في ظل الأزمة الخانقة التي تعصف بالاقتصاد السوداني، ومحاولة البحث عن إيرادات مالية جديدة تعتزم الحكومة زيادة سعر بعض المشتقات البترولية بحجة رفع الدعم، هل تقدم بالفعل دعما "للمواد البترولية كما تزعم ؟ أم أن هذا الدعم يظهر كنتاج لمحاسبة خادعة تسعى لطمس الحقائق أمام أعين أبناء الشعب السوداني ؟! . كما كذّبنا معدلات التضخم السنوي وطريق حسابه بواسطة الأجهزة الحكومية نعود ونُكذِّب إدعاءات الحكومة ومنظريها، فيما يتعلق بالدعم الذي يبدو لهم فرقا بين سعر النفط في الأسواق العالمية والسعر الذي يحددونه هم لسعر النفط الخام في الأسواق المحلية _ سعر بيع الخام للمصافي والذي أكدت الميزانية على تثبيته عند 49 دولاراً للبرميل، وكما يبدو لهؤلاء وأولئك أن الحكومة تفقد دخلا" قدره 41 دولارا" عن كل برميل نفط خام جراء عدم تصديره ويتجاهلون في نفس الوقت القيم الجديدة التي يضيفها تكرير برميل النفط في الداخل بشكل مباشر و غير مباشر، والعائد لخزينة الدولة وللاقتصاد الوطني من جراء عملية التكرير هذه. وهو دون أدنى شك أكبر من ذلك الفرق بين السعرين. وقد أشرنا عند تناولنا للإيرادات من مبيعات النفط إلى أن كل برميل من النفط يحقق قيمة جديدة تقدر 90.4 % بعد تكريره، علما" بأن هذه القيمة كانت في حدود 112% خلال العام 2011 عندما كان سعر الصرف للدولار 2.7 جنيها ... كانت القيمة المضافة أعلى عندما كان سعر صرف الدولار أقل، أو عندما كانت قيمة الجنيه مقابل الدولار والعملات الأجنبية أفضل مما هي عليه اليوم. وفقا" لوزير المالية إن الدعم المقدم من الحكومة للبنزين يبلغ 400 مليون جنيها، وكانت الميزانية قد أعلنت سعيها لإزالة هذا الدعم تدريجيا، لذلك جاء اقتراح وزارة المالية بزيارة سعر جالون البنزين ب 1.5 جنيها ليصبح 10 جنيهات. هذه الزيادة التي تم تأجيل إعلانها ولم يتم إلغاؤها تحقق عائدا" قدره أربعمائة مليون جنيها، أي بمقدار حجم الدعم الذي أعلنه وزير المالية .. وبالتالي فإن هذه الزيادة تزيل الدعم الذي تتحدث عنه الحكومة إزالة كاملة وليس تدريجيا، كما عبر عن ذلك مشروع موازنة العام 2012 في صفحة 19. وقد جاء على لسان وزير المالية أمام المجلس الوطني: إن المشكلة ليست في ال400 مليون إنما المشكلة في عجز الميزانية. صحيح أن المشكلة فعلا" يعبر عنها بعجز الميزانية البالغ عددها البالغ نحو 7 مليار جنيها ومن المحتمل أن يزيد ويقارب ال10 مليار جنيها، ولكن نختلف معه في أسباب هذا العجز وكيفية معالجته، من خلال زيادة أسعار المحروقات والسلع الضرورية الأخرى، واللجوء إلى زيادة فئات الضرائب الموجودة ومن ضرائب جديدة وإن العجز ليس سببه دعم لا وجود له أصلا" إنما الإنفاق الجاري المتضخم لجهاز الدولة. يحاول منظرو الحكومة ومناصرو سياسات التحرير الاقتصادي توظيف السعر العالمي للبترول وآليات سعر الصرف لإثبات إن هنالك دعم تقدمه الدولة للمواد البترولية والسلع الضرورية الأخرى. علما" بأن حكومة الإنقاذ ومن ورائها صندوق النقد الدولي تعمل على نحو متواصل لخفض العملة الوطنية، باعتبار إن قيمتها ليست حقيقية وظلت على هذا النهج سنين عددا"، دون أن يتحقق هدف زيادة الصادرات غير البترولية الذي دائما ما يتم به تبرير خفض قيمة العملة الوطنية والأدهى إن تكلفة الواردات ظلت تتصاعد. إلا أن تخفيض قيمة العملة أصبح يستخدم لخلق المبررات للزعم بوجود دعم للسلع الضرورية وثم تبرير زيادة أسعار تلك السلع التي طالما سعى لها صندوق النقد الدولي لحشد الموارد التي تمكن الدولة من سداد ديونها الخارجية، وتسعى حكومة الإنقاذ لهذه الزيادات لتمويل إنفاقها المتضخم لعجز الميزانية، ولكن دون جدوى، هذا فضلاً عن استخدام آلية سعر الصرف لزيادة ثروات الرأسمالية الطفيلية العاملة في مجال تجارة العملات الأجنبية، الدعم الذي تتحدث عنه حكومة ((الإنقاذ)) مصطنع وغير حقيقي يتم خلقه من حين لآخر بواسطة استخدام آلية السعر العالمي وإسقاطها على أسعار المنتجات المحلية وآلية سعر الصرف لتحقيق الأهداف التي يروجها كل من صندوق النقد الدولي ونظام ((الإنقاذ)). إثبات وجود دعم يتطلب من الحكومة أن تكشف وبكل الشفافية والأمانة عن الإيرادات من: 1- خام البترول المنتج محلياً. 2- مشتقات البترول المستهلكة محلياً. 3- مشتقات البترول المصدرة للخارج. 4- الخدمات الأساسية في قطاع النفط. 5- فوائض وأرباح الشركات الحكومية العاملة في مجال تسويق البترول ومشتقاته في السوق الداخلية وفي السوق الخارجية. ومن الجانب الآخر توضيح التكاليف الآتية: 1- تكلفة الحصول على خام البترول المنتج محلياً. 2- تكلفة الحصول على خام البترول المستورد. 3- تكلفة الحصول على مشتقات البترول المستوردة. 4- تكلفة تشغيل المصافي. 5- تكلفة تشغيل البنيات الأساسية. الكشف عن المعلومات وتقديم الإحصائيات الدقيقة وبكل شفافية حول البنود أعلاه هو الذي يقود إلى الوقوف على حقيقة وجود دعم أو عدم وجوده، والشاهد إن الحكومة تتجنب تقديم إحصائيات شفافة وواضحة حول تلك البنود بل وتشير الدلائل إلي أنها تخفي جانباً من الإيرادات وهي إيرادات المشتقات البترولية وفوائض وأرباح الشركات الحكومية العاملة في مجال تسويق البترول ومشتقاته في السوقين الداخلية والخارجية .... كما لا تفصح حكومة(الإنقاذ ) عن حقيقة أنها لا تتحمل تكاليف تذكر مقابل الحصول على خام البترول المنتج محلياً لأنه عبارة عن ريع، وحتى إذا كانت هناك تكاليف تتحملها الحكومة في هذا الصدد فهي لا تتعدى تكاليف النقل والتي لا تتجاوز ال3 دولار للبرميل من موقع الإنتاج وحتى بورتسودان(ستكون هذه التكلفة أقل في حالة نقلها من مواقع الإنتاج حتى الخرطوم والجيلي).