يزين الصدق الفضائل كلها. كلنا نسعى وراء أصدقاء يتمتعون بهذه الميزة لتسليم ذاتنا إليهم بثقة ومعرفة أن نصائحهم أو تعليقاتهم لا تتأتى من أي مشاعر أخرى، لكن ثمة ظروفاً تجبرنا على العدول عن الحقيقة لأسباب يصعب تعدادها. كذلك، ليس بالأمر السهل الامتناع عن أكاذيب يومية صغيرة قد تتوافق أحيانًا مع آداب الحياة الاجتماعية. الصدق والحقيقة علينا ألا نخلط بين المفهومين: أحياناً يشكل الفرق بين الصدق والحقيقة هوة كبيرة، فالصدق يعني أن نقول رأينا ونعبّر عن مشاعرنا بطريقة أكثر تطابقًا مع تفكيرنا، إنما ليس ضرورياً أن تكون أفكارنا ومعتقداتنا صائبة دائمًا، فأفكارنا الشخصية تترجم بكلماتنا التي تشكل مجتمعة حديثًا صادقًا، مع ذلك، يمكننا تصديق أكاذيب نقلت إلينا، أو أن نكذب على أنفسنا من دون حتى أن ندرك ذلك. قال أوسكار وايلد: «أسوأ ما في المتعصب هو الصدق». في الواقع، يمكن الافتراض أن الإرهابيين مثلاً صادقون ويتبعون عقيدة معينة لا تمتّ بصلة إلى الحقيقة وتشرّع الأفعال المتطرفة. ما هي حدود الصدق؟ كان لمؤلفين آخرين أيضًا أفكارهم القاسية عن الصدق، يقول مارسيل جوهاندو: «يؤدي الصدق المطلق إما إلى الجمود أو إلى الجنون». في الحقيقة الصدق أداة تستخدم بحكمة، ويجب أن نكون ناضجين بما فيه الكفاية لنعرف متى ومع من نتعامل بصدق. أن نكون صادقين طوال الوقت أشبه بالمستحيل، على الأقل في المجتمع وحتى في الدائرة العائلية أحيانًا. حالما تتم الموافقة على هذه المبادئ يصبح من الواضح أن يسهّل الصدق العلاقات عمومًا، وغالبًا ما يُعتبر فضيلة تعكس شفافية العلاقات الاجتماعية. كثيرون يتمنون التحلي بالصدق، لكن يصعب عليهم ذلك في الحقيقة. التربية والحياة الاجتماعية في العلاقات الاجتماعية، نتعلم كيف نسيطر على انفعالاتنا، نعلّم أولادنا عدم التعبير للجارة بأنها ليست جميلة، وعدم إخبار الأخ الأصغر بأن الهر مات... باختصار، يجب أن نعلم الولد أن ثمة حقائق لا يجوز الإفصاح عنها، ويدخل ذلك في نطاق التربية، وعندما نكبر نتعلم كيف نطور سلوكيات تتكيف مع الظروف المختلفة. مما لا شك فيه أن هذه أحد الأسباب التي تدفع الناس إلى استشارة علماء نفس ومحللين نفسيين، فمع عدم القدرة على التعبير عن شخصيتنا الحقيقية، يصبح من الصعب التعرف إلى أنفسنا في الشخصيات التي نؤدي دورها، في حياتنا المهنية ، أو في حياتنا الشخصية، وينتهي بنا الأمر إلى أن تسيطر هذه الشخصيات على شخصيتنا الحقيقية. غالبًا ما يشكل ذلك مصدراً للمتاعب وحتى معاناة نفسية، وقد يتخذ أشخاص معينون قرارات حاسمة في حياتهم بهدف استرجاع الوحدة بين ما يشعرون به وما يريدون التعبير عنه، لأنهم يربطون الصدق بالكلام، إذ ينتقل من خلال الحديث ومن الضروري التعبير بصراحة ونية حسنة. في الواقع، تمنعنا القيود الاجتماعية من اعتماد الصدق التام، وغالبًا ما نلجأ إلى هذا المثال لتوضيح الفكرة: «كم عمري برأيك؟» ليس هذا سؤالا أساسيًا في الواقع لكن أصبح تقليديًا أن نجيب عنه بشكل يرضي الآخر ونتجنب غيظه والدخول في صراع معه، فيتخفى بعض من الجبن، إذا صح التعبير، وراء تجنب الصدق. تجدر الإشارة إلى أن العدول عن الصدق في ظروف معيّنة ليس بالأمر الخطير، لكن من الضروري أن نعرف متى تستدعي الظروف الإجابة بصدق، كأن يسألنا صديق عن مسألة مهمة بالنسبة إليه أو الزوج أو الحبيب عن مشاعرنا تجاهه. التعامل بصدق - مع نفسك: أصاب سقراط بطرح نظرية «اعرف نفسك بنفسك»، فاكتشاف الذات يجب أن يستمر طوال الحياة من خلال التوحيد بين الشعور والتعبير وبلوغ فكرة أخرى عن السعادة (بالمفهوم الفلسفي) توحد بين ما نحن عليه وما نبدو عليه. معرفة من نحن حقًا وما نميل إليه يمهد الطريق إلى الصدق الحقيقي. غالبًا ما يتطلب ذلك تبسيطًا للحياة الشخصية الذي تنسحب نتائجه على الحياة التي نعيشها في الإجمال، فبمجرد التوصل إلى هذه الحال تصبح الحياة أسهل. - مع الآخرين: إذا تقبّلنا فكرة أن الصدق صعب في بعض الظروف، ندرك أنه مطلوب في ظروف أخرى. فما الصدق سوى نوعية ضرورية للصداقة، ويظهر الصادق ميزات: الشجاعة والاستقلالية والنبل. بغض النظر عن العالم الذي نتطور فيه، من الضروري وضع ثقتنا بأشخاص صادقين. - الصدق في الحب: عندما تبدأ قصة حب يقود الشغف العلاقة ويمحو كل شيء، ويأتي من ثم وقت التنازلات للمحافظة على الوئام في العلاقة. ولكل زوج قصته ولكل شريك فكره وطبعه... مع مرور الوقت، يُفضّل ألا يحيد أحد عن الصدق الذي يسمح بفهم الآخر بشكل أفضل، وتقريب الأنا الحقيقية منه. وحتى لو لم تكن العلاقة واضحة المعالم في أول الطريق، ستتوضّح مع تبلور شخصية الشريكين الحقيقة. من هنا ضرورة التزام الصدق تجنبًا لسوء التفاهم والمشاكل. أما مسألة الخيانة فتختلف مع اختلاف شخصيات مرتكبيها.وعادة ما يدعي الذي خان أنها كانت غلطة عابرة ولن تتكرر، لذا يتحفظ عن مصارحة الشريك بها، خوفًا من أن تؤدي إلى الانفصال، فيما يقول آخرون إن الصدق هو السبيل الوحيد الذي يسمح للشريكين بمتابعة حياة مبنية على أسس ثابتة خالية من أي شكوك. باختصار، الصدق في الحب هو مرادف للحقيقة بغض النظر عن طبيعة العلاقة بين الشريكين وطرق عيشهما لهذا الحب. في النهاية، لتبسيط الحياة والابتعاد عن المتاعب، اختاروا الصدق كمنهج لكم. يحتاج ذلك إلى وقت وهدوء وسلام وطريقة مناسبة للعيش، لذا لا تترددوا في اللجوء إلى محلل نفسي فهو وحده يساعدكم أو إلى الصلاة فهي الحل الأسهل والأفضل.