الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    ⛔ قبل أن تحضر الفيديو أريد منك تقرأ هذا الكلام وتفكر فيه    إلي اين نسير    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق ويكيلكس وأسرار الثورات العربية
نشر في الراكوبة يوم 29 - 11 - 2012

عندما نريد متابعة الأحداث المستجدة سواء على الساحة العربية أو الغربية في الكتابات العربية ، فإننا نجد أنفسنا أمام إجحاف كبير من قبل المؤسسات العربية، ربما يدل على قلة الاهتمام أو لا مبالاة بما يحدث في ساحاتنا وفضاءاتنا العربية.
وهذا ما نراه فيما يخص ربيع الغضب العربي، الذي تناولته دور النشر الغربية والمؤسسات الثقافية بكثير من الإسهاب ، وصدرت العشرات من الكتب والمقالات والدراسات ونظمت الكثير من اللقاءات الفكرية، بينما في العالم العربي المعني بتلك الأحداث لا نجد كتابات أو اهتمامات في مستوى هذا الحدث الذي خلّط ومزج وقلب الكثير من الأوراق، وكأننا ننتظر من الآخر الغربي، أن يفكّر ويكتب ويأخذ الكثير من المبادرات مكاننا، لأننا تعلمنا المقاطعة والمعارضة ومناقشة الأمور الإستراتيجية بشكل نظري، لحسن الحظ أن هناك مبادرات قليلة وجادة ترفض الخضوع إلى هذا الواقع المزري، وفي هذا الصدد صدر مؤلف مهم للدكتور حسن مصدق بعنوان ' وثائق ويكيليكس وأسرار ربيع الثورات العربية' في الدار البيضاء وبيروت، عن المركز الثقافي العربي، يتكون من مقدمة وفصلين وخاتمة ويحتوي الكثير من الوثائق والصور والجداول، ويقع في 304 صفحات من الحجم الكبير.
تجدر الإشارة إلى أن المؤلف اعتمد على آخر التقارير والكتابات الصادرة في موضوع الثورات العربية، إذ عرض مجموعة من الاحتمالات والكثير من الأسئلة التي تتردد على ألسنة مجموعة من المثقفين والكتاب وحتى عند الناس العاديين، والتي تتمحور حول سر سرعة انتشار هذه الثورات في بلدان عربية مختلفة، وعلى البحث عن من وراء تلك الثورات، وما هي القراءات الجادة التي يمكن الاعتماد عليها للتقرب من فهمها، وعن دور وثائق ويكيليكس التي فضحت الكثير من المسكوت عنه في العلاقات العربية الغربية، وعلى رأسها الأمريكية.
لا شك أن إفراز هذه الثورات ناتج عن دوافع كثيرة، من بينها البطالة، وفقدان الحرية، والكرامة، والتسيّب الذي اشتهر به العالم العربي في كل مجالات الحياة، رغم توفره على خيرات كثيرة لو عرف كيف يستخدمها لعاش الشعب العربي في نعيم يحسد عليه، غير أن هناك أجيالا من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 17 و 30 سنة لم تعرف في حياتها تداولا للسلطة، وولدت وترعرعت في ظل نفس النظام، ناهيك عن فقدانهم للحرية وتهميشهم، وهم يمثلون الغالبية العظمى من السكان في المجتمعات العربية، فهذه المعطيات وغيرها دفعت بهم إلى إعلان التمرد ورفضهم للنظام القائم، بحيث بادروا إلى 'منطق التنظيم الشبكي وتخلّوا عن كثير من الأشكال التنظيمية التقليدية كشبكات المساجد وشبكات العمليات الخيرية وخلايا العمل الحزبي وحلقاته الأمر الذي يطرح على مبضع التحليل تراجع المعارضة التقليدية وظهور أشكال جديدة في التعبئة وأساليب الاحتجاج' ، كما يؤكد المؤلف على ذلك في الصفحة 12 من الكتاب.
