل السلمى ربما اتت عبر هذه الخارطة الا ان هنالك من يشير الى استحالة ان تأتى الخارطة الجديدة بالحل المنشود فى وقت ما زالت فيه الاتهامات تسيطر على مناخ التعامل بين الطرفين، مشيرين الى ان بيان الخارجية الذى بعثه كرتي الى جان بينق رئيس المفوضية الافريقية ادرج حالات الاعتداء المتكرر لجنوب السودان على اراضي سودانية لدرجة ان الحزب الحاكم اعلن بحسب امين الاعلام بدر الدين أحمد مصطفى، انه لا تفاوض مع دولة الجنوب مالم تحل كل القضايا العالقة. مشيرا الى ان جوبا لا تبدى حسن النية الذى من شأنه ان يقود لانجاح مسارات الوفاق حال التفكير فيها. وتأتى هذه التطورات فى وقت رحبت فيه الحكومة بالخارطة الافريقية لحسم النزاع بينما من المقرر ان يتدارس مجلس الامن امر عقوبات صادرة بحق السودان امس . ويبدو ان التباين فى توجه الحزب الحاكم والحكومة من جهة وخطة الاتحاد الافريقي ومساعي مجلس الامن من جهة ثانية ربما اضر كثيرا بالخارطة المعلنة وجعلها تلاقى ذات المصير الذى لاقته اتفاقيات سابقة كثيرة وقعت بين الجانبين المتصارعين بفعل المواقف المتباينة التي ستحجم من احتمالات نجاحها في احداث الاختراق المطلوب. القوى السياسية المعارضة تنظر الى خطاب المؤتمر الوطنى بشأن أزمة السودان وجنوب السودان من واقع انه خطاب متضارب وليس من الممكن ان يقود لاتجاه التطبيع مع الجنوب حتى حال الموافقة على هذه الخارطة التى طرحت من الوساطة الافريقية. ويرى القيادى بحزب البعث السودانى محمد ضياء الدين ان الحكومة منذ تحرير هجليج ظلت تقدم خطابات متضاربة تتعلق بالحرب واسقاط النظام فى جوبا ويضيف انه من الواضح الا اتفاق بين قيادات الوطنى حول راهن البلاد السياسى . ف «للدبلوماسية حديثها وللناطق الرسمى خطابه ولبقية القيادات خطاب اخر» هكذا بين ضياء الدين تناقضات الخطاب السياسى للمؤتمر الوطنى. ورغم ان ضياء الدين المح في حديثه ل» الصحافة» الى ان هنالك عدم توافق بشأن الخطاب السياسي للحزب الحاكم الا انه توقع ان تقود الخارطة الافريقية للوفاق المطلوب ان كانت هنالك تفاهمات معينة تتعلق بآليات التعامل بين الدولتين وتتمثل هذه التفاهمات فى خلق بيئة مناسبة للحوار مع وقف كامل لاطلاق النار بين الدولتين ووقف العدائيات الى جانب التوقف عن التراشق الاعلامى والكف عن دعم الحركات المتمردة هنا وهناك . بغير التوصل لهذه النقاط لا يرى ضياء الدين اي اشراقات لنجاح الخارطة الافريقية .ويرى ان القبول بخيار الحوار هو المخرج الوحيد من انزلاق التصعيد بين السودان وجنوب السودان. ومع ان الوطنى اعلن مبدئيا موافقته بهذه الخارطة الا ان ضياء الدين قال انه لا جدوى من هذا القبول ان لم تكن هنالك اجراءات مسبقة تقود الى خلق ارضية تساعد على لملمة اطراف النزاع بين الدولتين . ونبه ضياء الدين الى ان الوساطة الافريقية فشلت فشلا ذريعا فى قيادة الطرفين لما هو مطلوب . مشيرا الى ان الحرب حدثت فى ظل تفاوض مستمر بين السودان وجنوب السودان برعاية افريقية . ومالم تتوفر الارادة السياسية الجادة بين الحكومتين هنا وهناك فلاداعي لهذه الخارطة التى لا تخرج عن كونها اجراء عادى لا يقدم ولا يؤخر على حد ما ذهب له ضياء الدين . الحزب الحاكم بوصفه معني بهذه الخارطة رغم تحفظاته واعلانه لوقف التفاوض من جانب اخر ينظر للامر من واقع انه مخرج طوارئ من براثن أزمة طال الحديث عنها ليؤكد القيادى بالحزب فتحى شيلا ان هنالك حقيقة لا ينكرها اى انسان هى مشكلة الحرب الدائرة بين السودان وجنوب السودان والتى لا تخرج اطر حلها عن طريقى الحرب او السلم، وينظر شيلا للخارطة الافريقية من واقع انها قد تكون طريقا للحل ان التزمت حكومة الجنوب بما توقعه مع الشمال من اتفاقيات نافيا وجود تضارب فى خطاب الحزب الاعلامى، واشار الى ان الحزب الحاكم لا يخشى مواجهة المجتمع الدولى وان قبولهم للخارطة الافريقية يأتى فى سياق الحل الشامل للأزمة الا انه اشترط ان تعمل دولة الجنوب على احترام ما يتم التوافق عليه بينها والشمال وان تكف عن دعمها للحركات المسلحة المناوئة للحكومة والتى تسعى لاسقاط النظام عسكريا . اذن المعارضة تطالب حكومتى الشمال والجنوب بضرورة التوصل الى نقاط مشتركة لانجاح الخارطة الافريقية فى ظل تاكيداتها بان الخطاب المتباين للوطنى قد لا يقود للحل وربما عقد الامور اكثر مما هى عليه . بينما الحزب الحاكم ينظر للخارطة من واقع فيه شىء من الامل شريطة ان تلتزم حكومة الجنوب بما توقعه من اتفاقات معهم ، وفى الحالتين يظل الحلم مشروعا بشأن طي الأزمة السياسية والعسكرية بين الدولتين، وهنا يشير المحلل السياسى والاكاديمى بجامعة بحرى حمد عمر حاوي الى وجود خلل منهجى ناتج عن غياب للثقة بين الطرفين وغياب للوفاق حتى داخل المؤتمر الوطنى ، وتوقع حمد ان تنجح الخارطة الافريقية فى طي النزاع بصورة نهائية بين الجانبين، وقال ان الحكومة قبلت بها باعتبار انها تجنبها مواجهة المجتمع الدولى وبالتالى ان اى رفض يعنى مواجهة هذا المجتمع مرة اخرى . على كل، يبقى استفهام واضح يتعلق بامكانية ان تسهم هذه الخارطة فى طى صفحات الصراع بين الشمال والجنوب وتحقق التوافق المطلوب ولكن هل تنجح هذه الخارطة ؟ ام ان اغلاق باب التفاوض مع جوبا سيجعل الامر معلقا الى حين آخر . الصحافة