استبعد خبراء اقتصاديون وأكاديميون أن تتمكن وزارة العمل السعودية من تحقيق وعدها بالتحول لتطبيقات الحكومة الإلكترونية بشكل كامل في منتصف عام 2011 المقبل، مؤكدين أن الأمر لو تحقق، فسيكون أشبه ب"المعجزة". وطالبوا في حال تحقيق ذلك بعدم اختزال المسألة في تحقيق تعامل إلكتروني من دون التخلص من سلبيات الواقع، مثل تأخير البت في المعاملات، معتبرين أن احتمال النجاح، قياساً على الأوضاع الحالية، لا يتجاوز ال50%. وكان وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير الدكتور مفرج بن سعد الحقباني قد وعد بانتهاء المعاملات الورقية منتصف العام المقبل، وذلك خلال المؤتمر الصحافي بمناسبة تدشين وزير العمل لخدمة الاستعلامات الإلكترونية، مؤكداً أن الخدمات الجديدة سوف تقلص عدد العاطلين في المملكة، وتمنع السعودة الوهمية في القطاع الخاص. وفي حديث ل"العربية.نت"، قال عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور محسن الحازمي، إن شهوراً قليلة تفصلنا عن الموعد المقترح، سواء كان القصد هو منتصف العام الميلادي أو الهجري، مضيفاً "نتمنى ذلك، ولكن أعتقد أنها تحتاج وقتاً أطول. فهذا التصريح بنظري مبالغ في التفاؤل". ويستدرك بالقول "حتى في حال التهيئة منذ فترة كافية غير معلنة، وتم الانتهاء الآن لتكون فترة الشهور القادمة للمراجعة، أعتقد أنه يبقى من الصعب تحقيق ذلك". واعتبر الحازمي أن أبرز معوقات الحكومة الإلكترونية يتمثل في أن "المجتمع نفسه غير مهيأ الآن للتعامل معها، ولا نعرف كم نسبة السعوديين القادرين على التفاعل مع أنظمة الحكومة الإلكترونية"، متوقعاً أن تكون النسبة 50%. أما الكاتب في صحيفة "الاقتصادية" نجيب الزامل فيصف الأمر، في حال صح، بأنه "أشبه بتحقيق معجزة"، قائلاً "أعتقد أنه وعد كالمعجزة الأقرب إلى المستحيل. وإن كان لا وجود للمستحيل إن كان من يطلق الوعود الضخمة والمتفائلة قادراً على التنفيذ". ويتابع "كنت أتمنى الاكتفاء بتعبير "لا معاملات ورقية العام القادم"، لكن تعبير "ولا معاملة ورقية" يبدو مستحيلاً، نتمنى تحقيقه. لكن حتى الآن لا أجد جهة لديها كل القدرات لتحقيق تعاملات الحكومة الإلكترونية وحصرها في خدمات موقع". ويضيف الزامل، في حديثه ل"العربية.نت": "أرى أنه كان من الأفضل الحديث عن أقل من المتوقع حتى لو حققوا أكثر. فكل ما نريده أن توضع القدم في الطريق الصحيحة لتكون خطوات صحيحة". واجهة وطنية إلكترونية موحدة أما الخبير الاقتصادي فهد جمعة فقال ل"العربية.نت" إن "التصريح متفائل، ولا يبتعد كثيراً عن الخطوات الكبيرة التي تمت على طريق الحكومة الإلكترونية"، مستشهداً بأنه الآن في إمكان الكثير من المواطنين الاستفادة التامة من الكثير من الخدمات عبر المواقع الإلكترونية لجهات عدة مثل الداخلية والعمل والتأمينات. وأشار جمعة إلى أن معوقات الحكومة الإلكترونية تقلصت كثيراً، وأن السعودية تجاوزت معظمها وأنها "بداية جيدة تبشر بالخير"، مطالباً بأن تكون الخطوة القادمة هي واجهة واحدة لتقديم الخدمات بدلاً من التنقل بين المواقع الإلكترونية للجهات وهو ما يشبه التنقل بين مقراتها على الواقع. وقال "ما نريده حالياً هو تسريع الخدمة عبر المواقع والردود العاجلة، وكذلك توحيد الواجهة الإلكترونية مثل أن يتم الدخول عبر واجهة وطنية لجميع مواقع الجهات الحكومية، مثل نظام (سداد) الذي أثبت نجاحه". ويضيف "بالنسبة لي، استخدم موقع وزارة العمل للحصول على الكثير من الخدمات التي كان تتطلب مني وقتاً في المراجعات. وأنا أعتبر ذلك نقلة، إذ أنفذ تلك الخدمات وأنا في منزلي ودون الارتباط بوقت الدوام". ويؤكد على أن نسبة قدرة شرائح المجتمع القادرة على التعامل بشكل جيد مع تطبيقات الحكومة الإلكترونية "محدودة"، وأن المستفيد الأكبر هم شريحة رجال الأعمال، "لكن أعتقد أنه على