يثبت المؤلف مجموعة من وثائق ويكيليكس تبيّن الفساد والتهاون في الكثير من القطاعات في البلدان العربية، وغض النظر من قبل الدول الغربية عن هذه الوقائع ما دام سلاحها يباع في المنطقة و'رجالها ونساؤها' موجودون في مصادر القرار في هذه الدول، لأنهم يحرصون فيها مصالحها ، وهذا ما نجده كمثل ملموس في مسألة بناء وحدة المغرب العربي التي تتعرض لابتزازات مختلفة لأن الأطراف المعنية لا تريد فرض حلول حقيقية تخدم مصالح شعوب المنطقة.
كما تطرق المؤلف إلى مصالح هذه الدول في المنطقة، وعن تواجد أمريكا في بعض الدول العربية وكأنها الحاكم الناهي، وتغلغلها في بعض الدول الغربية، بالإضافة إلى الصين التي 'لا تهدف إلى إقامة علاقات تبعية مع الجزائر، بل على النقيض من ذلك تسعى كما تفعل مع فنزويلا والبرازيل إلى إبراز أقطاب جهوية جد قوية تجد فيها السند الجيو إستراتيجي من أجل عالم متعدد الأقطاب، يمكن أن تحظى فيه الصين بمرتبة ممتازة' ( ص.89).
غير أن مبالغة بعض الحكام العرب وتجاوزاتهم السياسية تدفع بالغرب في بعض الأحيان، ويشكل خاص حينما يلاحظ بأن هناك تحركات اجتماعية وسياسية، ففي هذه الحال إلى بعث رسائل مباشرة أو غير مباشرة لحث الأنظمة على حل الخناق، وهذا ما حدث مثلا مع تونس حينما بلغ الفساد أوجه، حيث عبر 'الدبلوماسيون الأمريكيون عن الحجم الخطير الذي بلغه الفساد الاقتصادي والقبضة السياسية الحديدية للنظام التونسي، ناهيك خطر اتساع الهوة والتهميش المقصود الذي طال بعض المناطق، يجد صدقيته في ما وقع مؤخرا في تونس من اندلاع ثورة الشباب العارمة بعد انتحار شاب تونسي في مدينة سيدي بوزيد (محمد البوعزيزي)، مما يتبيّن معه بأن التحذير الذي طال مختلف البرقيات والوثائق تحول إلى خطر محدق بالاستقرار السياسي في تونس، ووقع بالفعل بإسقاط نظام زين العابدين بن علي و'هروبه'.' ( ص.91).
هذه الأمثلة وغيرها حدثت في ليبيا وفي مصر وفي اليمن وسورية ولا زالت تحدث في بعض البلدان الأخرى التي تسير على نفس وتيرة ما قبل ربيع الغضب العربي، ولم ترد أن تغير من مجريات الأمور أو تأخذ العبرة لتنظّم انتخابات حرة نزيهة، أو تجري تعديلات جذرية في بنيتها لكي تتفادى تأثير هذه الربيع، أي أنها لم تراجع نفسها وتحد من الرشوة، وتعطي مساحة أهم لمشاركة المواطنين وعلى رأسهم الشباب، وكأنها بهذه الطريقة لا تريد أخذ الدروس الموضوعية مما يحدث على حدودها أو في عالمها العربي.
وفي المقابل فإن المشروع الأمريكي، كما تبين مختلف التقارير الأمريكية 'المنشورة في موقع ويكيليكس لا توجهه أهداف إستراتيجية معلنة ( ما عدا مكافحة الإرهاب)، بل تراه يؤكد التعاون الاقتصادي والتجاري، غايته الربط بين مختلف سياسات دول المنطقة بمحور الأمن القومي الأمريكي ومصالحه الإستراتيجية اقتصاديا وعسكريا' (ص.95).
إن هذه الثورات لها ما يبرّرها وما يستدعيها كونها أتت أساسا من قبل القوى الحية المهمشة في المجتمعات العربية والتي بيّنت تعلقها بالتغيير مهما كلفها ذلك، حيث غيرت الملامح بين عشية وضحاها بمواجهتها لكل آليات القمع والتحقير التي سخرها الحكام العرب من أجل إيقافها وتبديدها، 'وقامت الثورة بفضل التحالفات بين شباب متعلم من الخريجين وأوسع الشرائح الاجتماعية المتعلمة، فيما تنحدر أصولها الطبقية من الطبقة البورجوازية الصغيرة والمتوسطة المتمركزة في المدن التي عجز النظام السياسي والاقتصادي عن استيعابها في نسيجه، بل همشها تهميشا كليا من خلال حرمانها من العمل والمشاركة السياسية' ( ص.207).
