يخرق صدى ضربات المطارق الهاوية على اللبنات القديمة هدوء المكان، فيما يحاول العمال العراقيون ترميم ما خلّفه المطر والرياح والتاريخ الحديث من أضرار شوّهت جدران "بوابة الآلهة"... بابل. "إن لم نفعل شيئاً لإنقاذها فستختفي بابل خلال السنوات العشر المقبلة"، يقول مستشار صندوق الآثار العالمي، تيري غراندين، بأسى خلال إشرافه على نصب العمال أعمدة خشبية لتدعيم الجدار الشمالي الذي يعود إلى أكثر من 2600 عام كما جاء بجريدة "السفير" اللبنانية. وتعيش عاصمة الإمبراطورية البابلية، وهي واحدة من عجائب العالم القديم، أوقاتاً صعبة: صحيح أن جزءاً صغيراً فقط من المعلم، الذي يعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام، قد خضع للتنقيب الأثري، إلا أن الأطلال الظاهرة فوق الأرض تآكلت بفعل الرياح والمياه المالحة، فضلاً عن الأضرار البالغة التي لحقت بها جراء عملية إعادة الإعمار التي أمر بها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال الثمانينات، وممارسات الاحتلال الأمريكي العسكري منذ عام 2003. وكلّف مشروع صدام لإعادة بناء الجدران، سعياً وراء نسخة خيالية للمدينة القديمة، البقايا الأثرية أضراراً كبيرة. وبالرغم من أهمية بابل التاريخية والدينية، رفضت منظمة "اليونسكو" مرتين متتاليتين ترشيح العراق المدينة القديمة إلى لائحة مواقع التراث العالمي. أما السبب الرئيسي لهذا الرفض فيتمثل في "التدخلات الواسعة التي حدثت في عهد صدام حسين وغيّرت ديناميات الموقع الأثري ومظهره، وهذا ما أثّر بشكل كبير على سلامة البقايا الاثرية الأصلية"، بحسب جيفري آلن، وهو مستشار آخر لصندوق الآثار العالمي، والمسؤول عن ملف بابل منذ عام 2009. وداخل حدود المدينة القديمة، على تلة فوق أنقاض الحفريات، بنى صدام حسين قصراً حديثاً يطل على القصر القديم. القرميد المنقوش الذي كُتب عليه "في عهد صدام حسين"، أضيف الى لبنات قرميدية برّاقة شهدت على عهد الملك البابلي نبوخذ نصر.. أما المساحات الفارغة في جدران المعلم فتبقى شاهدة على أعمال الجنود الأمريكيين يوم سيطروا على المنطقة فأخذوا منها التذكارات".. اليوم، تجد الجدران الهشّة نفسها عالقة بين لبنات حديثة تضغط إلى أسفل الطين الأصلي، وبين ارتفاع منسوب المياه الجوفية الذي سرّب المياه المالحة الى الأساسات الأثرية. هذا ما يناقشه مشروع "اليونسكو" حالياً، في مسح ثلاثي الأبعاد لخريطة الأضرار سعياً وراء حماية الموقع، بعد محاولتين سابقتين لإدراج بابل على لائحة "اليونسكو" للتراث العالمي، باءتا بالفشل.