القاهرة : بعد القرار الذي أصدرته خلال الأيام الماضية برفض طعن البابا وتأييد حكم القضاء الإداري ، أودعت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة في مصر الخميس أسباب حكمها بإلزام البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بمنح تصريح الزواج الثاني للمسيحي المطلق. وأكدت المحكمة في حيثياتها أن الكنيسة الأرثوذكسية تقوم بحسب الأصل على رعاية الأقباط الأرثوذكس كافة, وهي في سبيل ذلك خولها القانون السلطات اللازمة بموافقة الأقباط وتقديم الخدمات اللازمة لهم, وأن القضاء يراقب المسئول الديني وهو يباشر اختصاصه في منح أو منع التصريح للتيقن من انه لم يتجاوز سلطاته المنوطة به وهو ما لا يعد تدخلا من القضاء في المعتقد الديني وإنما هو إعلاء له لتحقيق مقاصد تلك الشريعة دون خروج عليها أو تجاوز لها , الأمر الذي يغدو معه الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري لانتفاء ولايته أو انتفاء القرار الإداري لا سند لهما من القانون. وأضافت المحكمة أنه ليس مقبولا من أي جهة دينية أن تتذرع بخصوصية بعض الأحكام الدينية لديها مما قد يختلف الرأي بشأنها لدى آخرين ممن يتبعون تلك العقيدة , مشيرة إلى أن لائحة الأحوال الشخصية لدى الأقباط عنيت بالأحكام التفصيلية للزواج باعتباره سرا مقدسا يتم وفقا لطقوس كنسية بقصد تكوين أسرة جديدة, وأجازت المادة 69 منها لكل من الزوجين بعد الحكم بالطلاق أن يتزوج من شخص أخر إلا إذا نص الحكم على حرمان احدهما اوكليهما من الزواج وفي هذه الحالة لا يجوز لمن قضى بحرمانه أن يتزوج إلا بتصريح من المجلس الاكليريكي. وقالت المحكمة انه من الثابت أن الزوج المطلق مسيحي أرثوذكسي حصل على حكم بالتطليق من زوجته والتي تزوجت من آخر, مشيرة إلى أن الكنيسة اعتدت بطلاق زوجة مقيم الدعوى وأجازت لها الزواج ثانية باعتبار أن العلاقة الزوجية قد انفصمت بطلاق بائن, فمن ثم لا يسوغ لها حرمان مطلقها من الزواج ثانية. وأضافت المحكمة أن امتناع الكنيسة عن التصريح له بالزواج جاء مميزا بين أصحاب المراكز المتماثلة على خلاف حكم القانون, مشيرة إلى أن امتناع الكنيسة عن إصدار التصريح له بالزواج يحول دون إحصانه وقد يدفع به إلى طريق الرذيلة, كما يحول بينه وبين ممارسته لحقه الإنساني والدستوري في الزواج وتكوين أسرة, وفقا لأحكام شريعته التي يدين بها وهي نتائج يتعذر تداركها. وتعود وقائع القضية إلى قيام هاني وصفي برفع دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري في 5 مايو 2008 اختصم فيها البابا شنودة ورئيس المجلس الاكليريكي العام للأقباط الأرثوذكس وطالب بمنحه تصريحا بالزواج الثاني بعد طلاقه من زوجته الأولى اثر خلافات حادة بينهما, مشيرا إلى أن الكنيسة سمحت لزوجته بالزواج من شخص آخر فيما رفضت السماح له بالزواج من أخرى. وقد أقام الزوج المسيحي دعوى قضائية أمام القضاء الإداري الذي أصدر حكما بجلسة 3 فبراير من العام الماضي بإلزام البابا بمنحه التصريح, فأقام البابا طعنا على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا لإلغائه واستند في طعنه على أن الحكم أخطا في تطبيق القانون, حيث أن المجلس الإكليريكي سلطاته دينية ولا يخضع في قراراته سوى للرئاسة الدينية التي تبدي رأيها وفقا لنصوص الإنجيل المقدس وتعاليمه وبالتالي يكون مجلس الدولة غير مختص ولائيا بنظر الدعوى. ومن جانبه ، أكد البابا شنودة أن الكنيسة لا ترفض الزواج الثاني بصفة عامة كما ورد في بعض الصحف وأنه من حق الإنسان أن يتزوج ثانية إذا كان زواجه لا يقف أمام أي آية من آيات الإنجيل. وأضاف " بفرض أن إنسان ترمل فمن حقه أن يتزوج، وبفرض آخر أن حدث طلاق لسبب الزنا، فالعنصر البرىء من حقه أن يتزوج ثانية، بينما العُنصر المُذنب ليس من حقه أن يتزوج، ليس كل زواج ثاني مرفوض وإنما المقصود بالزواج الثاني هو للمُطلقين الذين ليس من حقهم الزواج ثانية وفقاً لأحكام الإنجيل". ونقل التليفزيون المصري عن البابا القول على هامش مُحاضرته الأسبوعية بالكاتدرائية المُرقسية الكبرى