عبّّّّّّّّّّرت هذه الشريحة المهمة عن وعيها وتطلعها بما يحدث في أروقة هذه النظم الفاسدة، إذ راحت تردد بعضا من أبيات الشعراء مثل بيت أبو القاسم الشابي المعروف
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
أو تردد نفس الشعارات مثل 'أرحل' أو تنادي بإسقاط النظام، والأمثلة كثيرة في هذا السياق ردّدت في الشوارع العربية شرقا وغربا، كما بين الشباب تصميمهم على المطالبة بالتغيير مهما كان الثمن. لكن المؤلف حينما يأتي على ذكر هذه الوقائع ومدح الشجاعة معلّلا الأسباب الموضوعية الحقيقية لقيام هذه الثورات يرى بأن ذلك 'تزامن مع تدخلات أجنبية مدروسة لمصالح هذه القوى أو تلك، والالتفاف على العديد من الاحتجاجات والثورات، لكي لا تتحول إلى نضال جماهيري كاسح، وذلك من خلال توجيه احتجاجات وانتفاضات نحو وجهة معينة وبالشكل الذي يضمن لها الحفاظ على مصالحها'. (ص.184).
انطلاقا من الوقائع المعيشية لبعض الدول التي وقع فيها التغيير، والذي قضى في شوارعها على الخوف، ولعله أهم مكسب حصّلت عليه الجماهير، التي بيّنت قدرتها على التحرك ومواجهة أعتى الأنظمة الفاسدة، إذ يمكنها السهر على مكاسبها وعودتها إلى ميادين الاحتجاج في أي وقت تطلب ذلك، يرى المؤلف بأنه 'يصعب حصر كافة السيناريوهات المتوقعة، أو إلغاء إمكانية تطورها في اتجاهات مجهولة، ومن ثم ليست مهمة المحلل وقف مفاجآت المستقبل أو الوقوف في وجه تطلعات سلمية للتغيير والإصلاح، بل توفير الاستراتيجيات القمينة بتحقيق تحولات آمنة ومدروسة، تستطيع أوسع الفئات الاجتماعية الاستفادة منها وتساعد على تلافي التداعيات الخطرة والمصاحبة لها' ( ص.185).
تطرق المؤلف إلى تحالف بعض عناصر بعض الجمعيات سواء الإسلامية أو المدنية مع السفارات الأجنبية، وأتى على ذكر الأسماء التي كانت على علاقة مع بعض المؤسسات الأمريكية، أو الغربية والتي ظهرت في صفوف الشباب المنادي بالتغيير والتي فضحت لعبتها وثائق ويكيليكس، أو بعض الأحزاب الإسلامية في المشرق والمغرب وتعرية علاقتها مع نفس المؤسسات، إضافة إلى اتصال بعضها بالحركات الاحتجاجية أو تعاملها معها بكثير من الغموض والتردد، ورغم ذلك فقد وجدت نفسها تأخذ أو تقترب من السلطة وهو شيء مثير ويطرح الكثير من التساؤلات، وما زاد في تركيز مكانتهم إلى حين هو نجاحهم في الانتخابات المنظمة إما في تونس أو مصر، ومحافظتهم على نفس الإطارات-تقريبا- الذي كان يسير أمور العباد والبلاد في عهد النظم الراحلة.
كما يؤكد الكاتب على ذلك بقوله 'وبالعودة إلى وثائق ويكيليكس نجد أن الحكومة الأمريكية عبر سفاراتها في القاهرة، كانت على علاقة وثيقة بهذه الحركة الشبابية، فضلا عن حزب الغد الذي كان يرأسه أيمن نور وحركة كفاية، إذ نجد في الوثيقة الدبلوماسية المنشورة على موقع ويكيليكس ( المؤرخة 19 كانون الثاني/ يناير 2010) تقريرا كاملا عن اعتقال مدونين مصريين وصحافيين ينتمون لحزب الغد وحزب الجبهة الديمقراطية وكل من حركات كفاية و 6 أبريل، حيث أغلب المعتقلين مشاركون في برنامج New G'n'ration الذي ترعاه مؤسسة 'بيت الحرية' الأمريكية freedom House. ( 242).