العموم هناك نسبة تقارب 30% على الأقل ستتمكن من التعامل في الحد الأدنى مع تلك التطبيقات"، رغم وجود فئة قليلة من بعض المسؤولين في بعض الجهات لا يجيدون التعامل مع الحاسب الآلي. الإنجاز هو الأهم من جهته، يرى الخبير الاقتصادي فواز الفواز أن "أي تطور إلكتروني بهذا الشكل مهم جداً، ولا يمكن إنكار ذلك. وفي حال التطبيق، سيغطي على جوانب مخجلة في النواحي الإدارية تخفف من تكدس الطوابير والازدحام والمراجعات المزعجة" . ويضيف "لا أرى الإجراءات الإلكترونية واستقبال الطلبات إلكترونياً هو الدور الأساسي لوزارة العمل. فمشكلتهم الأساسية أنه ليس لديهم سياسة واضحة للحد من البطالة. فمنطقياً لا أرى أن هذا الإجراء سيعالج لب المشكلة. فكل ما سيحدث هو تحويل المعالجات للمعاملات إلكترونياً وربما ينتقل مع ذلك سلبياتها وعدم الحسم، كما هو حاصل اليوم". ولفت إلى وجود خطوات حقيقية حققتها السعودية في تحقيق الخطوات الإلكترونية، "وهو ما يتفق مع سياسة الحكومة خصوصاً أن مجلس الوزراء سبق وشدد على الجهات بسرعة تطبيق الحكومة الإلكترونية لتسهيل الخدمات للمواطنين". ليختم بالقول "في ما يخص تصريح وزارة العمل فمنتصف العام القادم قريب، وأعتقد أنها لو نجحت في تطبيق 50% من هذا الوعد فهو إنجاز بحد ذاته". خلل ما بين الرؤية والواقع يذكر أن الرؤية الاستراتيجية الوطنية للتعاملات الإلكترونية الحكومية تنص على ''أن يتمكن الجميع في نهاية عام 2010 من أي مكان وفي أي وقت من الحصول على خدمات حكومية بمستوى متميز، تقدم بطريقة متكاملة وسهلة من خلال العديد من الوسائل الإلكترونية الآمنة''. وكانت السعودية قد حققت المرتبة ال58 بين دول العالم في تقييم الأممالمتحدة لمدى التقدم في تطبيق الحكومة الإلكترونية لعام 2010، وذلك على أساس الخدمات المقدمة من جهات حكومية معينة، في حين حققت كوريا الجنوبية المرتبة الأولى, البحرين المرتبة ال13, الكويت المرتبة ال50, قطر المرتبة ال62, وعمان المرتبة ال82. وتتمثل أغلب عوائق تطبيقات الحكومة الإلكترونية بحسب تقرير للخبير رشود الخريف، في عدم وجود الرغبة لدى بعض الجهات الحكومية في تطبيق برامج الحكومة الإلكترونية. فهذا التطبيق يحتاج إلى تغيير عقول بعض الموظفين أو أنماط تفكيرهم. وكذلك قلة عدد الموظفين المتخصصين في تقنية المعلومات IT القادرين على استيعاب مفهوم الحكومة الإلكترونية وعملها، وهذا يعود إلى ضعف الأجور والرواتب في القطاع الحكومي، يقابله وجود حوافز كبيرة تجذب الكفاءات للعمل في القطاع الخاص. بالإضافة لوجود بعض الموظفين القدامى على رأس الإدارات المهمة،، وصعوبة تقبلهم التغيير في إجراءات العمل، الأمر الذي يعوق أي تقدم في هذا المجال. كما تبرز عوائق أخرى مثل التراخي من قبل بعض الجهات بسبب عدم وجود جدول زمني إجباري، يلزم كل جهة بتطبيق الحكومة الإلكترونية والمبادرات الخاصة بها، ضمن جدول زمني محدد، مع وجود مؤشرات للأداء والإنجاز. متطلبات ويرى الخبراء أن أبرز ثلاث متطلبات لتحقيق فاعل للحكومة الإلكترونية، يتمثل في حل المشكلات القائمة في الواقع الحقيقي قبل الانتقال إلى البيئة الإلكترونية، وحل المشكلات القانونية في التبادلات التجارية، وتوفير وسائلها التقنية والتنظيمية، وتوفير البنى والاستراتيجيات المناسبة. ويرى المتابعون أن المشروع بشكله العام كان ينتظر أن يدشن قفزات كبيرة في العام الحالي 2010، إلا أن الحال لم يتطور كثيراً رغم مناقشته خلال فعاليات المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية في المملكة الذي تم عقده قبل فترة وجيزة، فيما توجه أبرز الاتهامات أيضاً إلى ضعف وعدم احترافية قطاع التقنية الخاص بشكل عام، ووصف جل استثماراته بأنها أجنبية تركز على الكسب السريع ولا تنظر للمصلحة الوطنية، مع عدم وجود أي خطط لنقل المعرفة أو توطين التقنية.