ارتكب الكثيرون أخطاء فادحة حين خلطوا بين التيارات والحركات السياسية التي أتخذت كما تزعم من الاسلام منهجا لها تبشر من خلاله بالخلاص من الدنيا وبين الإسلام دينا يتوزع اتباعه بين امم مختلفة تقيم على مساحة كبيرة من الكرة الأرضية، كلهم يعبدون الله، الاله الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. ومن المؤكد أن ذلك الخلط كان عنصر قوة بالنسبة لتلك الحركات التي أتخذ العديد منها هيأة حزبية صارمة ومقيدة بشروط تجعل من امكانية انصهارها الايجابي في حياة المجتمع العادية امرا عسيرا للغاية. غير أن الوعي التبسيطي الذي اتبعه العقل الغربي في النظر إلى تلك الظاهرة كان هو الآخر مستفيدا من ذلك الخلط. فعن طريقه صار ممكنا اختزال صورة الاسلام بالسلوك الذي اتبعه بعض المسلمين في التعبير عن صلتهم الملتبسة والمشوشة بالمحيط الخارجي (بإنفسهم وبالعالم على حد سواء). على سبيل المثال صار بن لادن بعد أحداث الحادي من عشر من سبتمبر (ايلول) هو نموذج الشخصية المسلمة. صار المسلمون كلهم بن لادن. صورة بن لادن، بثيابه الافغانية ولحيته غير المشذبة وبندقتيه التي تصلح لصيد العصافير كانت صورة للإرهابي المسلم الذي يحلم بتدمير الحضارة الغربية. كذبة تلد أكاذيب. من بينها: واقعة العثور في أحد الجحور في قندهار على دفاتر مدرسية تأكد الخبراء من خلالها أن تنظيم القاعدة كان يسعى إلى امتلاك قنبلة نووية. مَن يضحك على مَن؟ لو قلنا ان بن لادن كان مسكينا بالقياس إلى دهاء سادته من امراء جهاز الاستخبارات الاميركية، لاعتبر الكثيرون قولنا هذا نوعا من الهزء الامبريالي بفكرة الجهاد. وهي الفكرة التي صارت بمثابة حبل للغسيل. هناك مجاهدون عرب كثيرون ذهبوا إلى الجهاد في افغانستان كان مصيرهم أن يُباعوا في سوق النخاسة أو أن يطردوا إلى بلدانهم، حيث لم يكن ينتظرهم سوى الانضمام إلى منظمات سرية، القتل هو مهنتها الوحيدة. تلك المنظمات كانت في حقيقتها شركات أمنية مستأجرة. وهكذا يكون المجاهدون كائنات لا تعرف سوى القتل مهنة لهم. كانت هناك شركات تصدر القتلة إلى بقاع مختلفة من الأرض العربية. ما حدث في العراق ويحدث الآن في سوريا. الشريعة كما يفهمها الاسلامويون هي أرض يابسة ترويها دماء الفائضين من البشر القادمين من كل مكان. في هذه الحالة فان الغرب لا يملك سوى أن ينظر بارتياح. المسلمون يقتل بعضهم البعض الآخر بإسم الإسلام وبعيدا عن الغرب. لا أحد يفكر بالجملة الناقصة. هناك مَن مول ومَن رعى ومَن يرغب في أن يتخذ المسلم صورة الارهابي الذي تعلن المطارات عند قدومه حالة الطواريء. الاسلام والمسلمون شيء واحد بالنسبة لرعاة فكرة الخلط بين الفكر الاسلامي وسلوك الاسلامويين (اتباع الحركات السياسية التي تتخذ من الاسلام واجهة)، ممن لا يخفون نزعاتهم العدوانية المتشددة ضد كل فكر وسلوك يفصحان عن نزعة مدنية. وهو ما يؤكد بطريقة لا تقبل اللبس أن أي حديث عن الديمقراطية من وجهة نظر الاسلامويين هو محض بدعة غربية. ولكن المزاج الغربي لا يقف عند حدود هذه المعادلة المرتابة. ما يحدث الآن في مصر يؤكد بالوقائع ان رهانات الغرب على ديمقراطية الاخوان ما هو إلا فرية، يُراد من خلالها تثبيت الاعتقاد السائد بين مفكري اليمين الغربي والذي يستند على قناعة ثابتة تقول: لا يمكن للمجتمعات المسلمة إلا أن تنتج حكومات تحكمها بالقوة، عن طريق طاعة ولي الامر التي صار الرئيس المصري محمد مرسي يتحدث عنها بكل صراحة أو الاخضاع القسري عن طريق التهديد باللجوء إلى العنف، وهو ما صار اتباع حركة الأخوان المسلمين بنادون به علانية في صراعهم مع قوى التنوير. الغرب لم يصدم بسلوك مرسي الذي يعيدنا الى أسوا ما في عصر الاستبداد من لحظات. ربما شعرت بعض الاطراف بالحرج بسبب تسرع مرسي في اعلان رغبته في تطهير الحياة المصرية من دعاة الحرية، غير أن هذا الشعور سرعان ما سيزول أمام الكذبة التي يتذرع بها الغرب والتي تقول "إذا أراد الشعب المصري دولة أخوانية فليذهب إليها. ذلك هو خياره". ولكن هل يرغب الغرب في دولة أخوانية في مصر حقا؟ حتى لو افترضنا أنه يرغب في ذلك فعلا، فانه يعرف في الوقت نفسه أن الوصول إلى ذلك الهدف سيكون عسيرا إلى الدرجة التي لا يتحمل أي طرف دفع تكلفتها. ولكن الفوضى مطلوبة. هنا يقع الهدف المباشر. فمصر مستقرة وبطريقة متوازنة تضمن التحديث وتطوير الاقتصاد وانقاذ الفئات المهمشة والمحرومة واستقلال السلطات وارساء ثقافة المساءلة من اجل انهاء حالة الفساد العام هي مصر التي يحلم بها العرب. اما حين تنحط مصر فان العرب كلهم يذهبون الى الانحطاط بلا تذكرة عودة. مَن يخطط لانحطاط مصر؟ لن يضرب الغرب أمام سؤال من هذا النوع إلا مثلا سيئا في التفكير حين يعود الى بداهاته الخاطئة عن الاسلام والمسلمين. فاروق يوسف ميدل ايست أونلاين