وما يزيد في الطين بلة هو ما سماه المؤلف تمويل تصدير الديمقراطية بوصفها 'ماركة مسجلة'، حيث يؤكد قائلا: 'هناك إحصائيات شبه رسمية تؤكد أن عدد الجمعيات المصرية التي تعمل في ظل القانون رقم 32 لسنة 1964 تبلغ نحو 17 ألف جمعية، ولكن بعد إقرار قانون 84 لسنة 2002 أصبح عدد الجمعيات الأهلية حتى عام 2009 في حدود 32 ألف جمعية بزيادة سنوية نحو 1300 جمعية أهلية وأنه في عام 2008 فقط بلغت الجمعيات التي حصلت على تمويل أجنبي 401 جمعية من إجمالي 26 ألف جمعية' ( ص.260. 261).
يزودنا المؤلف بمجموعة مفاتيح للتقرب من فهم الخلفيات المنطقية لثورة أتت بدون قيادة، أو سارت بشكل نظري متعارف عليه ووجود بعض الأحزاب المعارضة خارج التحضير أو اندلاع هذه الثورات لأن بعضها انضم إليها لاحقا، كما يلاحظ غياب بعض المعطيات المؤسسة لتحريك الخطوط السياسية الدولية، إذ أن أعداء هاته الثورات موجودون داخل البلاد العربية وبعضهم ما زال يتبوأ مناصب مهمة في جهاز الدولة، ولا زالوا على علاقة وطيدة مع الغرب الذي لا يريد أن تنشأ ديمقراطية أو تغيرات دون أن يكون أحد اللاعبين المهمين فيها.
اعتمد المؤلف على مجموعة من وثائق ويكيليكس التي فضحت بعضا من هذه الشبكات والعلاقات، وهي وثائق حقيقية ودقيقة وسرية، لكن مجرد الاطلاع عليها تترك الإنسان العربي يصاب بالدوران وخيبة الأمل.
تدفع معطيات الثورات العربية أي محلل إلى أن يكون حذرا في وضع نتائج قارة أو نهائية، لأنها قامت أيضا بفضل التقنيات الحديثة التي رغم استعمالها المحدود في العالم العربي مقارنة بدول آسيا أو الدول الغربية، فالعالم العربي يستعملها في حدود 10 في المائة، وهذا الاستعمال يزيد أو ينقص من بلد عربي إلى آخر، مما ترك لتونس أن تتبوأ المركز الأول في هذا المضمار.
لكن حتى هذه التقنيات هي أيضا من صنع الغرب، ويستطيع أن يطلع أو يوجه المعلومات المتبادلة بين الشباب، أو أن يطلع عليها لأنه هو الذي أنتجها ويتحكم فيها، ورغم الحذر والوعي بهذه المعطيات، فإن المؤلف لا ينكر وجود إرهاصات حقيقية في الشارع العربي ووجود رغبة كبيرة لديهم في التضحية من أجل التغيير الذي عبروا عنه بكل الوسائل التي وجدوها في حوزتهم، وأن المكتسبات التي حصلوا عليها تدفع بهم أن يكونوا حذرين ويقظين وأن ما قاموا به لم يعط النتائج المنتظرة، لذا يعتبر ما حققوه مرحلة أولى، وعليهم مواصلة كفاحهم غير مترددين في فضح كل شيء يسير ضد أمانيهم، لأن هناك معطيات حقيقية موضوعية أدت بهم إلى الاحتقان، وعليهم أن لا يسلموا في النتائج الأولية إذ تقع على كواهلهم تتبع وتوجيه قطار التصحيح في طريقه الحقيقي.