بالقاهرة يوم الأربعاء الموافق 2 يونيو إنه ليس هو أول من اتخذ موقفاً متشدداً تجاه هذه القضية وإن موقفه هو نفس موقف من سبقوه من الآباء البطاركة لأن تعاليم الكتاب لن تتغير على مدى العصور، مشيراً في ذلك لموقف البابا مكاريوس الثالث حينما عقد مجلساً مقدساً عام 43 تقريباً وأقر فيه بأنه لا طلاق إلا لعلة الزنا وكذلك البابا كيرلس السادس الذي عقد لجنة للأحوال الشخصية وقررت أنه لا طلاق إلا لعلة الزنا وأرسل هذا الأمر للمسئولين. وتابع " بالنسبة للمجلس الملي الحالي فقد أصدر قراره منذ 20 عاماً بأنه لا طلاق إلا لعلة الزنا أيضاً وبخلاف كل هذا وذاك لا نقول: قيل وقال وإنما نقول ما يقوله الإنجيل، ونحن نلتزم بتعاليمه خاصة وأن القضية التي تحكم في تزويج المُطلقين ليس هى قضية عادية وإنما هى قضية دينية، ونحن لا نخالف تعاليم ديننا مهما حدث والكل يعرف ذلك، خاصة وأن القضية التي تحكم في تزويج المُطلقين ليس هى قضية عادية وإنما هى قضية دينية ". وشدد البابا شنودة على الآباء الكهنة بعدم الخضوع لأية تهديدات من أي نوع، وضرورة الالتزام بعدم تزويج أي مُطلق إلا إذا كان حاصلاً على تصريح زواج من المجلس الملي العام. كما أكد البابا شنودة أنه ليس المقصود منع تصاريح للزواج الثاني نهائياً ولكن التعامل معها بما يتناسب وتعاليم الكتاب المقدس، فهناك حالات يُمكن فيها السماح بالزواج ثانية، بينما هناك حالات تتعارض مع تعاليم الإنجيل وهى التي نحن بصددها الآن، والهدف كله يرتكز في الدفاع عن تماسك الأٍسرة المسيحية وعن الأبرياء، بمعنى إذا حدثت خطية زنا من الرجل أو من المرأة، فالعُنصر البرىء هنا ما ذنبه فمن حقه الحصول على تصريح بالزواج وهذا لا يحدث بالنسبة للعُنصر المُذنب. وأوضح أن ليس كل الحالات التي يتم فيها إثبات حالة الزنا، ولكن هناك أيضاً حالات تعرف ب "الزنا الحُكمي" بمعنى ما هو في حُكم الزنا، كضبط أدلة على ذلك أو وجود مُراسلات مكتوبة بطرق مختلفة أو مُكالمات تليفونية وغيرها من المواقف التي تثبت بأن هناك حالة زنا كالاعتراف مثلاً .. إلخ. وأشار البابا شنودة أيضا الى أن هناك مواقف أخرى يُحكم فيها ببطلان الطلاق كإثبات حالة العجز الجنسي لدى الرجل، فإنه قد يحدث أحياناً أن يتقدم هذا الشخص الذي ثبت عجزه الجنسي للزواج ثانية من أخرى، وأنه قد يحدث تكرار ذلك مع أخريات وهكذا، وحتى لا يسير المجلس في خداع هذا الشخص ومُشاركته في جريمة خداعه فرأى المجلس ضرورة حضور كلا الطرفين في حالة طلب الحصول على تصريح للزواج الثاني أيا كان لإحدى الطرفين، بهدف التأكد من خلو الشخص المُطلق من أية عوائق تمنع حصوله على تصريح بالزواج ثانية وبهدف التعرف كل منهما على الآخر. وتابع أنه لابد من التعرف على أي حالة من الحالات الثلاث تنطبق على الشخص طالب تصريح الزواج، هل هو "بكر" أو "أرمل" أو "مُطلق"، فبالنسبة للشخص إذا كان بكراً أو أرملاً فيُمكنه الحصول على تصريح الزواج إذا لم تكن هناك عوائق أخرى، أما إذا كان مُطلقاً فلابد من عرض حالته على المجلس الملي لبحث حالته للتأكد من أحقيته في الحصول على تصريح الزواج أم لا وبحضور الطرف الآخر. وبالإضافة إلى ما سبق ، أوضح البابا شنودة أنه قد يحدث أن شخصاً ترمل وبعد سنة تزوج بواحدة ثم قام بطلاقها، ثم تقدم بعد ذلك ليتزوج ثانياً دون أن يذكر حالة زواجه الثاني بعد وفاة زوجته، وهنا لا يحق بأي حال من الأحوال حصول هذا الشخص على تصريح آخر بالزواج لأنه أخفى حلقة زواجه الثاني بعد الترمل. وفي سؤال لسيدة تقول فيه: أنا امرأة وأبي ترك لي ميراثاً ولم أعرف إلا بعد نحو 30 عاماً من وفاته وأخي كان يعلم ولم يقل لي، وزوجي وأولادي يريدوا طلب الميراث لأننا مُحتاجون إلي، وأنا في حيرة شديدة بين الطرفين وأخشى على أخي بالرغم من أنه يمتلك أراضي كثيرة، وأن زوجي ليس له سوى المعاش، وأنا حصلت على أوراق تثبت ذلك، أجاب البابا شنودة "من حقك أن تطلبي من أخيك نصيبك من الميراث خصوصاً وأنه قادر ولديه أراضي كثيرة، وإذا وجدت أنه سوف يؤدي ذلك للسجن فمن الأفضل الامتناع عن هذا الطلب ".