بينما كان السودانيون في بريطانيا مشغولون بمتابعة منافسات الأولمبياد، فوجئوا بصدور كتاب جديد ينتقد كاتبه نظام القيادة في الإنقاذ مما حوّل مجالس بعض المثقفين فيهم إلى منتديات لمناقشة ما جاء في الكتاب من معلومات هامة عن النظام يتم كشفها للمرة الأولى. فقد أصدر الصحفي الإسلامي المعروف عبدالغني أحمد إدريس كتاباً بعنوان "الإسلاميون ... وأزمة الرؤيا والقيادة" وعنوان فرعي "الدعوة للديمقراطية والإصلاح السياسي في السودان". ويقع الكتاب الذي طُبعت منه كمية محدودة، في مائة وستة وثمانين صفحة من القطع الصغير، وقد تم صفه ببنط صغير واحتواه غلاف من تصميم أحد فناني لندن جمع فيه بين الخط الإسلامي للعنوان وألواح خلوة تعلوها فوهات مدافع ودبابين يعرضون ويلوحون. ذكر المؤلف في تقديمه للكتاب على الصفحة الأخيرة ما يلي: "إن الجندي يموت ويدفن، وذلك شأن البشر جميعاً مهما علا صيتهم أو ارتفع قدرهم، ولكن دور القيادة التي تقف في الخلف، هو أن تجعل من تضحية هذا البطل الذي قدم روحه فداء، مشروعاً وهدفاً نبيلاً هو جعل هذا العمل الفدائي الجليل، يصير طاقة تحويلية خلاّقة تدفع في سبيل إنجاز ونفاذ ما تواصت عليه القيادة مع قواعدها فألهمتهم التضحية والفداء". المؤلف وقد قدم للكتاب الدكتور أحمد محمد البدوي وهو أستاذ جامعي وباحث ومؤلف معروف له العديد من المؤلفات وسنستعرض المقدمة في الحلقة القادمة نسبة لأهميتها لأنها جعلت من الكتاب كتابين في كتاب واحد، ثم نتبع ذلك باستعراض الكتاب وما جاء فيه مع ابداء الرأي. ونورد هنا نصاً موجزاً من المقدمة: "ظاهرة التأليف المعارضة المعبرة عن فقدان الرضا عن تجربة الحكم القائم قهرًا باسم الإسلام في السودان، ومن قِبل كُتاب ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي، لهي ظاهرة حيوية معبرة أيما تعبير عن أزمة الحكم أو أزمة حركة الإسلام السياسي، وهي في سدة الحكم، وهي أزمة مماثلة لموقف الانزلاق في الوحل، يتكدّس مقدار التورط، وتبدو النجاة وهمًا يلوح من بعيد "ببعد الهدى وقرب الضلال". في البدء، بدا الأمر مراجعة مكتوبة لممارسات سادت في مرحلة سابقة، انسدلت جدائل سنين من بعدها، على مدار الخلاف، مثل تاريخ الشيخ أزرق المدون في كتاب منشور عن نشأة الحركة التي تسمي يومئذ :"حركة الأخوان المسلمين" في الخمسينيات قبيل إطلال عام الاستقلال وحتى تداخل الحركة المتجسمة في نخب وأسر متوارية وجزر، مع تنظيم جماهيري مصطخب في شارع موار يفور حتى يقارب الغليان في عهد أكتوبر 1964م، ومن ذلك الكتاب، نضع أيدينا على مواطن الخلاف، أو ان شئت الزلل، من التفريط في نشاط التعبد الجماعي، وتنقية النفس والإرتقاء الروحي، إلى الولوغ في بهارج المناورة السياسية، واللمعان الذي يضفي هالات الرواج على شخصيات قليلة – أو شخص واحد فذ - في واجهة العمل الجماهيري، وذلك نهج أشبه ما يكون بمسرح الممثل الواحد." د. أحمد محمد البدوي. أمّا دار النشر التي أصدرت الكتاب فقد كتبت على الغلاف الخارجي أيضاً: "هذا الكتاب يُعبر بصدق عن كفاح جيل من الشباب السوداني آمن بفكر وطني إسلامي صادق يكون مخرجاً جماعياً لبلادهم، بعضهم جاد بنفسه في سبيل المباديء التي آمن بها وآخرون كُثر ما يزالون ينتظرون، خذلتهم القيادة والرؤيا عن بلوغ مرامهم، الكاتب يحاول من خلال هذه الصفحات أن يُعمل عصفاً ذهنياً عساه يسهم في بعث روح جديدة تُخرج من بين فرث ودم رجاءً يضع البلاد على أعتاب أمل جديد". الناشر... وقد جاء في السيرة الذاتية للمؤلف: أنه من مواليد الخرطوم العام 1975، وتخرج من جامعة الخرطوم كلية الاقتصاد، ودرس بمدرسة الصحافة في لندن، وكان مؤسساً ومديرا سابقاً لمركز الخدمات الصحفية، وهنا نعرف أن المؤلف كان قريباً من صنّاع القرار ومكامن المعلومات، وشارك في تغطية الحرب الأهلية في الجنوب وفي دارفور، وعمل صحفيا متفرغا لعدة صحف ومراسلاً لوكالة السودان للأنباء وأسس مؤسسة ثقافية بلندن وانتخب في ديسمبر 2011 سكرتيراً عاماً لرابطة أبناء شرق السودان بالمملكة المتحدة. وله مؤلفان تحت الطبع. شمل الكتاب ابواباً عديدة هي: بعد المقدمة، تقديم المؤلف باستهلال، السودان عبقرية الزمان والمكان، الدعوة للديمقراطية، السياسة والسلاح في فكر ودولة الانقاذ، التغيير السياسي، الطريق نحو الاصلاح رؤيا للحزب، معالم في الطريق نحو الاصلاح، مذكرة الألف، الاصلاح السياسي، جذور ازمة القيادة في مشروع الانقاذ، السلام والرهان علي الكرت الخاسر، الفساد، اصلاح الخدمة العامة وجهاز الدولة، الجيش ونظام الحكم في السودان، الاعلام، الخارجية عشرون عاما لكعب أخيل، حوار مع النخبة الوطنية في السودان، في استشهاد علاء زايد وفي الموت من بعد الرحيل رحيل ...... في الحلقة القادمة بمشيئة الله نبدأ في استعراض الكتاب .... ونواصل [email protected]