باغتت هذه الثورات النخب العربية، وما يسمى بأحزاب المعارضة، كما باغتت الكثير من المتتبعين الغربيين، لأن نجاحها في مرحلتها الأولى تحقق بفضل عناد الشباب وارتكازهم على مطالب شرعية، سخر منها الحكام العرب، بل راحوا يخططون لتوريث الحكم لأولادهم ، فهل تسمح هذه الأنظمة العربية القمعية التي رغم أن رؤوسها أزيلت، هل تسمح لهذه الثورة أن تسير إلى بر الأمان؟ أم تعمل في الكواليس، كما هو حالها الآن، لإعاقتها؟ هل يسمح الغرب لهذه الدول التي وقعت فيها الثورات أن تأخذ مبادرات تمشي ضد مصالحه؟ أو تبني وحدة إقليمية لإنشاء قوة اقتصادية حيوية؟ هل الأحزاب التي تم انتخابها قادرة أن تكون في مستوى الحدث وتعيد الأمل إلى المواطنين؟ هل تترك الجيوش العربية فرصة لهؤلاء الناس بخلق التحديات واقتسام الثورات في العالم العربي بشكل أكثر وضوحا؟ هل تخلق هذه الثورات مدا في بقية الدول العربية التي لم تعد أنظمتها قادرة على بلورة الآمال المنشودة؟ خاصة بعد الفضائح التي نشرها موقع ويكيليكس؟.
هذه الأسئلة وأخرى حاول المؤلف الإجابة عنها، وأن من يقف ضد هذه الثورات أو يرى بأنها غير ناضجة، معللا ذلك بأنها لم تحترم النظريات أو الممارسات أو المراحل المطلوبة، فهؤلاء لم يفهموا شيئا، لأن هاته الثورات ضربت عرض الحائط بكل تلك المقولات، كما أسست لأمل تغيير كبير انتقل الى الكثير من الشوارع الأوروبية والاسيوية والأمريكية، أي أنها أصبحت نموذجا يحتذى به، لذا فالوقوف ضدها يعني مساندة تلك السلطات الميتة والمميتة، أي مساندة تلك النظم الفاشلة المستبدة التي زعزعت كرامة الإنسان العربي.
ولكنه يجب أن نكون واقعيين حيث يشرح المؤلف الوضع العربي كأننا أمام 'عمارة من طابقين، يكشف النظر إلى ما يجري في الطابق السفلي عن تجاذبات سياسية حادة بين قوى البيت العربي ( بفعل الاستبداد السياسي، والبطالة والقمع وغياب الحريات) من ناحية، فيما تجلس في الطابق العلوي قوى كبرى لا تتابع عن كثب ما يجري فحسب، بل تحاول قدر إمكانها التدخل والتحكم في مجريات الأمور وما يجري ويدور من ناحية أخرى' ص.296.
لكن المؤلف يشير إلى الطابع السلمي حينما يقول ' لا يمكن أن نعدم حضور الطابع السلمي في هذا الاحتجاج والعصيان المدني الذي تم وهو ذو مغزى ودلالة كبيريين على نضج سياسي، حيث التفت الشباب المدني إلى الخبرات الدولية المبثوثة في الشبكة العنكبوتية وهو ثمرة من ثمرات العولمة تعزى إلى ثقافة الاستهلاك انعكست استعراضاتها الطقوسية واحتفاليتها المشهدية في الساحات السياسية احتجاجا على حالات الفساد التي جثمت على البلاد والعباد'( ص.300).
تعتبر المعطيات التي أتى بها الكاتب حسن مصدق ذات فائدة ثمينة، لأنه اعتمد كما هائلا من الوثائق الحديثة باللغات العربية والفرنسية والانجليزية، إضافة إلى تحليله وقراءته للكثير من التقارير الدولية، تقرير التنمية البشرية على سبيل المثال، أو تقارير المؤسسات التي تدعي 'زرع' الديمقراطية في العالم، أو تقارير المعاهد الإستراتيجية، وعليه فإننا نستطيع أن نقول بأنها قراءة واقعية وموضوعية للأحداث قدم من خلالها مجموعة احتمالات ورصد من خلالها العديد من وجهات النظر .
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.