كان التواصل مع الشاعرة السودانية منى حسن محمد الحاج جميلا، تواضعها يشدك إليها، وبقدر ما هي سهلة الدردشة معها، بقدر ما تتملك الرهبة في أن تخطئ في فتح أو ضم كلمة، ولعل انتماؤها إلى السودان الذي يشهد انتعاشا "شعريا"، كان له الفضل في تنامي موهبتها وعبقريتها، كان لمنى مع "الجزائر" بعض الحديث.. كيف يمكن لك يا منى أن تعرفي القارئ الجزائري بمنى الشاعرة والإنسانة؟ منى حسن محمد الحاج، عشقت الشعر منذ طفولة أقلامي، حيث كان الشعر لغة سائدة في البيت، وكان شغف أبي رحمه الله بالشعر واللغة العربية، هو سر اكتشافي لانتمائي لسكان وادي عبقر، لم أكن أهوى شراء الألعاب والحلوى كبقية الأطفال، بل كنت أنفق كل مصروفي وما أتحصل عليه من نقود في شراء الكتب وأدوات الرسم، وأقضي الساعات الطوال في القراءة في مكتبة والدي رحمه الله، والتي كانت ثرية بعدد كبير من كتب التراث والأدب العربي، والتي أثَّرت كثيرا في تشكيل وجداني كشاعرة ومتذوقة للشعر، عشقت التحليق في فضاءات الشعر، وتذوق جميع بساتينه باختلاف أنواعها، إذ أنني أؤمن أن الجمال موجود بطعم مختلف في كل منها، فأنا على قناعة أن الجمال والدهشة وحدهما القادران على تخليد الشعر. درستُ هندسة الكهرباء والاتصالات، وحزتُ على درجة الماجستير فيهما، وأؤمن دوما بمقولة أستاذنا البروفسور عبد الله الطيب، أن العلم آدابٌ وما عداه حِرفٌ ومهن، لذا احترفت الهندسة، بينما ظلت روحي تسبح في بحور الشعر باحثة عن قصيدة لم تُكتب بعد.. وما حال الحركة الشعرية في السودان، وهل الأقلام الشعرية الشابة تنبئ بحمل مشعل الأسماء التي عرفت بالشعر السوداني وبوأته مكانة مرموقة على الصعيد العربي؟ الحركة الشعرية في السودان بخير، ومنتديات الشعر ولياليه متواصلة، فالحركة الشعرية نشيطة جدا على مستويين، المستوى الطلابي، والمتمثل في النشاطات الثقافية في الجامعات والمعاهد، وعلى مستوى الروابط والاتحادات الأدبية، والتي تنظم منتديات أسبوعية وشهرية، هذا بالإضافة لاستضافة السودان لحدث يعد من أكبر الأحداث الثقافية في الوطن العربي وهو مهرجان النيلين للشعر العربي، والذي أقيمت دورته الثانية هذا العام 2012 وبحضور ستة عشر شاعرا من الدول العربية ونخبة مميزة من الشعراء السودانيين. وبرزت فيه عدة أصوات شعرية شبابية، كانت مفاجأة المهرجان التي أثبتت أن الشعر في السودان ما زال بخير، وأن الأجيال القادمة ستستمر في رفع راية حملها الشيخ عبد الله البشير، الفيتوري والمجذوب وسند ومحمد المكي وغيرهم من شيوخ شعراء السودان. ماذا عن الأقلام النسوية، وهل يمكن أن تسمي لي بعض هذه الأقلام التي تحظى بقبول ومتابعة في المشهد الشعري عندكم؟ للأقلام النسوية حضور مميز في الساحة الشعرية السودانية، لا يقل أهمية وحضورا عن الأقلام الرجالية، حيث نجد عدة أصوات نسائية شعرية بارزة سواء في مجال الشعر الفصيح أو العامي، بدءا من الأستاذة روضة الحاج، نضال حسن الحاج، ابتهال مصطفى، إيمان ابنعوف وغيرهن من الشاعرات السودانيات المميزات اللواتي وضعن بصمات مميزة على خارطة الشعر السوداني المعاصر. هل لديك فكرة عن المشهد الشعري في الجزائر؟ بالطبع لدي فكرة عن المشهد الشعري الجزائري من خلال تواصلي مع عدد من الإخوة الشعراء الجزائريين، ومن خلال متابعتي لموقع جريدتكم الجميلة، وموقع أصوات الشمال الجزائري، وبداية من خلال موقع الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب التي تعرفت من خلاها على عدد من الشعراء والكتاب الجزائريين. ماهي الأسماء التي قرأت لها منى ونالت إعجابها؟ من الأسماء الجزائرية التي سعدت بالقراءة لها، الشاعر مجذوب العيد المشراوي، والشاعر عبد القادر رابحي، واللذان يعدان من أبرز الوجوه المشرقة للشعر الجزائري، كما شرفنا الأستاذ عبد القادر رابحي بزيارته للسودان، حيث مثل بلاده في مهرجان النيلين الأول للشعر العربي بالخرطوم، أيضا قرأنا للشاعر البارز عثمان لوصيف، كما تعرفت من خلال مهرجان النيلين أيضا على الأخ الشاعر الرائع رابح ظريف، وأيضا أنا من المتابعين والمعجبين بشعر الشاعرة الجزائرية المتميزة شفيقة وعيل والتي أرى أنها من أجمل الأصوات النسائية في الجزائر. زحف الرواية فيما يخص سيطرتها على وسائط أخرى مثلا اقتباسها كسيناريوهات لأفلام تلقى رواجا أكثر من الشعر، هل الشعر بات مهددا في نظرك؟ الرواية فن جميل، والشعر فن جميل أيضا، للشعر رواده وللرواية كذلك، ولا أرى خطورة من أحدهما على الآخر، فبينما تدخل الرواية في وسائط أخرى، نجد أن هنالك ثورة شعرية في المقابل، ومسابقات ومهرجانات، واهتمام زائد في كل يوم بالشعر، كما أنني أرى – من وجهة نظر شاعر - أن الرواية تثري الوجدان الشعري حتى للشعراء أنفسهم، حيث أن التنقل عبر فضاءات الرواية ينقل الشاعر عبر أزمان ومجتمعات وثقافات مختلفة، وهذا في حد ذاته إضافة له، قبل أن يكون إضافة للأدب والفن الكتابي. الجزائر