ذات يوم من الأيام تبسم وفد المؤتمر الوطني في لاهاي وأرسل التهاني للسدنة بالداخل ، أما المناسبة فكانت قرارات محكمة التحكيم الدولية بشأن أبيي التي أخرجت حقول النفط من حدود أبيي . اهتم الكيزان بالنفط وقروشه ، ولم يهتموا بالمنطقة وأهلها ولا نظروا للقرار بشكل جيد ولا اشتروا ( نضارات ) . ومن قبل القرار الدولي رفضت الحكومة تقرير الخبراء وسيرت المظاهرات وهددت العالم بحرب عالمية ثالثة ، أما معظم الذين نددوا بالقرار فلم يطلعوا علي تقرير الخبراء لأنهم مشغولين بمطالعة كشف حساباتهم بالبنوك واستثماراتهم في ماليزيا . وعندما ثار أهل أبيي علي قرار محكمة لاهاي ، بلع الكيزان فرحتهم – كما بلعوا قروش النفط – ووضعوا ملف المحكمة في الرف انتظاراً لفرصة سانحة وموقف جديد . وما إن انطلقت رصاصة واحدة في تلك المنطقة من عدوهم اللدود الحركة الشعبية إلا واحتلت الجيوش أبيي وفرض الأمر الواقع علي أهل المنطقة وسارت مواكبهم أبيي شمالية لا شرقية ولا غربية . وعندما احتقن الوضع وتذكر العالم بروتوكول أبيي ورفع العصا الغليظة بدل الجزرة ، جاءت القوات الدولية إلي المنطقة وانسحب الجماعة في ( دقيقة ) . ثم قالوا بعد ذلك لن نقبل تقسيم أبيي ، وقال اعلامهم أن حكومة الجنوب اقترحت تقسيم المنطقة . وكشف مبعوث روسي بعد حين عن أن المؤتمر الوطني هو الذي تقدم بهذا الاقتراح . وانتهت محادثات أديس الأخيرة بالاتفاق علي كل شئ إلا أبيي ، وبات كل طرف في انتظار الجوكر أو ( الخمسين ) . قال لي أخي ذات يوم وكلن قد عمل بأبيي حيناً من الدهر أنه اندهش عندما رأي دينكاوي لا بس عمة وجلابية وراكب تور وشايل حربة ، ثم ولد من أبناء المسيرية بملابس جنوبية يقود قطيعاً من البقر . وفهمت وقتها أي نسيج اجتماعي فريد تحتضنه أبيي وهو إذن لا يقبل القسمة علي اتنين ولا يمكن فصله بخطوط وهمية . هل يمكن للبقرة المتجهة إلي بحر العرب في وقت الجفاف أن تحمل ( باسبورت ) وتدفع رسوم مغادرة وتحصل علي تأشيرة من أجل عبور الحدود إلي المرعي الذي عاشت فيه ( حبوباتها ) لمئات السنين ؟ وهل تتوقف ثيران الدينكا عن الاتجاه شمالاً عندما تطاردها ذبابة التسي تسي لأنها لا تحمل جنسية شمالية !! الذين يريدون الحرب من أجل أبيي ، والباحثون عن نفطها والذين يحرضون بعض أهلها علي البعض الآخر يبحثون عن المصالح الخاصة علي طريقة ( يا فيها يا اطفيها ) . هل تستطيع النظم الشمولية أن تقرر مصير الشعوب في أي منطقة ؟ ولو كانت حلايب أو الفشقة في زمن الغلاء و( المرقة ) ! الميدان