اطلعت على نص الحوار الصحفي الذي أجرته صحيفة الأحداث مع السيد/ محمد العمدة الأمين العام لمفوضية رعاية حقوق غير المسلمين بالعاصمة القومية ونشر بتاريخ 13/9/2010م وأثار انتباهي حديث سيادته حول مسألة الزي الفاضح ونصه كالتالي:- «لا بد أن يقنن موضوع الزي الفاضح ولا يترك لتقدير الشرطي أو الضابط أو أي فرد، وما يمكن أن يكون زياً فاضحاً في الخرطوم ليس بالضرورة أن يكون فاضحاً في لندن وبالتالي فإن شرع أهل البلد وعرفهم يقيس الزي الفاضح.» إن ما قاله السيد/ محمد العمدة – مع احترامي له- يثير الدهشة لأن ما يطالب به من تقنين لمسألة الزي الفاضح هو مطلب يجعل الواقع الحالي قبل التقنين أقل قهراً وتسلطاً بالنسبة لغير المسلمين في العاصمة بل وبالنسبة للمسلمين أنفسهم وذلك للأسباب التالية:- أولاً: إن المسألة الآن تخضع لتقدير منسوبي شرطة النظام العام وفي معظم الأحيان قد يكون تقدير الشرطي أو الضابط تقديراً واقعياً فلا يتعرض للمرأة... ولكن الأسوأ هو أن يصدر قانون يحدد نوع الزي ولونه وطوله وعرضه والأماكن التي يغطيها من الجسد وغير ذلك من التفاصيل التي تحد من حرية المرأة الشخصية وتحول المجتمع إلى جيش بزي رسمي بمواصفات واحدة... وهذه قمة القهر والتسلط لأنها تحتقر عقل المرأة كإنسان وتتعامل معها كأنها قاصر وناقصة عقل ويجب على الدولة أن تحدد لها نوعية الملابس التي ترتديها... فكيف نثق في المرأة كطبيبة وكمهندسة وكقاضية وكموظفة وكعاملة في مجالات مختلفة ولا نثق في قدرتها على اختيار ملابسها فنحدد لها ما تلبس؟ ثانياً: يقول السيد/ محمد العمدة أن شرع أهل البلد وعرفهم هو الذي يقيس الزي الفاضح... فشرع مَنْ في السودان الدولة ذات الأديان المتعددة الذي سيحدد على أساسه مفهوم الزي الفاضح؟ هل هو شرع المسلمين بحجة أنهم الأغلبية... فلماذا يلتزم غير المسلم أياً كانت ديانته بالزي الذي يحدده شرع المسلمين؟ أعتقد بدايةً أن تعبير «الزي الفاضح» هو تعبير غير صحيح وفيه استفزاز واحتقار للمرأة ويمكن أن نتحدث عن «الزي اللائق» والزي غير اللائق... وبعد ذلك علينا أن نخرج المسألة من الإطار القانوني ومن تدخل الدولة لأنها مسألة تربوية بحتة لا يفيد فيها القهر السلطوي بالمعنى الأمني ويترك الأمر لتقدير المرأة السودانية أياً كان دينها لأننا نثق في رجاحة عقلها وقدرتها على ارتداء الزي اللائق الذي يتناسب مع المكان والزمان... فمثلاً ليس من اللائق أن ترتدي امرأة فستان سهرة مزركش وملون في مكان العمل أو في الأسواق... وهذا يحدث الآن في الدول الغربية التي توجد بها حرية شخصية حيث أنك لا تجد امرأة ترتدي فستان سهرة في مكان عمل بالرغم من أنها إذا ارتدته فلن يتم اعتقالها وجلدها لأنه لا يوجد قانون يمنع ذلك... وهنا تتجلى سلطة العقل الراجح التي هي أقوى من سلطة الدولة وأجهزتها الأمنية... وسلطة العقل الراجح هي سلطة تربوية أساسها احترام الدولة والمجتمع لعقل المواطن سواءً أكان امرأةً أو رجلاً. خلاصة ما أردت أقوله هي أن مسألة الزي الفاضح هي مسألة مفتعلة لأنها موجودة فقط في العقل غير الناضج لذلك كنت أتوقع أن تكون المطالبة بإبعاد مسألة الزي من القوانين واللوائح الخاصة بالنظام العام احتراماً وتقديراً لعقل المرأة السودانية عموماً أياً كان دينها مع العمل بجدية لتربية الأبناء من البنات والأولاد منذ الصغر على كيفية ارتداء الزي اللائق الذي يتناسب مع المكان والزمان والعمر والطول والوزن والتكوين الجسدي الذي يختلف من شخص لآخر... امنحوا المرأة السودانية المسلمة وغير المسلمة الفرصة لترتدي الزي اللائق حسب تقديرها دون قيود وقوانين وردع. ياسين حسن بشير